السعودية مركز لوجستي عالمي.. خارطة طريق طموحة تواجه تحديات

السعودية مركز لوجستي عالمي.. خارطة طريق طموحة تواجه تحديات

تسعى السعودية إلى ترسيخ مكانتها كمركز لوجستي محوري على خريطة التجارة العالمية، مدفوعة باستراتيجية تهدف لرفع كفاءة سلاسل الإمداد وتعزيز موقعها كممر رئيسي يربط الشرق بالغرب. ورغم ما تحقق من إنجازات في تطوير البنية التحتية للموانئ والمطارات وتوسيع الاستثمارات في قطاع النقل، ما تزال هناك تحديات، بما في ذلك تأثير “رسوم ترمب” الجمركية على التجارة الدولية، والمنافسة الإقليمية.

متى انطلقت السعودية نحو تأسيس مركز لوجستي عالمي؟

وضعت المملكة مساراً واضحاً لقطاع النقل والخدمات اللوجستية ضمن رؤية 2030، وبرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية “ندلب”، وذلك بهدف رفع تصنيف السعودية لتدخل ضمن أفضل 10 دول في مؤشر الأداء اللوجستي العالمي. وتستهدف زيادة الطاقة الاستيعابية للموانئ إلى 40 مليون حاوية قياسية، ورفع قدرات الشحن الجوي إلى أكثر من 4.5 مليون طن، وإيصال حركة الركاب إلى 330 مليون مسافر عبر مطارات المملكة.

أطلق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان “المخطط العام للمراكز اللوجستية” في 2023، والذي يهدف إلى تطوير 59 مركزاً لوجستياً بمساحة تزيد عن 100 مليون متر مربع بحلول عام 2030. يستند مسعى الرياض لتعزيز مكانة المملكة كمركز لوجستي عالمي إلى موقعها الجغرافي الذي يربط قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا، بالإضافة إلى تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص.

اقرأ المزيد: السعودية تهدف لبناء نظام لوجستي إقليمي يحول المنطقة لمركز إمداد عالمي

قال وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح في المنتدى اللوجستي العالمي في الرياض العام الماضي، إن السعودية تسعى لجعل منطقة الشرق الأوسط مركزاً عالمياً للنقل والخدمات اللوجستية. يهدف هذا التحول إلى إنشاء نظام إقليمي متعدد المحاور يعزز ويدعم سلاسل الإمداد العالمية.

ما حجم الاستثمارات الموجهة للقطاع اللوجستي؟

تبلغ قيمة الخطة الاستثمارية في قطاع النقل والخدمات اللوجستية خلال الفترة ما بين 2023 و2034 نحو 1.6 تريليون ريال (427 مليار دولار)، عبر شراكات مع القطاع الخاص وعدد من الدول، وفق تصريحات سابقة نقلتها “الشرق” عن وزير النقل والخدمات اللوجستية صالح الجاسر.

على مستوى البنية التحتية البحرية، وقعت الهيئة العامة السعودية للموانئ عقود تخصيص لمناطق البضائع والحاويات في 8 موانئ لمدة 20 عاماً وبصيغة البناء والتشغيل، بإجمالي استثمارات تفوق 2.2 مليار ريال، وفق تقرير سابق من “الشرق”.

تخصيص مناطق حاويات في 8 موانئ سعودية باستثمارات 2.2 مليار ريال..تفاصيل أكثر هنا

أعلن الجاسر، خلال حفل توقيع العقود، بأن هذه الاتفاقيات تأتي ضمن خطة تطوير الموانئ واستكمالاً لعقود سابقة مع شركات القطاع الخاص في استثمارات تصل قيمتها إلى 16 مليار ريال، علاوة على عقود إنشاء 20 منطقة لوجستية بموانئ سعودية باستثمارات 10 مليارات ريال.




وكانت “موانئ دبي العالمية” والهيئة العامة للموانئ السعودية “موانئ” افتتحتا في مارس محطة الحاويات الجنوبية الجديدة والمتطورة في ميناء جدة الإسلامي، باستثمارٍ قدره 800 مليون دولار، وفقاً لوكالة الأنباء الإماراتية.

