تداول العملات المشفرة في سوريا.. بين المخاطر وأولويات المركزي

تداول العملات المشفرة في سوريا.. بين المخاطر وأولويات المركزي

لم يعد مصطفى الشاب السوري يعرّف نفسه كطالب جامعي فحسب، فقد بدأ منذ شهور يعتبر نفسه مستثمراً في العملات المشفرة، ويتعامل معه الكثيرون بهذه الصفة، لكنه في الوقت نفسه طلب عدم الكشف عن اسمه الكامل تخوفاً من غموض الوضع القانوني لهذه النوعية من الأعمال في بلاده.

يقول إنه “كان علينا استخدام VPN وأرقام وهمية لإتمام العمليات. لكن الآن أصبح بالإمكان التداول عبر الوسطاء الموثوقين داخل سوريا، لكننا دائماَ حذرين من المنصات غير القانونية والنصب والخسائر المفاجئة”. 

وفق تقارير محلية وتأكيدات من متداولين، فإن آلاف السوريين يتعاملون حالياً بالعملات المشفرة للتحوط ضد تدهور قيمة الليرة وشح السيولة. وتشير المعلومات إلى أن التداول يتم عبر مجموعات “P2P”على تطبيق “تليغرام”، ووكلاء تداول محليين بالهامش “OTC” في مدن مثل دمشق وحلب وإدلب واللاذقية، مع استخدام منصات عالمية مثل “بينانس” (Binance) عبر شبكات “VPN”، وأيضاً من خلال أصدقاء أو أقارب في الخارج يرسلون العملات. وتتضمن خطوات التداول الشائعة تحميل محفظة إلكترونية ثم شراء العملات.

وسيلة لتحويلات المغتربين

لا توجد إحصاءات رسمية حول حجم سوق العملات المشفرة في سوريا، لكن المعطيات تشير إلى نشاط مكثف في المراكز الحضرية الكبرى، حيث يُقدّر عدد المتداولين بين مئات وآلاف الأشخاص. وتتركز عمليات التداول غير المرخص غالباً في دمشق وحلب وإدلب واللاذقية، بما يتوافق مع وجود وسطاء محليين ومكاتب صرافة تتعامل بهذا الشأن. ومع استمرار الأزمة المالية وتخبط قيمة الليرة السورية، يعتبر كثيرون أن العملات المشفرة تمثل وسيلة لتخزين الثروات وتحويلات المغتربين.

يوضح عدنان إسماعيل، الخبير الاقتصادي وأستاذ كلية الاقتصاد في جامعة اللاذقية، لـ”الشرق” أن أبرز العملات التي تجذب المتداولين المحليين في سوريا هي عملة “تيثر” (USDT) على شبكة “ترون” (Tron) نظراً للاستقرار والسرعة، وأيضاً “بتكوين” كتحوط طويل الأمد، ورمز “TRX” للتحويلات منخفضة الكلفة.

وضع غامض ومنع قد يكون مؤقتاً

رغم هذا الانتشار على نطاق واسع للاستثمار في العملات المشفرة إلا أنه يظل من الناحية الرسمية نشاطاً غير مشروع، ما يزيد من المخاطر التي يتعرض لها المتداولون، حيث أصدر مصرف سورية المركزي في 19 أغسطس الماضي بياناً تحذيرياً شدد فيه على أن العملات المشفرة “غير قانونية وغير معتمدة” داخل البلاد، وأكد أن نشاطات تداول الكريبتو تُمارس عبر الإنترنت دون أي إشراف أو ترخيص رسمي، داعياً المواطنين إلى توخي الحذر وحماية أموالهم.

ومع ذلك من غير المستبعد تغير القانون في وقت غير بعيد، حيث برزت مقترحات لإيجاد إطار قانوني مستقبلي، منها خطة نشرها المركز السوري لأبحاث السياسات، وهو مؤسسة بحثية غير حكومية، في أوائل 2025، لتقنين تداول بتكوين والعملات المشفرة، وإصدار ليرة رقمية مدعومة بالذهب والدولار وبتكوين، بالاستفادة من موارد الطاقة غير المستغلة للتعدين مع التركيز على الاستدامة ومنع الاحتكار.

“بينانس” والبنك المركزي

في يونيو 2025، أعلنت منصة “بينانس” أنه بعد رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، يمكن للسوريين الولوج إلى خدماتها الكاملة، بما في ذلك تداول أكثر من 300 عملة ورمز رقمي، والتداول الفوري والفوري المعقد، وخدمات التحويل عبر “بينانس باي” (Binance Pay).

“بينانس” للعملات المشفرة تفتح بورصتها للمتداولين في سوريا

وعقب هذا الإعلان من جانب هذه المنصة، لم يصدر عن مصرف سورية المركزي تعليق رسمي، لكن التحذيرات السابقة تجعل أي تعامل عن طريق هذه المنصة على مسؤولية المستخدم.

فراس عيسى، مدير تقنية المعلومات في المصرف المركزي أكد لـ”الشرق” أن موضوع العملات المشفرة “مؤجل وليس ملغياً حالياً”، مشيراً إلى أن هناك أولويات أخرى مثل طباعة العملة الوطنية الجديدة ومشروع الدفع الإلكتروني.

