أستراليا تنتظر معاودة ازدهارها بعد كبوة، فهل تنجح؟

أستراليا تنتظر معاودة ازدهارها بعد كبوة، فهل تنجح؟

قطع الاقتصاد الأسترالي شوطاً طويلاً منذ دحض جون مينارد كينز حجج بيلي هيوز، الذي قاد البلاد خلال الحرب العالمية الأولى. دفع هيوز المنتصرين إلى الضغط على ألمانيا بشدة، وهو موقف لقي معارضة قوية من كينز، الذي كان جزءاً من الفريق البريطاني في محادثات السلام في باريس عام 1919.

وقد أشاد أندرو هاوزر، نائب محافظ بنك الاحتياطي الأسترالي، بعصرين ذهبيين في التاريخ المحلي في خطاب ألقاه حديثاً. كان هذان العصران نتيجة فكر اقتصادي رفيع تُرجم إلى سياسات حكيمة. وسلط هاوزر الضوء على العمل المُنجز في ثلاثينيات القرن الماضي، عندما ناضل الوزراء لإيجاد سبل لتخفيف مصاعب الكساد الكبير.

كما أشاد بعقدي الثمانينيات والتسعينيات، اللذين شهدا إصلاحات ضخمة مهدت الطريق لتوسع قياسي. ووصفت مجلة”إيكونوميست“ ذلك الازدهار، الذي انتهى بسبب الجائحة، بأنه “إنجاز تحدى معظم الدول الغنية الأخرى”.

الاقتصادات الكبرى تواجه عالماً مضطرباً بعد رسوم ترمب

لكن الأهم من ذلك، أن هاوزر، المدير التنفيذي السابق لبنك إنجلترا، تساءل عما إذا كانت أستراليا قادرة على تحقيق عصر ذهبي ثالث. يواجه صانعو السياسات والأكاديميون هذا التحدي – الحاجة ليس فقط إلى تسريع النمو، بل إلى تجهيز البلاد لعالم أكثر تنافسيةً، عالم تُقيّد فيه التجارة وتدفقات رأس المال. ووصف هاوزر هذا التحدي بأنه “السؤال الحاسم”.

تعيش البلاد حالياً حالة تفكّر عميق، فقد توافد كبار رجال الأعمال ورؤساء النقابات ومراكز الأبحاث على العاصمة كانبيرا على مدى عدة أيام في أغسطس، وكانت المهمة إيجاد طريقة لتعزيز الإنتاجية المتباطئة. كان ذلك يُذكّر بمؤتمرات قمة الثمانينيات التي وضعت صيغة لمكافحة التضخم وسعت جاهدة لإصلاح النظام الضريبي.

فشل أم نجاح مقبل؟

لم يخرج شيء بمثل تلك الجرأة هذه المرة. دعت دانييل وود، رئيسة لجنة الإنتاجية، وهي وكالة أبحاث واستشارات، إلى تبني عقلية جديدة. وأعربت عن أسفها لأن النمو قد تراجع إلى أسفل قائمة الأولويات.

لكن هل موجة الحنين إلى الماضي مبالغ فيها؟ بالتأكيد، كانت التغييرات التي حدثت قبل أربعة عقود بعيدة المدى: فقد تحررت العملة من القيود، وسُمح للبنوك الأجنبية بالدخول، وأُعيد النظر في الضرائب لجعل أستراليا أكثر تنافسية وللحد من التهرب الضريبي. ساهم اتفاق مع النقابات في الحد من الاضطرابات الصناعية. واتخذ البنك المركزي الخطوات الأولى نحو الاستقلال. واختارت مجلة ”يوروموني“ في 1984 بول كيتنغ، أمين الخزانة آنذاك ورئيس الوزراء لاحقاً، ليكون وزير مالية العام.

ديفيد فيكلينغ: أستراليا هي مستقبل الغاز… وستبقى كذلك

على الرغم من كل هذه الإنجازات، إلا أنها كانت أيضاً فترة انقسام. فقد شهد الدولار الأسترالي تقلبات حادة في العقد الذي تلا التعويم، وكان يُشار إليه أحيانًا باسم “بيزو جنوب المحيط الهادئ“.