كيف تسهم توسعات الشحن الجوي في تحويل المملكة إلى مركز لوجستي؟

يُعد مطار الملك سلمان الدولي في الرياض المنتظر افتتاحه العام المقبل ركيزة محور الشحن الجوي. وتستهدف خطط صندوق الاستثمارات العامة السعودي عند اكتمال المطار التعامل مع 3.5 مليون طن من البضائع سنوياً بحلول 2050، و120 مليون مسافر بحلول 2030، وصولاً إلى 185 مليون مسافر لاحقاً. يمتد المشروع على نحو 57 كيلومتر مربع، ويتضمن 6 مدارج ومرافق لوجستية داعمة لخدمة المناطق الاقتصادية واللوجستية المخطط لها في العاصمة الرياض.

وتترقب السعودية افتتاح أول مرافق المطار العام المقبل، فيما تستمر أعمال البناء حتى 2034، وقد وقعت شركة تطوير مطار الملك سلمان الدولي مذكرة تفاهم مع مركز مشاريع البنية التحتية بمنطقة الرياض، بهدف تعزيز التعاون في تطوير البنية التحتية لمشاريع المطار. جاء ذلك على هامش منتدى البنية التحتية العالمي الذي أقيم في الرياض.

جذب الاستثمار إلى المناطق الاقتصادية الخاصة

أطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان 4 مناطق اقتصادية خاصة في 2023 لجذب الاستثمار الأجنبي. وفي 2024 منحت المملكة أول ترخيص لمنطقة اقتصادية خاصة للحوسبة السحابية، فيما جرى توقيع اتفاقية لإقامة منشأة تصنيع خفيف مع شركة “سافاير” ، وهي استثمار استراتيجي لشركة “آلات” التي يملكها صندوق الاستثمارات العامة السعودي.

اقرأ المزيد: ولي العهد السعودي يطلق 4 مناطق اقتصادية خاصة بالمملكة لجذب الاستثمار الأجنبي

تقدم شركة “المنطقة الخاصة اللوجستية المتكاملة” للشركات المصنعة ميزة تنافسية من خلال أنظمتها المتكاملة لإدارة المخزون، التي تربط المستثمرين مباشرة بالموردين والسلطات الجمركية والجهات الحكومية. كما توفر لهم أطراً تنظيمية ومزايا ضريبية وفرصاً للوصول إلى الأسواق العالمية، وفقاً لبيات إنشاء الشركة.

وفي إطار الحوافز، أعلنت هيئة الزكاة والضريبة والجمارك بدء تطبيق مبادرة الفسح (تسريع الإفراج عن البضائع) خلال ساعتين في جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية، بوصفها عملية أساسية لتمكين المملكة من التحول لمنصة لوجستية عالمية، مع توجيهات بتقديم البيان الجمركي قبل 72 ساعة لتسريع التدفق.

وأشار عمار السلمي، مدير عام المبيعات الجمركية بالهيئة في تصريحات لـ”الشرق”، إلى أن مؤشر الفسح أبرز بنود تقييم مؤشر الأداء اللوجستي العالمي في ظل طموح الوصول للفسح عن البضائع خلال نصف ساعة أو حتى أقل بحلول 2030.




ما دور الربط البري وسكك الحديد في دعم النقل متعدد الوسائط؟

تسعى السعودية لتعزيز قطاع النقل البري والخدمات اللوجستية من خلال مشروعين ضخمين في مجال سكك الحديد. الأول هو “الجسر البري”، وهو خط قطارات يهدف إلى ربط شرق المملكة بغربها، وسيسهم في تسهيل نقل البضائع براً وتقليل الاعتماد على النقل البحري الذي قد يتعرض للاضطرابات. وأبدى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية اهتماماً بتمويل هذا المشروع وشبكات سكك الحديد الخليجية المرتبطة به. 

وبحسب الوزير الجاسر فإن شبكة سكك الحديد في المملكة ستتوسع بـ8 آلاف كيلومتر إضافية من خلال هذا المشروع، بالإضافة إلى مشروع آخر هو “الربط الخليجي” الذي سيربط دول مجلس التعاون الخليجي بشبكة قطارات حديثة.

