أول زعيمة لليابان هل تكون زعيمةً لا تنسى أم مجرد فقاعة؟

أول زعيمة لليابان هل تكون زعيمةً لا تنسى أم مجرد فقاعة؟

تتجه اليابان نحو تولية زعامتها لامرأة لأول مرة في تاريخها هي ساناي تاكايتشي، التي تطمح إلى أن تكون نسخةً من قدوتها، مارغريت ثاتشر. لكن البعض يخشون أن تكون شبيهة ليز ترَس.

بعد فوزها في سباق رئاسة الحزب الليبرالي الديمقراطي، تُعتبر تاكايتشي رئيسة وزراء اليابان العتيدة المفترضة. لكنها تواجه واحدةً من أصعب المهام السياسية: إعادة توحيد حزبٍ مُهدد بالانهيار، ومعالجة استياء الناخبين من التضخم، وإدارة علاقةٍ توترت حديثاً مع الولايات المتحدة، ضامنة أمن البلاد.

ستتولى مذيعة الأخبار السابقة، وهاوية قرع الطبول التي تعشق الدراجات النارية، منصب رئيسة الوزراء بعد أن سبقها فيه 65 رجلاً. يُتوقع أن تتقدم اليابان في تصنيفات المساواة بين الجنسين. لكن إذا توقع أحدٌ أن يؤدي هذا إلى أمة أكثر ليبرالية، فليُعِد النظر- تاكايتشي هي الخيار الأكثر محافظةً الذي كان بإمكان الحزب اتخاذه، إن لم تكن أكثر القادة ميلاً إلى اليمين في التاريخ الحديث.

كيف يؤثر فوز تاكايشي برئاسة وزراء اليابان على الأسواق؟

كانت هذه المرة الثالثة التي تترشح فيها لرئاسة الحزب: فقد غيّر الحزب الليبرالي الديمقراطي قياداته في خضم صراع على الشعبية بعدما فقد القيادة بوفاة زعيمه المخضرم شينزو آبي.

وصلت إلى جولة الإعادة في انتخابات العام الماضي، لكن فرصتها تلاشت بسبب نفور المشرعين مما اعتبروه مواقفها المتطرفة. يُقال إن الزعيم السابق فوميو كيشيدا أطلق عليها لقب “طالبان”، وكان له دورٌ حاسمٌ في ترقية شيغيرو إيشيبا سيئ الحظ إلى القيادة بدلاً منها.

هذه المرة، ومع حاجة الحزب الليبرالي الديمقراطي الماسة إلى استعادة مكانته، رأى المشرعون أنهم بحاجة إلى أن يجنحوا نحو اليمين. منذئذ، عدّلت تاكايتشي موقفها بذكاء. قالت حديثاً: “أدركتُ العام الماضي لأول مرة أن الناس ربما اعتبروني محافظةً يمينيةً متطرفة جداً. أعتقد أنني مواطنة يابانية عادية جداً“.

لماذا يراها البعض شبيهة ترَس؟

كما عدّلت تاكايتشي سياساتها الاقتصادية. في انتخابات القيادة عام 2021، أطلقت على رؤيتها اسم “اقتصاديات ساناي”، وفي عام 2024، انتقدت بنك اليابان بشدة لتفكيره في رفع أسعار الفائدة، ودعت إلى التوسع المالي، ما جلب عليها مقارنةً مع ترَس، التي أثارت ذعراً في الأسواق واستقالت بعد 44 يوماً فقط من توليها رئاسة وزراء المملكة المتحدة. وقد أشادت ترَس بفوز تاكايتشي ووصفته بأنه “رد فعل ضد الركود الاقتصادي والهجرة المفرطة وتراجع السيادة الوطنية” في منشور عبر منصة ”إكس“.

منذ ذلك الحين، تراجعت تاكايتشي بحكمة عن مثل هذه المواقف. وانعكاساً لميولها المحافظة، تركز سياستها الاقتصادية على الاستثمار في النمو الذي سيعزز مكانة اليابان في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني واستقلال الطاقة.

الأسهم الآسيوية تقفز لمستويات قياسية بقيادة اليابان

لكنها هذه المرة ركزت أكثر على شؤونها اليومية، ودعت إلى إعفاءات ضريبية يتلقى فيها الشخص مالاً حتى لو لم يدفع ضريبةً مقابله، ورفع عتبة ضريبة الدخل لأصحاب الدخل المحدود، وتحدثت عن ضرورة الإنفاق بمسؤولية.

بعدما دعت سابقاً لزيارة ضريح ياسوكوني في طوكيو كزعيمة، وهو أمر عارضته الصين وكوريا الجنوبية، تراجعت هذه المرة عندما سُئلت عما إذا كانت ستواصل زياراتها المنتظمة.

وبصفتها من أتباع آبي، استعارت منه شعار حملتها الانتخابية: “اليابان عادت”. لقد استهلّت كتاباً نشرته عام 2024 تحت عنوان “حماية اليابان: قوية ومزدهرة” الذي يكشف لك تقريباً كل ما تحتاج لأن معرفته حول سياساتها- بمناقشة كيف سبب اغتياله لها إضطراباً في الليل لدرجة أنها اضطرت للاستعانة بحبوب منومة.

