الاتحاد الأوروبي يتراجع تعهد الريادة تقنين الذكاء الاصطناعي
يعتزم الاتحاد الأوروبي التراجع عن خططه للسيطرة على تقنيات “محفوفة بمخاطر عالية”، تتعلق بتطبيقات الذكاء الاصطناعي، في مواجهة ضغوط مكثفة من الولايات المتحدة وعمالقة التكنولوجيا، وسط سباق عالمي لكسب المال والنفوذ، وفق مجلة “بوليتيكو”.
وأشارت المجلة الأميركية، في تقرير، إلى أن من المتوقع أن تؤجل المفوضية الأوروبية، الأربعاء، تنفيذ القيود التاريخية للذكاء الاصطناعي لمدة عام على الأقل في إطار التغييرات الشاملة للقواعد الرقمية التي تهدف إلى البقاء في المنافسة مع الولايات المتحدة والصين.
وذكرت أن صانعي السياسات في الاتحاد الأوروبي ركزوا طيلة سنوات على وضع لوائح تنظيمية لضمان إمكانية الوثوق بالتكنولوجيا، والوقت الراهن، في العام الذي شهد تقدماً كبيراً في مجال الذكاء الاصطناعي وعودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، يتخلى التكتل عن حلمه في أن يكون الرائد العالمي في تقنين تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
وأوضحت أن قانون الذكاء الاصطناعي، الذي استغرق التفاوض بشأنه سنوات، لم يطبق بشكل كامل حتى الآن. وطوال عام 2025، دعت مجموعة متزايدة من الحكومات والمديرين التنفيذيين من شركات التكنولوجيا وجماعات ضغط صناعية إلى تأجيل جزء من القانون، ما يضع المسألة في قلب معركة أوسع في بروكسل بشأن سبل تحقيق التوازن بين التقنين والابتكار.
ووفقا للمجلة، سيشهد اقتراح الأربعا، انتصار أصوات قطاع الصناعة مع الإعلان الذي صدر في عهد رئيس المفوضية نفسها التي أشادت بالقانون الأصلي باعتباره “لحظة تاريخية” لجعل الناس أكثر أماناً.
ضغوط مكثفة
ورغم أن السلطة التنفيذية للاتحاد الأوروبي ستقدم الاقتراح على أنه تعديل تقني من شأنه أن يجعل لوائح الاتحاد الأوروبي أكثر فعالية في نهاية المطاف، على أساس أن التغييرات ستساعد الصناعة على الامتثال، لكنه يأتي بعد ضغوط مكثفة من جانب إدارة ترمب في واشنطن، ومن جماعات ضغط تابعة للشركات في بروكسل ضد القواعد الرقمية للتكتل.
وفي فبراير، هدد الرئيس الأميركي دونالد ترمب باستهداف بروكسل، رداً على الغرامات المفروضة على الشركات الأميركية، إذ كان الاتحاد الأوروبي قد بدأ بالفعل في “إعادة تقييم” تحقيقات حول شركات، مثل أبل و”ميتا” وجوجل، بموجب تشريعات أخرى تهدف إلى حماية الأسواق الرقمية الأوروبية.
وقالت ناتالي هيلبرجر، أستاذة القانون والتكنولوجيا الرقمية في جامعة أمستردام، إن “جزء من الرسالة التي توجهها أوروبا إلى بقية العالم هو أنها منفتحة على ضغوط شركات التكنولوجيا والدول الأخرى”، معربة عن اعتقادها بأن “هذا يضر بالمصداقية”.
وبموجب الخطط المتوقعة، الأربعاء، فإن سلسلة من ممارسات الذكاء الاصطناعي التي تصنف على أنها عالية المخاطر، ومنها استخدام الذكاء الاصطناعي في التوظيف، لتقييم مدى ملاءمة الأشخاص للحصول على قروض أو لتسجيل الامتحانات، لن تواجه التزامات لمدة عام على الأقل أكثر مما كان مخططاً له.
