“العبقري البوهيمي”.. بليغ حمدي يمنح الأغنية العربية شجنها وبهجتها

تميز الموسيقار بليغ حمدي بقدرة مذهلة على المزج بين شيئين يبدو للوهلة الأولى أنهما على طرفي نقيض ولا يمكن الجمع بينهما في لحن واحد، وهما “الشجن” لدرجة تظن معها أن الروح تبكي، و”البهجة” حتى يبدو أن الموسيقى ترقص ابتهاجًا وتدعوا العالم أن يشاركها الفرحة.
استطاع بليغ، الذي يصادف اليوم 12 سبتمبر ذكرى رحيله العام 1993، أن يصنع هذا السحر من خلال الاشتغال على مقام “نهاوند” الموسيقي القادر على الجمع بين المتناقضات، كما استطاع من خلال مقام “البياتي” تقديم جُمل لحنية تبدو كالهمسة واللوعة، مع تقديم أخرى على نفس المقام، تبدو متوهجة كالإعصار أو العاصفة.
كان شابًا صغيرًا استطاع أن يقدم جوانب جديدة من عظمة أم كلثوم و”العندليب” عبد الحليم حافظ، لكنه صنع مجد قامات غنائية أخرى على امتداد خارطة العالم العربي مثل وردة وشادية ومحمد رشدي وميادة الحناوي وسميرة سعيد وعزيزة جلال وعلي الحجار.
كان عبقريًا في اكتشاف طبقة صوت المطرب ووضعه في سياق التوهج والإبداع، كما قدم أجمل الإيقاعات العصرية الراقصة المشبعة بروح شرقية أصيلة أبهرت الباحثين الموسيقيين من الغرب، وليس غريبًا أنه أتقن العزف على العود بشكل مذهل وهو في سن التاسعة فقط من العمر.
لكنه على الجانب الآخر، كان “بوهيميا” يعاني في محاولة التأقلم مع عادات وتقاليد المجتمع، لا يفكر في إدخار المال، ويسهر حتى صباح اليوم التالي، وربما يمر يومان أو ثلاثة دون أن تذوق عيناه النوم بسبب نغمة موسيقية تستولي على تفكيره، حتى أصبح أشهر “البوهيميين” في الوسط الفني.
من أشهر المواقف الصادمة التي روتها المطربة الجزائرية الراحلة وردة في هذا السياق، أن بليغ عقد القران عليها العام 1972 بشكل مفاجئ دون تخطيط مسبق حين كانا يحضران عقد قران الراقصة نجوى فؤاد في منزلها.
وحين حل موعد حفل الزفاف، وبينما الجميع ينتظر حضور “العريس بليغ حمدي”، إذ به يختفي ولا يحضر نهائيًا ليضع “العروس وردة” في موقف لا تُحسد عليه، ثم يتضح لاحقًا أنه كان لديه ارتباطات عمل في بيروت ونسي أنها تتعارض مع موعد الزفاف.
ولد في 7 أكتوبر بحي “شبرا” التاريخي العريق بالقاهرة عام 1931، وحاول الالتحاق بمعهد “الملك فؤاد الأول للموسيقى”، الذي تحول فيما بعد إلى “معهد الموسيقى العربية”، إلا أن سنه الصغيرة حال دون ذلك حيث لم يكن قد تجاوز سن الـ 12 عامًا.
قدم في حقبتي الستينيات والسبعينيات لأم كلثوم أشهر أغانيها العاطفية مثل “فات الميعاد”، “سيرة الحب”، “ألف ليلة وليلة”، “الحب كله”، فضلاً عن آخر ما غنت وهي أغنية “حكم علينا الهوى”، وهو ما كرره مع العندليب في أغنيات مثل “زي الهوا”، “مداح القمر”، “أعز الناس”، “تخونوه”، و”على حسب وداد قلبي”.
نقلاً عن: إرم نيوز