هل هي متهورة؟

أنا أقل قلقاً بشأن أن تاكايتشي يمينية متطرفة؛ فهذا هو التصنيف الخاطئ الذي يُصنفها فيه المرء، وهو التصنيف الخاطئ في أغلب الأحيان. كان كثير من حديثها عن الهجرة خلال الحملة الانتخابية منطقياً جداً، بما في ذلك تنظيم شراء الأجانب للعقارات.

لكن لديها تهور يُثير القلق. فقد بدأت أول خطاب لها في حملتها الانتخابية بحكاية مُطولة عن سياح يُضايقون الغزلان في مسقط رأسها نارا، في محاولةٍ لجذب المُتسخطين من سلوك السياح المُزعج. وقد هيمن ذلك على الحوار عبر الوسائط الإلكترونية وصرف الانتباه عن قضايا أكبر.

وفي الماضي، دعت، بشكلٍ مُرتجل على ما يبدو، إلى تأجيل معرض إكسبو العالمي في أوساكا بسبب زلزال في الجانب الآخر من البلاد (وقد استمر الحدث وحقق نجاحاً). وفي وقتٍ سابق من هذا العام، قدّمت اقتراحاً انتهازياً بإلغاء ضريبة المبيعات على المواد الغذائية.

اليابان تنتظر قائداً مختلفاً وربما مليئاً بالعيوب

في غياب آبي، أدرك الحزب الليبرالي الديمقراطي أهمية وجوده، وفي خضم أزمة هويته، تحوّل الحديث حتى إلى احتمال انقسامه. وقد تخلى عنه الناخبون المحافظون. ومن خلال انتخاب أعضاء القاعدة الشعبية، قد يتمكن الحزب من استعادة مكانته.

لكن الاكتفاء بمناشدة اليمين لن يُجدي نفعاً. تطمح تاكايتشي إلى خلافة آبي، ولكن هل تمتلك موهبته السياسية؟ بعد ولايته الأولى الكارثية عام 2006، كبح بحكمة ميوله القومية. كانت حملتها هذه المرة أذكى بكثير من حملة 2024، مما يُظهر على الأقل قدرتها على التعلم. فهل ستتمكن من تطبيق هذه البراغماتية في منصبها؟ سيكون أول تحدٍّ لها هو الحفاظ على علاقاتها مع شريكها في الائتلاف حزب كوميتو، الذي يبدو زعيمه متشككاً حيالها.

في مؤتمرها الصحفي الافتتاحي كزعيمة للحزب، التزمت تاكايتشي بالموقف المعتدل الذي أظهرته كمرشحة. وقالت إنها ستعطي الأولوية لتدابير التضخم التي يمكن تنفيذها بسرعة، وتراجعت عن مسألة ضريح ياسوكوني، ودعت إلى التعاون بين الحكومة وبنك اليابان.

قالت: “أريد أن أدير الحزب الليبرالي الديمقراطي بطريقة تجعل الناس يعتقدون أن هذا الحزب هو الذي حوّل القلق والمخاوف إلى آمال وأحلام”. سيُكتب الكثير عن آرائها “المتطرفة” في الأيام المقبلة، لكن في الوقت الحالي، يبدو أن تاكايتشي هي من تحسن الخطاب.

تحديات تتعاظم

إن عام إيشيبا الفاشل في السلطة يعني أن التحديات ما تزال تتزايد. ستحظى تاكايتشي بمقعد أقلية في مجلسي البرلمان، في حين تحاول اليابان التصالح مع كل شيء، بدءاً من حجم الهجرة التي تريدها، وصولاً إلى كيفية معالجة التضخم، وكيف سيبدو اقتصادها في عصر الذكاء الاصطناعي.

تخيم على كل شيء العلاقة المضطربة مع حليفها وضامن أمنها. في عهد الرئيس دونالد ترمب، فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية بنسبة 15% على الواردات اليابانية، وطالبتها بتمويل استثمارات بقيمة 550 مليار دولار. ومن قبيل الصدفة، قد يكون ترمب أول زعيم أجنبي تلتقيه تاكايتشي بعد ترشيحها المحتمل لرئاسة الوزراء، وهو متوقع أن يكون في 15 أكتوبر. تشير التقارير إلى أن الرئيس سيصل بعد أقل من أسبوعين. وسيكون لقاؤهما حدثاً تلفزيونياً لا يُفوّت.

إن صعود تاكايتشي لحظة تاريخية. لكن الحزب معتاد على سحق القادة. وإذا لم تنجح، كما كان الحال مع ترَس، فقد يُقاس أمد ولايتها بأمد بقاء الخس صالحاً للأكل بعد قطعه عن جذره.

نقلاً عن: الشرق بلومبرج

أحمد ناجي محرر الأخبار العاجلة بموقع خليج فايف