وزير النقل السعودي لـ”الشرق”: نعمل على إكمال الإجراءات التمويلية لــ”الجسر البري”.. شاهد هنا

كان وزير الاستثمار الفالح أشار إلى برنامج “جسري” الذي يهدف إلى توطين سلاسل الإمداد، وكشف عن وجود 95 صفقة استثمارية قيد التفاوض، يُتوقع أن تتجاوز قيمتها 100 مليار ريال.

إلى أي مدى أصبحت السعودية وجهة مفضلة للشركات الأجنبية؟

يشهد قطاع اللوجستيات السعودي تدفقاً متزايداً للاستثمارات الأجنبية، ظهر أبرزها في الإعلان عن شراكة بين أرامكو السعودية وشركة “دي إتش إل” لإنشاء مركز توزيع لوجستي في الدمام بتكلفة تصل إلى مليار ريال (267 مليون دولار)، بصيغة “البناء حسب الطلب” لخدمة قطاعات الصناعة والطاقة، وفق تقرير من “بلومبرغ”.

اقرأ المزيد: أرامكو وDHL تسعيان لتأسيس مركز لوجستي مشترك في السعودية

من المنتظر أن يجذب المشروع المشترك مؤسسات استثمار عملاقة من بينها “بروكفيلد أسيت مانجمنت”، إضافة إلى عائلات ثرية في السعودية ومنطقة الخليج.

وفي سبتمبر 2025، أعلنت شركة “فيديكس”، أكبر شركة للشحن السريع عالمياً، اكتمال تحولها للعمل المباشر في المملكة بعد حصولها على الرخصة الاقتصادية بوصفها ناقلاً جوياً، متوقعة مضاعفة أعمالها عدة مرات خلال الأعوام المقبلة.

وخلال العام الماضي، أعلنت شركة “إي دبليو بارتنرز” (EWPartners)، المدعومة من صندوق الاستثمارات العامة السعودي، عن خطط لتطوير منطقة اقتصادية خاصة “سعودية – صينية” في مطار الملك سلمان بالرياض على مساحة 4 كيلومترات مربعة، بتكلفة أولية قدرها ملياري دولار.

في غضون ذلك، وسعت “ميرسك”، أكبر شركات الشحن البحري في العالم، حضورها في المملكة. دشنت الشركة عملاقة قطاع الشحن في أغسطس 2024 أكبر منطقة لوجستية لها عالمياً في ميناء جدة الإسلامي باستثمار 1.3 مليار ريال على مساحة 225 ألف متر مربع، وتدرس إنشاء منطقة جديدة في الرياض.

ما أبرز المخاطر والتحديات التي تعترض المسار السعودي؟

تؤثر الاضطرابات الجيوسياسية في البحر الأحمر على مسارات التجارة، ما يدفع ملاك السفن لإعادة تقييم المسارات وكلف التأمين. وكانت اليونان، التي تملك أكبر سعة شحن لناقلات النفط في العالم، أوصت ملاك السفن لديها بالتفكير ملياً قبل دخول الخليج العربي في أعقاب الضربات الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية خلال يونيو الماضي.

كما تلقي حملة الرسوم الجمركية لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بظلال من الشكوك على التجارة العالمية والمراكز اللوجستية بالتبعية. وحذرت “ميرسك” من احتمال انكماش سوق الشحن العالمية 1%، مشيرة إلى “تزايد حالة عدم اليقين على الصعيدين الاقتصادي الكلي والجيوسياسي”.

إقليمياً، تواجه السعودية منافسة من عدة موانئ بحرية وبرية في المنطقة. فضلاً عن التقدم السريع في التقنية المستخدمة بالقطاع اللوجستي، الذي تحاول المملكة مواكبته عبر توفير الاستثمارات والحوافز الحكومية لدعم القطاع وتطويره في أسرع وقت ممكن.

نقلاً عن: الشرق بلومبرج

أحمد ناجي محرر الأخبار العاجلة بموقع خليج فايف