وصرح عيسى أن سوريا لن تقبل التداول الرقمي حالياً بسبب مخاطر غسل الأموال والاحتيال، مؤكداً أن التحذيرات تهدف لحماية المواطنين، لكنه أشار إلى أن الدراسات الجارية قد تؤدي إلى نتائج إيجابية مستقبلية.

تدريب علني بعد سقوط النظام

المنع الرسمي من التداول لم يمنع ممارسات شبه علنية في القطاع تشير إلى أن السلطات تغض الطرف عن تنفيذ قرارها، أو على الأقل لا تطبقه بصرامة، حيث قال قتيبة عكام، خبير التداول الرقمي: “بدأت التدريب في سوريا في الشهر الأول من 2025، لأن المجال كان ممنوعاً قبل سقوط النظام. هدفنا كان تطوير الشباب وتعليمهم كيفية استثمار أموالهم بشكل صحيح في التداول. اليوم لدينا خيارات واسعة للاستفادة من فروقات الأسعار العالمية بسرعة، مقارنة بالطريقة التقليدية القديمة. ففي الأسواق التقليدية، شراء الذهب يخضع لصياغة التاجر وتحديد السعر، بينما في التداول الرقمي تشتري الأونصة أو العملة كما هي، دون أي عمولة إضافية، وهذا يوفر سهولة كبيرة وأماناً للمستثمر”.

ويرى عكام أنه بفضل الهواتف الذكية والتطبيقات الرقمية، يمكن لأي شخص شراء العملات الأساسية مثل “تيثر” أو “بتكوين”، وتحويلها عبر الوسطاء المحليين أو منصات عالمية مثل “بينانس” و”باي بت” (Bybit)، مشيراً إلى أن المحفظة الرقمية تمنح الأمان، إذ تظل أموال المستثمر تحت رقابته المباشرة في الهاتف، وليس في أي مكان آخر.

وأوضح: “مع وجود منصات مرخصة عالمياً، يستطيع المستثمر السوري الاطمئنان على أمواله وضمان الأمان المالي، كما هو معمول به في الإمارات وبريطانيا وألمانيا. التداول ليس نصباً كما يعتقد البعض، بل هو طريقة علمية للاستثمار”.

مصطفى، المستثمر الناشئ في العملات المشفرة، يروي تجربته الأولى في هذا العالم، فيقول: “بدأت التجربة عبر مواقع عالمية مثل مايكي، حيث نكسب مبالغ صغيرة مقابل الإجابة على استبيانات، ثم نستخدم هذه الأرباح لشراء بطاقات رقمية مثل “USDT” أو بطاقات “أمازون”. لاحقاً، تطورت التجربة إلى الألعاب الرقمية التي تمنحك رصيداً يمكن تحويله إلى عملات مشفرة، ومن ثم إلى التداول على المنصات العالمية”.

لأول مرة.. سوق العملات المشفرة تحطم حاجز 4 تريليونات دولار

ويضيف الشاب أن هذه الطريقة ساعدته في التعرف على عالم التداول الرقمي، “لذلك كانت الألعاب والتوقعات الرياضية أشبه بمختبر للتجربة، نتعلم خلالها المخاطر ونفهم حركة السوق”.

مضاربة محفوفة بالمخاطر

تبقى سوق العملات المشفرة في سوريا محفوفة بالمخاطر، وسط غياب إطار قانوني واضح، وتقلبات الأسعار، وعمليات الاحتيال، إلى جانب مخاطر اختراق المحافظ الرقمية.

يحذر إسماعيل، أستاذ الاقتصاد بجامعة اللاذقية، من أن التداول بهذه الظروف يُعدُّ “مضاربة محفوفة بمخاطر مرتفعة جداً”، في ظل غياب أي قوانين تحمي المتعاملين، مشيراً إلى أن هناك غرفاً أو مكاتب في الأسواق الرئيسية (دمشق، حلب، اللاذقية وغيرها) تعرف باسم “كوي” أو صالات تداول مؤقتة، تقوم بصرف أجزاء من قيمة “بتكوين” بالليرة السورية مقابل عمولات.

وبينما يَعتبر أن هذه الظاهرة تتوسع بين فئة الشباب الذين يطمحون لتحقيق أرباح كبيرة في ظل تسويق غير قانوني يخفي الخسائر وراء إغراء الأرباح الجذابة. يشير إلى أن غياب “تقنين” التداول وعدم وجود منهجية واضحة يفتح المجال أمام استغلال الأنشطة غير المشروعة ويجعل استرداد الأموال في حال الخسارة شبه مستحيل، ونبه أيضاً إلى تزايد عمليات النصب والاحتيال عبر منصات غير موثوقة، وهجمات القرصنة على المحافظ الرقمية؛ “بما يفرض على المصرف المركزي ضرورة التحرك لإنشاء بيئة ناظمة، وعدم الاكتفاء بالتحذيرات التي لن توقف حركة التداول أو تحد منها”.

نقلاً عن: الشرق بلومبرج

أحمد ناجي محرر الأخبار العاجلة بموقع خليج فايف