في الأوساط الراقية بلندن، عرف محمد آصف حفيظ كرجل أعمال دولي وسفير لنادي “هام” المرموق للبولو، حيث احتفظ بعلاقات وثيقة مع نجوم المجتمع البريطاني، بل والتقطت له الصور وهو يتبادل أطراف الحديث مع الأميرين وليام وهاري.
لكن خلف هذه الواجهة البراقة، كان يحيا الرجل حياة أخرى مظلمة كواحد من أخطر مهربي المخدرات في العالم، وهو ما تؤكده وثائق المحاكم الأمريكية التي وصفته بأنه “أحد أكثر المجرمين نشاطاً في مجال المخدرات على مستوى العالم”.
النشأة والبدايات المشبوهة
ولد حفيظ في سبتمبر 1958 بمدينة لاهور الباكستانية، وسط عائلة من الطبقة المتوسطة تمتلك مصنعاً في ضواحي المدينة، وتلقى تعليماً جيداً وشهادة في الطيران التجاري، لكن طموحاته تجاوزت بكثير عالم الأعمال المشروعة. في أوائل التسعينيات، أسس شركة “سرواني إنترناشونال كوربوريشن” التي ظهرت كشركة مقاولات وسيطة تعمل في مجال المعدات الأمنية والعسكرية، مع فروع في باكستان والإمارات وبريطانيا.
لكن الموظفين السابقين في الشركة كشفوا لاحقاً عن طبيعة عملياتها الحقيقية. أحدهم صرح لبي بي سي: “كانت كل المعاملات تتم نقداً دون توثيق بنكي. لم يكن هناك أي أثر ورقي للصفقات الكبيرة التي كنا ننفذها”. كانت الشركة واجهة متقنة لإمبراطورية المخدرات التي امتدت عبر ثلاث قارات.
حياة مزدوجة بين البولو والمخدرات
بحلول العقد الأول من الألفية، نجح حفيظ في نسج شبكة علاقات اجتماعية مذهلة. كسفير لنادي “هام” للبولو بين 2009-2011، أصبح وجهاً مألوفاً في حفلات النخبة، بينما الصور التي التقطت له مع الأميرين البريطانيين في أحد أحداث البولو عام 2009 أصبحت لاحقاً دليلاً على براعته في إخفاء هويته الحقيقية.
لكن في الظل، كان “السلطان” – كما عُرف في أوساط الجريمة المنظمة – يدير عمليات تهريب ضخمة للمخدرات. اعتمد على تحالفات مع عصابات دولية، أبرزها عائلة أكاشا الإجرامية في كينيا والعقل المدبر فيكي جوسوامي، وكانت طرق تهريبه معقدة، تشمل إنشاء مصانع وهمية لتصنيع المواد الكيميائية الأساسية للمخدرات، مستغلاً شركاته “الشرعية” لتسهيل العمليات.
كشف الأوراق
تبدأ القصة الحقيقية في عام 2014، عندما شارك حفيظ في صفقة ستكون بداية نهايته، وفي شقة بمومباسا الكينية، التقى اثنان من مقربيه بمشتري كولومبي واعدا بتوريد “هيروين نقي بنسبة 100%”، وما لم يعرفاه أن المشتري كان مخبراً تابعاً لوكالة مكافحة المخدرات الأمريكية (DEA).
الاجتماع الذي سُجل بكاميرات خفية كشف آلية عمل الشبكة، قدم حفيظ عبر وسيطه 99 كيلوجراماً من الهيروين، واعداً بمئات الكيلوجرامات الإضافية، وهذه الصفقة فتحت الباب أمام تحقيق دولي دام سنوات، جمعت خلاله السلطات الأمريكية والبريطانية أدلة دامغة على تورطه.
المطاردة والانهيار
بين عامي 2015-2017، بدأت الشبكة تتهاوى، اعتقل غوسوامي والأخوان أكاشا في كينيا، بينما استمر حفيظ في لندن يحاول التغطية على آثاره. لكن الأجهزة المصادرة من شركائه كشفت تفاصيل مثيرة عن دوره كـ”السلطان”، المورد الرئيسي للشبكة.
وفي أغسطس 2017، داهمت الشرطة البريطانية شقته الفاخرة في حي سانت جونز وود الراقي. لكن المعركة الحقيقية كانت على وشك البدء، ليمضي حفيظ ست سنوات في سجن بلمارش شديد الحراسة، يقاوم الترحيل إلى أمريكا بمختلف الوسائل.
مناورات قانونية
حاول فريق دفاعه إثبات أنه كان مخبراً للسلطات، مقدماً رسائل كان قد أرسلها سابقاً للإبلاغ عن منافسيه. لكن المحاكم البريطانية والأوروبية رأت في ذلك مجرد تكتيك للتخلص من المنافسين. حتى ادعاءاته الصحية (إصابته بالسكري والربو) لم تنجح في إيقاف الترحيل.
وفي مايو 2023، نُقل أخيراً إلى أمريكا حيث واجه تهماً خطيرة تتعلق بتصنيع وتوزيع المخدرات. في نوفمبر من نفس العام، أقر بالذنب في تهم التآمر لتهريب كميات هائلة من الهيروين والميثامفيتامين.
وفي الجلسة الأخيرة، وصف القضاة الأمريكيون تناقض حياته الصارخ: “على عكس العديد من المجرمين الذين دفعهم الفقر أو اليأس للإجرام، تمتع حفيظ بكل الامتيازات والخيارات، لكنه اختار طريق الجريمة بدافع الجشع”. حُكم عليه بالسجن 16 عاماً، تنتهي في 2033 مع احتساب المدة التي قضاها في السجن البريطاني.
نقلاً عن : تحيا مصر
لا تعليق