انتشرت في الفترة الأخيرة ظاهرة تثير القلق والحيرة بين الخبراء والآباء على حد سواء، وهي ظاهرة المخدرات الرقمية، التي تروج لمقاطع صوتية غامضة يزعم مروجوها أنها قادرة على إدخال المستمع في حالة من النشوة تشبه تأثير المواد المخدرة التقليدية. لكن الحقيقة التي تكشفها الدراسات والأبحاث هي أن هذه الظاهرة تعتمد بشكل كبير على الإيحاء الذاتي والفضول البشري، مما يجعلها بوابة محتملة للإدمان الحقيقي.
تعريف المخدرات الرقمية
يعرف أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة جمال فرويز هذه الظاهرة بأنها مقاطع صوتية تحتوي على ترددات صوتية ثنائية، تعرف بالنبضات ثنائية الأذن، يتم سماعها باستخدام سماعات الرأس، عبر إرسال ترددات مختلفة إلى كل أذن، ويعتقد أن الفرق بين الترددين يؤدي إلى تغيير في نشاط الدماغ، مما يسبب شعورا بالنشوة أو الاسترخاء أو حتى الهلوسة، وهي حالات مشابهة لتأثير المخدرات التقليدية، حسب تقرير لـ”سكاي نيوز عربية”
انتشارها في أوساط المراهقين
مع صعود منصات الفيديو القصيرة مثل تيك توك ويوتيوب، وجدت هذه المقاطع طريقها إلى المراهقين بشكل واسع، حيث تنتشر فيديوهات تحمل عناوين مثيرة مثل تجرب النشوة بلا مخدرات، أو تعاط قانوني عبر سماعات الأذن، هذه العناوين الجذابة غذت فضول آلاف المراهقين لتجربة الأمر، ومن هنا بدأ الجدل يتسع.
خطر نفسي واجتماعي
وحسب التقرير يرى الخبراء أن الخطر الأكبر في هذه الظاهرة ليس بيولوجيا وإنما نفسيا واجتماعيا، حيث لم تثبت الدراسات العلمية الموثوقة أن لهذه الترددات تأثيرا كيميائيا على الدماغ يماثل المخدرات، ما يحدث في كثير من الحالات هو أن المراهق يدخل التجربة ولديه قناعة بسبب ما سمعه من حديث عن تأثير هذه الأصوات، فيتولد لديه ما يعرف بالإيحاء الذاتي، أي أن العقل يقنع الجسد بأنه يعيش حالة من النشوة أو الاسترخاء.
هذا الإيحاء النفسي قد يدفع البعض لاحقا إلى البحث عن تجارب أكثر قوة وواقعية، وهو ما قد يفتح الباب أمام تعاطي المخدرات الحقيقية، من هنا، يصبح الخطر اجتماعيا وتربويا أكثر من كونه طبيا.
الترويج عن طريق الترند
من الناحية التقنية، فإن انتشار الظاهرة يعود إلى آليات عمل المنصات الرقمية، حيث أن الظواهر المثيرة للجدل دائما ما تجد طريقها إلى التريند بسرعة، لأن خوارزميات تيك توك ويوتيوب تكافئ المحتوى الذي يثير الفضول ويحقق نسب مشاهدة عالية، مقاطع مثل المخدرات الرقمية تحقق هذا الشرط بامتياز، حيث يدخل المستخدم ليجرب بنفسه، حتى لو كان لا يؤمن بتأثيرها.
الفضول يغذي انتشار الظاهرة
يشير الخبراء إلى أن معظم من يشاهدون هذه المقاطع يفعلون ذلك بدافع الفضول، وليس بهدف البحث عن التسلية، فالفضول البشري هو وقود انتشار هذه الظاهرة، ومع غياب رقابة الأهل، أو ضعف التوعية الرقمية في المدارس، يصبح المراهق أكثر عرضة لتصديق كل ما ينشر على الإنترنت.
تظهر الدراسات الحديثة أن هذه الظاهرة انتشرت في العديد من البلدان العربية، حيث سجلت حالات كثيرة بين المراهقين الذين يقضون ساعات طويلة في الاستماع إلى هذه المقاطع الصوتية، معتقدين أنها تنقلهم إلى عالم آخر من المتعة والنشوة، بعيدا عن واقعهم اليومي.
