المتنبي والفراهيدي.. أسماء خالدة تُبقي مبيعات الكتب حيّة في العراق

رغم تراجع الإقبال على القراءة وتراجع مبيعات الكتب في العراق كما في معظم الدول العربية، فإن مشهداً مختلفاً يلوح في شارعين فقط أحدهما في بغداد والآخر في البصرة، حيث لا تزال حركة بيع الكتب ونبض القرّاء حاضرين بقوة.
إذ يزدحم شارع المتنبي في وسط بغداد، وشارع الفراهيدي في مدينة البصرة، بالزوار والمتسوقين في كل عطلة نهاية أسبوع، والذين جاؤوا لتجربة ثقافية بامتياز في سوقين يقتصر نشاطهما على المكتبات وبيع الكتب والعروض الفنية من معارض رسم وموسيقى وندوات شعرية وأدبية متنوعة.

ويتنوع زوار الشارعين من مدمني القراءة بالفعل والمواظبين عليها بوصفها واجباً لابد منه، إلى طلاب الجامعات الباحثين عن مراجع وكتب تغني تخصصاتهم، إلى عشاق الكتب النادرة والطبعات القديمة.
كما يستقطب “المتنبي” و”الفراهيدي”، الكثير من العوائل التي تحرص على اصطحاب أبنائها لأسواق ذات طابع خاص وزرع بذرة القراءة والتعلق بالبيئة الثقافية منذ الصغر، مستفيدين من عدة مغريات.
فكثير من المكتبات تعرض قرطاسية مدرسة متنوعة بألوان وبأشكال جذابة يستغلها الأهالي لإهداء أبنائهم الكتب والمجلات التي تناسب أعمارهم على أمل أن يكونوا من رواد القراءة في المستقبل.
ويتميز شارع المتنبي بعراقته، حيث يقع في وسط بغداد وفي جانب الرصافة على الضفة الغربية لنهر دجلة، وفي منطقة تاريخية تضم المباني القديمة تعود للحقبة العثمانية التي بنيت بدورها في منطقة عامرة منذ الحقبة العباسية.
وخضع شارع المتنبي لترميم وتجديد عام 2021، وبرزت واجهات متاجره الحجرية وأعيد رصفه ليظهر بحلة جديدة بعد إهمال وأضرار وصلت ذروتها عندما انفجرت سيارة مفخخة وسط الشارع عام 2007 في ذروة اضطرابات أمنية بالعاصمة.
لكن الشارع ظل نشطاً في استقطاب الزوار في كل تلك الظروف، وبحلته القديمة والجديدة، بينما تستضيف مقاهيه نخباً ثقافية وفنية تضفي مزيداً من الجاذبية على الشارع الذي يعد خياراً رئيسياً للعوائل البغدادية في كل يوم جمعة.

بينما تختلف القصة والتاريخ في “الفراهيدي”، فالشارع عمره عشر سنوات فقط، رغم كونه يستمد اسمه من اللغوي والنحوي البارز، (أبو خليل الفراهيدي) الذي عاش في القرن الثامن الميلادي وقبل المتنبي الذي عاش في القرن العاشر الميلادي.
لكن شارع الفراهيدي الذي أنشئ بمبادرة فردية من نخب ثقافية عام 2015، يتميز بكونه أشبه بمهرجان ثقافي يتجدد كل أسبوع، إذ لا تقتصر طبيعة السوق في ذلك الشارع على المكتبات وبيع الكتب فقط.
لا بل يتلاقى الشعر مع الموسيقى واللوحات الفنية في شارع الفراهيدي، حيث تنتشر بسطات بيع الكتب بينما ينصب فنانون تشكيليون لوحاتهم في جانب من الشارع ويعرض حرفيون الأعمال اليدوية التي صنعوها بدقة.
ومنذ العام 2022 تلقت تلك المبادرة الفردية التطوعية لإنشاء شارع ثقافي لمدينة البصرة العريقة، الدعم الحكومي، حيث أُنشئت أكشاك خشبية لبيع الكتب، وأُنشئ مسرح متعدد الاستعمالات في الشارع.
وبعد أن كان شارع المتنبي، أشهر مكان لبيع الكتب في العراق، صار الفراهيدي منافساً قوياً له بفعالياته المتنوعة التي يفتقدها المتنبي الذي ينافس بدوره عبر مقاهٍ عريقة لها تاريخها وذكرياتها مع الشخصيات السياسية والفنية التي جلست فيها خلال أزمان بعيدة.

وتشبه تلك الشهرة بين الشارعين، الشهرة ذاتها التي حصدها الفراهيدي بقواعده النحوية للغة العربية وتلميذه الشهير سيبويه من بعده، والمتنبي الذي يعد علامة فارقة في تاريخ الشعر العربي.
كما تعكس شهرة الشارعين، مكانة بغداد والبصرة في التاريخ العراقي منذ الحقبة العباسية بوصفهما حاضرتين ثقافيتين شهيرتين.
نقلاً عن: إرم نيوز