تظل صورة اللواء مصطفى الخطيب، مساعد مدير أمن الجيزة لمنطقة الشمال، حية في ذاكرة أرملته “سحر يوسف”، التي لا تملك إلا أن تردد: “لن أنساه أبداً، رغم الغدر الذي اغتاله.” كلمات خرجت من قلبها المثقل بالوجع، فكل زاوية في قلبها تحمل ذكريات ذلك الوداع الأخير، عندما كانت آخر لحظات حياته مليئة بالشجاعة والتضحية، قبل أن ينقض عليه غدر الأعداء في مكان مقدس.
كان مصطفى، في ذلك اليوم الذي لا ينسى، يشع بهجة وابتسامة دائمة، كما كان يفعل دائمًا. استعد لمغادرة المنزل في مهمة قد تبدو روتينية، متجهًا إلى مركز كرداسة، لكن تلك كانت آخر مهمة له على الأرض.
حينما اتصلت به “سحر”، كان صوته يحمل بين طياته قلقًا طفيفًا، وقال: “فيه اشتباك، اقفلي.” كانت تلك الكلمات هي آخر ما سمعته منها قبل أن تلتهمه يد الموت، ليترك قلبها بين شجاعة وعذاب لا ينتهي.
منذ زواجهما عام 1986، عاشا رحلة طويلة مليئة بالتضحية والإخلاص، حيث كان مصطفى مثالاً للوفاء والتفاني. حتى بعد ترقيته إلى مساعد مدير أمن الجيزة، لم ينسَ أبدًا تلك القرية التي عشقها، بل ظل يسعى جاهدًا لتحقيق التوازن بين الأهالي والشرطة، محاولًا جمع قلوبهم قبل جمع أصواتهم. كان يمتلك تلك البسمة التي لا تفارق وجهه، حتى أثناء تأدية الصلاة مع المواطنين في المسجد القريب من المركز، مما جعله شخصية محبوبة في قلوب الجميع.
كان مصطفى الخطيب بطلاً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فقد حمل روحه على كفه في سبيل حماية وطنه، دون أن ينتظر شكرًا أو جزاء، ولكن كما هي عادة الأبطال الذين لا يبحثون عن مجد، جاء غدرهم ليكتب شهادة وفاته بدم بارد، ليترك خلفه قصة تروى عن رجل لم يكن يفرّق بين واجبه تجاه وطنه وأسرته، بل جعل الجميع في قلبه وعقله، حتى آخر لحظة.
اليوم، تبقى روح مصطفى الخطيب حية في ذاكرة كل من عرفه، ويظل اسمه رمزًا للشجاعة والإخلاص، شهيدًا ارتقى في سبيل أداء واجب لم يخش يومًا لحظة من أجل أن يبقى وطنه في أمان.
في قلب هذا الوطن الذي لا ينسى أبنائه، يظل شهداء الشرطة رمزًا للتضحية والفداء، ويختصرون في أرواحهم أسمى معاني البذل والإيثار، رغم غيابهم عن أحضان أسرهم في شهر رمضان، يبقى عطاؤهم حاضرًا في قلوب المصريين، فالوطن لا ينسى من بذل روحه في سبيل أمنه واستقراره.
هم الذين أفنوا حياتهم في حماية الشعب، وسطروا بدمائهم صفحات من الشجاعة والإصرار على مواجهة الإرهاب، هم الذين لم يترددوا لحظة في الوقوف أمام كل من يهدد وطنهم، وواجهوا الموت بابتسامة، مع العلم أن حياتهم ليست سوى جزء صغير من معركة أكبر ضد الظلام.
في رمضان، حين يلتف الجميع حول موائد الإفطار في دفء الأسرة، كان شهداء الشرطة يجلسون في مكان أسمى، مكان لا تدركه أعيننا، ولكنه مكان لا يعادل في قيمته كل الدنيا؛ فإفطارهم اليوم سيكون مع النبين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا.
مع غيابهم عن المائدة الرمضانية في بيوتهم، يظل الشعب المصري يذكرهم في صلواته ودعواته، تظل أسماؤهم محفورة في ذاكرة الوطن، وتظل أرواحهم تسكن بيننا، تعطينا الأمل والقوة لنستمر في مواجهة التحديات.
إن الشهداء هم الذين حفظوا لنا الأمان في عز الشدائد، وهم الذين سيظلون نجومًا مضيئة في سماء وطننا، فلهم منا الدعاء في كل لحظة، وأن يظل الوطن في حفظ الله وأمانه.
نقلاً عن : اليوم السابع
لا تعليق