إقبال على الاستثمار الزراعي في أفريقيا ولو تباينت الأهداف

استفتحت الصين واردات التوت الأزرق من زيمبابوي في سبتمبر بعد أن منحت الضوء الأخضر في يونيو للفول السوداني والكاجو الغامبي. كما حصل دقيق فول الصويا الإثيوبي، وهو منتج ثانوي غني بالبروتين ويستخدم بشكل رئيسي في تغذية الدواجن والحيوانات، على أول موافقة لدخول السوق الصينية.
بالنسبة لدول أفريقيا الـ 54 وللمستثمرين الدوليين الذين يتدافعون لتمويل الموجة التالية من مشاريعهم الزراعية، بعثت هذه القرارات البيروقراطية التي تبدو بسيطة برسالة قوية: الحرب التجارية للرئيس الأميركي دونالد ترمب تتيح فرصاً كبيرةً لاقتصادات أفريقيا، وخاصة في مجال الغذاء.
أفريقيا تفقد بطاقة العبور المجانية إلى السوق الأميركية
بعد النظر إليها لفترة طويلة من منظور زراعة الكفاف وحقوق الأراضي في حقبة ما بعد الاستعمار، أصبحت الزراعة الأفريقية بسرعة ساحة اختبار للاستثمار العالمي. بالنسبة للصين والدول الأخرى التي تعطلت تجارتها مع الولايات المتحدة، تتيح أفريقيا فرصة لتنويع اقتصاداتها بعيداً عن الواردات الزراعية ذات المخاطر السياسية.
أعلن الرئيس شي جين بينغ في يونيو أن الصين ستلغي الرسوم الجمركية على الواردات من جميع الدول الأفريقية التي تربطها بها علاقات دبلوماسية. قال كريستوفر بيدور، نائب مدير أبحاث الصين في شركة “غافيكال دراغونوميكس“ (Gavekal Dragonomics) للأبحاث المالية: “الاستراتيجية الأساسية للحكومة الصينية واضحة جداً“.
أضاف أن الصين، التي تستثمر بكثافة في أسواق أميركا الجنوبية، تسعى إلى زيادة الفجوة بين اقتصادها وبين ترمب، و”هذا يعني أنها مستعدة لإبرام صفقات زراعية في كل مكان تقريباً في العالم النامي، بما في ذلك أفريقيا”.
استثمارات خليجية مكثفة
كما استثمرت قطر والإمارات العربية المتحدة ودول الخليج الأخرى بكثافة في الزراعة والبنية التحتية ذات الصلة في القارة. وتوفر هذه الصفقات تحوطا حيوياً ضد تقلبات المناخ وندرة الموارد التي تهدد إنتاج الغذاء في الشرق الأوسط.
لم تكن استثمارات القوى العالمية في أفريقيا، التي يقطنها ما يقرب من 1.6 مليار نسمة وبها نحو 60% من الأراضي الصالحة للزراعة غير المزروعة المتبقية في العالم، دائماً في وضع أفضل للمنطقة.
خلال العقدين الماضيين، رحّبت حكومات إثيوبيا وموزمبيق وزامبيا ودول أخرى، كانت حريصة على تحديث قطاعها الزراعي، بالمستثمرين الصينيين. لكن كثيراً من المناطق افتقرت إلى الطرق ومحطات الكهرباء وخطط إعادة التوطين – أو حتى البيئة السياسية المستقرة – اللازمة لجعل الزراعة التجارية واسعة النطاق مجدية.
بيئة عانت كثيراً من عدم الاستقرار
كثيراً ما أدت المشاريع التي وعدت برأس المال والتقنية وفرص العمل إلى إضعاف المجتمعات الريفية وإثارة الجدل. وكتبت عالمة السياسة الأميركية ديبورا براوتيغام في كتابها الصادر عام 2015 بعنوان “هل ستطعم أفريقيا الصين؟”: “مقابل كل استثمار من الاستثمارات القليلة التي نجحت أخيراً، فشل كثير بسبب ضعف البنية التحتية والانقلابات والانتخابات المثيرة للجدل، وحتى الحروب الأهلية”.
يقول مسؤولون حكوميون إن هذه الصفقات الجديدة مختلفة. من ناحية، وعلى عكس الشراكات السابقة التي ركزت في الغالب على كيفية إيصال المواد الخام الأفريقية بأسعار زهيدة إلى الأسواق الخارجية، فإن كثير من اتفاقيات عام 2025 تمزج المصالح التجارية مع مشاريع التنمية الاجتماعية مثل بناء البنية التحتية وخلق وظائف دائمة ومشاركة المعرفة التقنية مع قادة الأعمال الأفارقة. يتطلب كثير من الصفقات الحديثة أيضاً بقاء بعض الإنتاج الجديد للاستخدام المحلي.
الصين تضخ 1.4 مليار دولار لإحياء خط سكك حديد في أفريقيا لنقل النحاس
تختلف كل صفقة عن الأخرى، لكن الهدف الشامل واحد: تحسين الإنتاجية لصالح الدولة المضيفة، وكذلك داعميها في الخارج. على سبيل المثال، تخطط قطر لاستثمار 1.5 مليار دولار في قطاع الزراعة في غانا بحلول نهاية العام لتمويل الري وزيادة إنتاج الأغذية القابلة للتصدير، وهي مبادرة يُتوقع أن توفر أكثر من 2500 فرصة عمل هناك.