ويعزى جزء كبير من مبررات القرار إلى مخاوف من أن اللوائح ستمنع أوروبا من المنافسة في وقت تحتاج فيه إلى رفع مستواها، إذ انتقدت جماعات ضغط تقنية الجدول الزمني المتوقع باعتباره “غير قابل للتطبيق”.
وقال وزير التكنولوجيا الرقمية الألماني كارستن فيلدبرجر، الثلاثاء، عندما سُئل عن اقتراح المفوضية الجديد: “إذا استطعنا فقط رفع القدم عن المكابح وإعطاء الابتكار فرصة أكبر قليلاً، أعتقد أن هذا هو كل ما نحتاج إليه”.
ومن شأن التغييرات الأخرى المتوقعة، الأربعاء، أن تعفي المزيد من الشركات من بعض القواعد تماماً، كما ستمنح الصناعة فترة سماح بشأن القواعد الجديدة للعلامات المائية للمحتوى المرئي الذي يصنعه الذكاء الاصطناعي.
كان الجدول الزمني للتوصل إلى المعايير “طموحاً بعض الشيء منذ البداية”، حسبما قال ممثل عن هيئات التوحيد القياسي لمجلة “بوليتيكو” في سبتمبر.
وأعلنت ألمانيا وفرنسا، الثلاثاء، تأييدهما للتأجيل لمدة عام واحد، كما دعت كل من السويد وبولندا وجمهورية التشيك، والدنمارك إلى التوقف المؤقت أو فترة سماح قبل التطبيق.
سيحتاج اقتراح، الأربعاء، إلى موافقة دول الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي قبل أن يصبح نهائياً. وثمة موعد نهائي صارم هو أغسطس 2026، وهو الموعد النهائي المحدد لتطبيق القواعد.
معارضة حقوقية
مع ذلك، تثير هذه الخطط معارضة في صفوف منظمات المجتمع المدني، بحسب المجلة الأميركية. وفي هذا السياق، قال دانيال لوفر، كبير محللي السياسات في منظمة Access Now، وهي منظمة غير ربحية تركز على الحقوق المدنية الرقمية مقرها نيويورك: “يبدو أن المفوضية الأوروبية عازمة على تدمير ضمانات الحقوق الأساسية، وتهيئنا لأشهر، إن لم يكن لسنوات من الخلافات الداخلية والغموض القانوني دون أي مكاسب ملموسة لتنافسية الاتحاد”.
في أغسطس 2024، اعتُمد كتاب توجيهات الذكاء الاصطناعي للكتلة، لكن كان من المفترض دائماً أن تدخل القواعد حيز التنفيذ بشكل تدريجي.
وحُظرت بعض ممارسات الذكاء الاصطناعي التي تنطوي على “مخاطر غير مقبولة” مثل تقنية الشرطة التنبؤية، أو التقييم الاجتماعي منذ فبراير. كما اضطرت الشركات المصممة لنماذج الذكاء الاصطناعي الأكثر تعقيداً، مثل شركة OpenAI مالكة نموذجها GPT إلى الالتزام بمجموعة منفصلة من القواعد منذ أغسطس.
كان من المقرر أن تدخل القواعد التي تضغط السلطة التنفيذية في الاتحاد الأوروبي الآن لإيقاف العمل بها، حيز التنفيذ في أغسطس من عام 2026. وتلك القواعد تتعلق بالتطبيقات التي تشكل خطراً على صحة الناس أو سلامتهم أو حقوقهم الأساسية.
من جانبها، قال الدول والشركات إن التأخير كان ضرورياً بسبب تأخير في المعايير الفنية، المصممة لمساعدة الشركات على الامتثال للمتطلبات. وقد فوتت هيئات توحيد المقاييس الموعد النهائي لتسليمها مرتين، والآن لن تكون المعايير جاهزة حتى عام 2026.
نقلاً عن: الشرق