ارتفعت أسعار الفائدة بشدة. وعارضت قطاعات من مجتمع الأعمال مساعي فرض ضرائب على أشياء مثل تناول غداء طويل مع كثير من المشروبات. ظهرت على واجهات المطاعم لافتات كُتب عليها “لا تدع كيتنغ يمنعك من الأكل”. وتعثرت إصلاحات طموحة أخرى بسبب نقص دعم رئيس الوزراء آنذاك بوب هوك، وهو سياسي يتمتع بشعبية لكنه أكثر حذراً. كان على اقتراح فرض ضريبة على الاستهلاك انتظار تولي الكتلة المحافظة السلطة عام 1996 في عهد جون هوارد.

عكست هذه الإنجازات حقائق قاسية. كان ترك المستثمرين يقررون قيمة العملة سيحدث عاجلاً أم آجلاً. فقد سئم المسؤولون من محاولة تنظيم تدفقات رأس المال الضخمة من خلال تعديل سعر الدولار كل صباح. ويُحسب لكيتينغ أنه أدرك أن أيام قمع الحكومة للأسواق قد ولّت.

توجيه المضاربة نحو المضاربين

كان هناك أيضاً دافع تكتيكي: سيُضارب المتداولون الآن ضد بعضهم بعضاً بدلاً من توجيه جهودهم تجاه الحكومة. إن المساءلة أمام العالم ستُجبر في النهاية على مجموعة كاملة من التغييرات التي كانت تُعتبر صعبة جداً فيما مضى، مثل إلغاء الرسوم الجمركية.

في حديث لصحيفة “أستراليان فاينانشال ريفيو” بمناسبة الذكرى الأربعين للقرار، قال كيتينغ: “كانت هذه الخطوة بمثابة تمرين في ريادة الأعمال السياسية، فضلاً عن تحرير الاقتصاد. كان عليك المخاطرة. تحصل على هذه الوظائف، وقد تستمر لمدة ثلاث سنوات. وإذا حالفك الحظ، فقد تستمر لست سنوات. لا جدوى من أن تكون فأراً”.

هل كان الإصلاح نتاجاً لعصره، نتاجاً تطلب تضافراً فريداً للضغوط المالية وشخصيةً مُلهمة؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فإن التأملات والمؤتمرات حول مستقبل البلاد لن تُفضي إلا إلى خيبة أمل. لكن الاستسلام للرتابة لن يُجدي نفعاً أيضاً.

أستراليا “مستعدة لاتفاق” مع أوروبا بعد سنوات من المحادثات التجارية

أفضل سبيل للمضي قدماً ليس الحداد على الثمانينيات، بل التعلم منها. ليس بالضرورة أن تكون التحولات هائلة، بل يكفي أن تُحرك الكرة للأمام. جيم تشالمرز، أمين الخزانة الحالي، الذي أعد أطروحته للدكتوراه عن كيتنغ، يطرح أفكاراً صائبة. قال تشالمرز إن الاجتماع الأخير قد توصل إلى “نوايا حسنة وأفكار جيدة”. كل ما تحتاجه هذه الأفكار هو أن تُصبح سياسات – وأن تُقنع الناخبين الحذرين.

كما حظي هوك وكيتنغ بدفع من التأييد العالمي. كان ذلك في أوج مجد ثاتشر وريغان، وكان تحرير الاقتصاد من القيود التنظيمية رائجاً خارج حدود أستراليا. مع استقرار حكومة هوك، أصدر بيلي جويل ألبومه (An Innocent Man) الحائز على عدة جوائز بلاتينية. تذكّرنا إحدى أغانيه الناجحة بأن الأيام الخوالي لم تكن دائماً سعيدةً وأن غداً لن يكون بالسوء الذي نظنه.

كان هذا تعبيراً حسناً حينها وهو درسٌ مهم اليوم، إذ أن المنظور مهم. كينز، الذي آمن بأن كل شيء ممكن على المدى البعيد، لم يكن ليعترض على هذا. فلتمضي قدماً يا أستراليا.

نقلاً عن: الشرق بلومبرج

أحمد ناجي محرر الأخبار العاجلة بموقع خليج فايف