بالإضافة إلى ذلك، تعاونت ”شركة الجداد القابضة“ القطرية مع وزارة الأغذية والزراعة في غانا لبناء منشأة لإنتاج الأسمدة بقيمة 5 مليارات دولار في مركز البترول في أتوابو، غرب غانا. الهدف هو إيجاد مصدر محلي لليوريا والأمونيا، ما سيقلل من اعتماد غانا على واردات الكيماويات الزراعية باهظة الثمن، ويعزز أمنها الغذائي.
على مبدأ المنفعة المشتركة
في عدة من هذه الاتفاقيات المستقبلية، ستظل الأراضي المزروعة ملكاً للدولة. وهذا مزمع في أنغولا، التي تشكّل أكثر التجارب طموحاً في القارة. على مدى أسبوع في أواخر يوليو، وقّعت الدولة الواقعة في جنوب غرب أفريقيا صفقات زراعية بقيمة 350 مليون دولار مع شركات صينية.
سيطور استثمار بقيمة 250 مليون دولار من شركة ”سيتيك كونستركشن“ (Citic Construction) الصينية 100 ألف هكتار (حوالي 247 ألف فدان) من فول الصويا والذرة، كما تمنح صفقة أخرى مجموعة ”سينوهيدرو“ (Sinohydro Group)، وهي شركة تملكها الدولة لبناء الطاقة الكهرومائية، امتيازاً معفياً من الضرائب لمدة 25 عاماً لزراعة 30 ألف هكتار من الحبوب.
الصين تغرق أفريقيا بصادرات أكثر من أي منطقة أخرى
في هذا الصيف، وقّعت أنغولا أيضاً اتفاقيات مع البرازيل والإمارات العربية المتحدة، ما أتاح للمستثمرين الأجانب ما يقرب من مليوني هكتار من الأراضي الزراعية. وتسعى أنغولا أيضاً إلى جذب استثمارات من اليابان.
على عكس الصفقات السابقة، فإن هذه ليست مشاريع تجريبية أو استثمارات لمرة واحدة. ويخصّص 60% من إنتاج هذه المزارع للأسواق الخارجية؛ بينما يبقى الباقي في أنغولا، وفقا لوزير الزراعة إسحاق دوس أنجوس.
ستعمل الشركات الأجنبية جنباً إلى جنب مع المزارعين في قطع أراضي مقسمة تتراوح مساحتها بين 1000 و2000 هكتار. وبدلاً من تهجير المجتمعات المحلية، تقول الحكومة إنها تعمل على دمجها من خلال تقديم اتفاقيات إنتاج مشترك والسماح للمحاصيل التصديرية المرفوضة بالبقاء في البلاد.
استغلال فجوة الحرب التجارية الصينية الأميركية
باستغلال فرصة ناجمة جزئياً عن المواجهة التجارية بين الصين والولايات المتحدة، تتوقع أنغولا أن تتمكن من تنويع اقتصادها بعيداً عن النفط، الذي يمثل اليوم أكثر من نصف إيرادات الحكومة. قال دوس أنجوس: “يجب أن نعترف بأن هذه فرصة لأنغولا، ويجب ألا تخشى أنغولا اغتنامها“.
تسعى الحكومة إلى جذب ما يصل إلى ملياري دولار من الاستثمارات الزراعية سنوياً على مدى السنوات الخمس المقبلة، وفي نهاية المطاف زيادة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من الضعف لتصل إلى 23%. أضاف: “لطالما كانت لدينا إمكانات. والآن علينا تحويل ذلك إلى واقع”.
إن عصر الصفقات الجديد ليس خالياً من المخاطر. أولاً، ما تزال البنية التحتية تشكّل تحدياً كبيراً. قال دوس أنجوس: “يطلب معظم المستثمرين أراضٍ قريبة من الموانئ، مع خطوط سكك حديدية وبنية تحتية للنقل وخطوط كهرباء. إنه الشرط الوحيد الذي لا يمكننا تلبيته“.
أنغولا تلجأ لصندوق النقد وسط ارتفاع قياسي في عوائد سنداتها
للمساعدة في معالجة هذا الوضع، تسرّع أنغولا تطوير ممر لوبيتو، وهو طريق سكك حديدية وميناء يربط قلب البلاد الزراعي بطرق الشحن عبر المحيط الأطلسي. وهناك إنفاق مشابه في كينيا والمغرب والسنغال ودول أخرى.
لن يتضح إلا بعد عدة مواسم زراعية ما إذا كانت أنغولا ستصبح نموذجاً يحتذى به لمستقبل أفريقيا الزراعي أم مجرد قصة تحذيرية. وما تزال بروتيغام، عالمة السياسة ومديرة مبادرة أبحاث الصين وأفريقيا في جامعة جونز هوبكنز في بالتيمور، متشككةً. قالت: “تميل الشركات الصينية والحكومات الأفريقية إلى الإعلان عن صفقات ضخمة، وهو ما يحظى باهتمام أكبر بكثير”. وتضيف أن إجمالي الاستثمارات الفعلية قد لا يصل أبدا إلى الرقم المعلن.
في غضون ذلك، يستمر النشاط التجاري بين ثاني أكبر قارة في العالم ومستثمريها الأجانب في التزايد. في الأسابيع التي تلت موافقة الجهات التنظيمية في ركن هادئ من البيروقراطية التجارية الصينية المترامية الأطراف على صادرات فول الصويا الإثيوبية، انطلقت الشحنة الأولى إلى البحار. ولن تمرّر أي سفن تحمل فول الصويا الأميركي إلى المشترين الصينيين – فبكين، التي بدأت بتنويع اقتصادها بعيدا عن الزراعة الأميركية خلال الحرب التجارية الأولى لترمب، لم تشتر فول الصويا الأميركي منذ عام 2023.
نقلاً عن: الشرق بلومبرج