الاحتجاجات تشتعل في فرنسا مع أول يوم لرئيس الوزراء الجديد

سيتولى سيباستيان لوكورنو منصبه الجديد كرئيس وزراء فرنسا اليوم الأربعاء وسط احتجاجات عارمة، ما يسلط الضوء على المهمة الشاقة التي تنتظره بينما يسعى لإقرار إصلاحات في الموازنة لم تحظ بقبول.
سيصبح لوكورنو، وزير الدفاع في الحكومة السابقة، خامس رئيس وزراء يتولى المنصب خلال عامين. وقد أُطيح بسلفيْه جراء محاولة إقرار موازنات كانت ستخفض عجز موازنة فرنسا، الأكبر في منطقة اليورو، بشكل حاد.
احتجاجات واسعة في فرنسا
فضلاً عن ذلك، تنظم حركة شعبية باسم “بلوكون تو” (Bloquons Tout) -أي “لنوقف كل شيء”- احتجاجات ستنطلق الأربعاء وستطال المدارس، والقطارات الإقليمية، وتتسبب في تأخير أو إلغاء بعض الرحلات الجوية. كما تعتزم الاتحادات العمالية بدء إضرابات عامة في 18 سبتمبر بسبب مقترحات الموازنة التي قدمتها الحكومة السابقة، والتي وصفتها الاتحادات بأنها إجراءات تقشفية.
اقرأ أيضاً: فرنسا تواجه استقالة بايرو.. وتحديات مالية تلوح في الأفق
عارض المشرعون من جميع الأطياف السياسية استمرار سياسات الرئيس إيمانويل ماكرون، ودعوا إلى إقامة انتخابات تشريعية جديدة. وستحتاج حكومة الأقلية التي يترأسها لوكورنو إلى دعم ضمني من اليسار أو اليمين لإقرار موازنة 2026، وتفادي أي اقتراح محتمل لحجب الثقة.
قالت جيزين فيبير، محللة “جرمان مارشال فند” (German Marshall Fund) المقيمة في باريس، في مقابلة إنه من منظور أي رئيس وزراء، سيكون الوضع معقداً دوماً، و”نواجه المشكلة نفسها منذ العام الماضي، حيث لا تبدي الأحزاب المتنافسة سوى قدر ضئيل من الاستعداد لتقديم تنازلات”.
أداء ضعيف في السندات الفرنسية
سجلت السندات الفرنسية أداءً أدنى من نظيراتها بدرجة طفيفة الأربعاء، إذ ارتفعت العائدات بمقدار نقطة أساس واحدة، وتصدرت السندات الأطول أجلاً الارتفاع على منحنى العائد. وزاد فرق العائد بين السندات الفرنسية والألمانية لأجل 10 أعوام نقطتي أساس ليبلغ 83 نقطة أساس.
وفي إشارة إلى آلية عمل الائتلافات السياسية في بعض الديمقراطيات البرلمانية، كلّف ماكرون لوكورنو “بالتشاور مع القوى السياسية في البرلمان لغرض اعتماد الموازنة”.
اقرأ أيضاً: ماكرون يختار سيباستيان لوكورنو لرئاسة حكومة فرنسا
لن يقترح لوكورنو تشكيل الحكومة الجديدة إلا بعد ذلك. وستواصل الوزارة الحالية العمل بصفتها حكومة تصريف الأعمال في أثناء ذلك.
من هو رئيس وزراء فرنسا الجديد؟
يُعد سيباستيان لوكورنو، 39 عاماً، الوزير الوحيد الذي خدم في الحكومة بلا انقطاع منذ تولي ماكرون الرئاسة في 2017، ويتولى المنصب بعدما وحّد المشرعون، بدءاً من اليسار المتطرف ووصولاً إلى اليمين المتطرف، صفوفهم للإطاحة بفرانسوا بايرو من المنصب في تصويت على الثقة دعا إليه في محاولة لحشد التأييد لتخفيضات في الموازنة لم تلق قبولاً.
كان بايرو يسعى إلى قرار موازنة ستقلص عجز موازنة فرنسا إلى 4.6% من الناتج الاقتصادي، مقابل 5.4% هذا العام.