غياب منظمة الصحة العالمية
وحتى الآن، لم تدرج منظمة الصحة العالمية أو المراكز الطبية الكبرى المخدرات الرقمية ضمن قائمة المخاطر الصحية المثبتة علميا، بعض الدراسات الصغيرة أشارت إلى أنها قد تساعد في تقليل القلق أو تحسين النوم عند استخدامها بشكل صحيح، لكنها لم تؤكد قدرتها على إحداث نشوة مشابهة للمخدرات.
تتنوع أنواع هذه المقاطع الصوتية بين ما يقلد تأثير المواد المخدرة المختلفة، فبعضها يزعم أنه يحاكي تأثير الأفيون، والبعض الآخر يدعي تقليد تأثير الحشيش أو الكوكايين، بل إن هناك مقاطع صوتية تزعم أنها تحفز النشوة الجنسية دون أي مواد محفزة.
يكمن الخطر الحقيقي في أن هذه الظاهرة تنتشر بين فئة المراهقين الذين هم في مرحلة تكوين الشخصية والهوية، مما يجعلهم أكثر عرضة للتأثر بهذه التجارب، وقد يؤدي بهم الحال إلى البحث عن تجارب أكثر تطرفا، خاصة مع سهولة الوصول إلى هذه المقاطع عبر منصات التواصل الاجتماعي دون أي رقابة تذكر.
أغراض تعليمية وتركيزية
من الجوانب المقلقة في هذه الظاهرة هو ظهور مقاطع صوتية تزعم أنها مخصصة لأغراض تعليمية وتركيزية، لكنها في الحقيقة تحتوي على ترددات تؤثر على الحالة النفسية للمستمع، وقد تؤدي إلى الإدمان النفسي على هذه المقاطع.
تؤكد الأبحاث أن التأثير الحقيقي لهذه المقاطع يختلف من شخص لآخر، اعتمادا على عوامل كثيرة مثل الحالة النفسية للمستمع، قناعاته المسبقة، ونوع السماعات المستخدمة، مما يجعلها ظاهرة يصعب دراستها بشكل علمي دقيق.
تحذير طبي
في المقابل، يحذر أطباء نفسيون من أن الاستماع المتكرر لهذه المقاطع قد يؤدي إلى اضطرابات في النوم، قلق، واكتئاب، خاصة عند الأشخاص الذين لديهم استعداد وراثي للأمراض النفسية.
تواجه الجهات المعنية تحديا كبيرا في مكافحة هذه الظاهرة، بسبب صعوبة مراقبة هذه المقاطع الصوتية التي تنتشر بسرعة كبيرة عبر المنصات الرقمية المختلفة، كما أن طبيعتها الصوتية تجعل من الصعب اكتشافها أو منعها.
جهود التوعيى
تبذل بعض الدول العربية جهودا توعوية للتحذير من مخاطر هذه الظاهرة، خلال برامج تثقيفية في المدارس والجامعات، وحملات إعلامية تهدف إلى توعية الشباب بمخاطر هذه المقاطع وآثارها النفسية السلبية.
يشدد الخبراء على أهمية دور الأسرة في مراقبة أبنائهم والحديث معهم عن مخاطر هذه الظاهرة، وكذلك أهمية بناء ثقافة نقدية لدى الشباب تمكنهم من تمييز المحتوى الضار من النافع على الإنترنت.
يمكن القول إن ظاهرة المخدرات الرقمية تمثل تحديا جديدا في عصر الرقمنة، حيث تختلط فيها الحقائق بالأوهام، والعلم بالأسطورة، مما يتطلب مزيدا من البحث العلمي الجاد، والتوعية المستمرة للمجتمع عامة والمراهقين خاصة، لمواجهة هذا التحدي الذي يهدد الصحة النفسية والاجتماعية لأبنائنا، فيما تظل الظاهرة موضوعا مفتوحا للبحث والدراسة، حيث يحتاج المجتمع العلمي إلى مزيد من الأدلة والبراهين لتحديد تأثيراتها الحقيقية على الدماغ والصحة النفسية.
نقلاً عن : تحيا مصر
- 250 جنيهًا إيجارًا مؤقتًا ..زيادات تدريجية تعرف على تفاصيل قانون الإيجار القديم - 3 سبتمبر، 2025
- “القابضة للكهرباء” تصرف 3 أشهر أرباح حافز إنتاج لـ 190 ألف عامل في سبتمبر - 3 سبتمبر، 2025
- أحمد موسى.. صفقة رأس الحكمة أنقذت الاقتصاد المصري - 3 سبتمبر، 2025