لوكورنو ورقة ماكرون الأخيرة
سيمثل مشروع الموازنة العامة الفرنسية لعام 2026 أحد أولى الاختبارات الكبرى لرئيس الوزراء الجديد؛ فلتجنب ملاقاة نفس مصير سلفيّه، سيتعين عليه إعادة صياغة الخطط المالية بسرعة، ليحظى على الأقل بدعم ضمني من بعض خصوم ماكرون السياسيين.
كتبت مارين لوبان، عضوة حزب “التجمع الوطني”، في منشور على منصات التواصل الاجتماعي الثلاثاء، أن ماكرون استخدم آخر ما في جعبته باختيار لوكورنو، وأن إجراء انتخابات برلمانية جديدة كان حتمياً. فيما أعلن الحزب الاشتراكي في بيان عدم مشاركة أي من نوابه في استراتيجية ماكرون.
وقال نائب الحزب الاشتراكي في البرلمان، فيليب بارو، على قناة “بي إف إم تي في”، أن “هذه إهانة للبرلمان. إنها إهانة الناخبين”.
انقسام البرلمان الفرنسي بعد الانتخابات المبكرة
تأتي الأزمة السياسية الحالية بعد عام من دعوة ماكرون إلى انتخابات مبكرة لم تكلل بالنجاح، بهدف ترسيخ نفوذ أحزاب الوسط في مواجهة صعود اليمين المتطرف. وقد أدى ذلك إلى انقسام البرلمان إلى ثلاثة تكتلات متصارعة: “التجمع الوطني” -أكبر حزب منفرد في الغرفة الأدنى من البرلمان- وتكتل اليسار، والوسط الضعيف الذي يدعم ماكرون.
اقرأ أيضاً: احتمال انهيار الحكومة يطلق موجة بيع للأصول الفرنسية
منذ ذلك الحين، تراجع مؤشر “كاك 40” الفرنسي، الذي يضم أسهم شركات كبرى مثل “إل في إم إتش” (LVMH) و”إيرباص” و”لوريال” (L’Oreal)، 3.2%، مقارنةً بارتفاع مؤشر “ستوكس يوروب 600” البالغ 5.5%، وصعود مؤشر “داكس” الألماني 25%، باستثناء توزيعات الأرباح.
ومن المقرر أن تحدِّث وكالة “فيتش ريتينغز” للتصنيف الائتماني تقييمها لجدارة فرنسا الائتمانية الجمعة.
تزايد الضبابية رغم بوادر تحسن الاقتصاد
أبدى الاقتصاد متانة مفاجئة في مواجهة الأزمة السياسية خلال الشهور الماضية، إذ أظهرت المؤشرات تجاوز الصناعة في فرنسا مرحلة انكماش ممتدة، وتحقيق معدل النمو يفوق التوقعات في الربع الثاني.
مع ذلك، بيّن مسح أجراه بنك فرنسا المركزي بالتزامن مع إعلان بايرو عن التصويت على الثقة ارتفاعاً حاداً في الضبابية بين رؤساء الشركات، مقارنةً بالارتفاع المسجل بعد حل ماكرون البرلمان.
علاقات ودية تجمع لوكورنو باليمين المتطرف في فرنسا
يُعد لوكورنو، العضو السابق في حزب “الجمهوريون” في يمين الوسط، من أشد مؤيدي مساعي ماكرون لإبراز قوة فرنسا العسكرية، ما تضمن زيادة هائلة في ميزانية الجيش الفرنسي، وتعهدات بالمشاركة الفعلية في حماية أوكرانيا.
كما يشتهر لوكورنو بعلاقاته الودية مع شخصيات من اليمين المتطرف في فرنسا، من بينها لوبان. ولم يبد زعماء “التجمع الوطني” أي إشارة بعد على دعمهم رئيس الوزراء الجديد، لكن رئيس الحزب جوردان بارديلا لم يرفض اختيار لوكورنو على الفور.
كتب بارديلا في منشور على منصات التواصل الاجتماعي: “سنقيّم رئيس الوزراء الجديد -دون أي أوهام- بناءً على قراراته، وسياساته بشأن موازنة فرنسا، وإمكانية توافقها مع الخطوط الحمراء التي وضعناها”.
نقلاً عن: الشرق بلومبرج