تكديس الصين لاحتياطيات النفط يربك المتعاملين في سنغافورة

هيمن سؤالان على جميع النقاشات التي دارت في أكبر تجمع يضم مديري شركات النفط وتجاره في آسيا هذا الأسبوع، وهما: كم تشتري الصين لاحتياطياتها الاستراتيجية من النفط الخام، وإلى متى ستواصل بكين عمليات الشراء؟
تقدير مشتريات أكبر مستورد للنفط في العالم ليس مجرد لعبة تخمين؛ إذ تشكل هذه البراميل أساساً لشهية الصين للخام، وهي ضرورية لدعم الطلب العالمي. والأهم أن غياب هذا العامل قصير الأجل يجعل التوقعات قاتمة، إذ إن المعروض الجديد يتدفق من “أوبك+” وجهات أخرى، في وقت يتراجع فيه استهلاك النفط بفعل عوامل تشمل الانتشار السريع للسيارات الكهربائية.
تتمثل المعضلة أمام المشاركين في مؤتمر آسيا والمحيط الهادئ للبترول في سنغافورة في أن احتياطيات الصين الاستراتيجية من النفط تُعد سراً من أسرار الدولة، كما أن أهدافها بعيدة المدى، ما يجعل من الصعب تقييم مستوياتها الفعلية أو وتيرة شرائها. غالباً ما يلجأ مزوّدو البيانات المستقلون إلى التقديرات لتقديم بعض الرؤى، لكن استخدام الخزانات الجوفية يعقّد تحديد الأرقام الحقيقية.
قد يهمك: الأنظار على مشتريات الصين من النفط وسط توقعات فائض المعروض
دعم استقرار أسعار النفط
قال لي شينخوا، رئيس التداول العالمي في شركة “رونغشينغ بتروكيميكال” (.Rongsheng Petrochemical Co)، خلال المؤتمر: “تظل الاحتياطيات البترولية الاستراتيجية عاملاً رئيسياً لدعم استقرار الأسعار واحتمالات ارتفاعها. وتشير الاتجاهات الحالية إلى أن هذا التأثير قد يمتد إلى العام المقبل”.
تتألف الاحتياطيات البترولية الاستراتيجية من شبكة من الخزانات والسعات الجوفية الساحلية أُنشئت لمساعدة البلاد على إدارة توافر النفط وتقلبات الأسعار، وتوسعت بسرعة خلال العقدين الماضيين مع نمو الطلب. وبالإضافة إلى الإفصاح المحدود بشأنها، فإن جزءاً كبيراً من هذه الإمدادات يأتي من دول خاضعة لعقوبات مثل روسيا وإيران وفنزويلا.
قدّر أنطوان هالف، الشريك المؤسس وكبير المحللين في شركة “كايروس” (Kayrros) للتحليلات الجغرافية، أن مخزونات الصين الاستراتيجية والتجارية ارتفعت إلى 415 مليون برميل و780 مليون برميل على التوالي في أوائل سبتمبر، بزيادة تقارب 130 مليون برميل منذ نهاية مارس. وأضاف أن هذا يضع معدل استغلال السعات فوق الأرض عند نحو 60.5%، مما يترك مجالاً لزيادة التخزين.
اقرأ أيضاً: توقعات بزيادة الصين وارداتها النفطية لملء الاحتياطيات
النفط والتوترات الجيوسياسية
قال دان سترويفن، رئيس أبحاث النفط في “غولدمان ساكس”، في مقابلة: “هذا الافتراض المتعلق بمشتريات مرتفعة نسبياً منطقي. أولاً، لأن الصين تركز على أمن الطاقة. ثانياً، الأسعار منخفضة جداً في عامي 2025 و2026، ونعتقد أن السوق ستشهد شحاً مجدداً بدءاً من عام 2027 فصاعداً مع تباطؤ المعروض من خارج أوبك، لذا فهذه فرصة سانحة لتخزين النفط بسعر مغرٍ”. وأضاف: “ثالثًا، هناك مساحة تخزين كبيرة”.
التوترات الجيوسياسية المتصاعدة جعلت أمن الطاقة أكثر أهمية بالنسبة للصين، التي تستورد أكثر من 70% من احتياجاتها من الخام، إذ تعدّ الاحتياطيات الاستراتيجية، إلى جانب التخزين التجاري، ركيزة أساسية في جهود تأمين الطاقة. كما أتاحت الأسعار المنخفضة فرصة لشراء النفط بكثافة، لكن الرؤية بشأن الشراء المستقبلي لا تزال غير واضحة.
قال فريدريك لاسير، رئيس الأبحاث في مجموعة “غنفور” (Gunvor Group)، خلال المؤتمر الذي نظمته “إس آند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس” (S&P Global Commodity Insights): “هم اليوم على استعداد لتخزين المزيد وزيادة الاحتياطيات الاستراتيجية. هذا اتجاه واضح”. وأشار إلى وتيرة “مبهرة” في مارس وأبريل، مقدراً وتيرة بناء المخزونات الصينية بنحو 200 ألف برميل يومياً في الأشهر الأخيرة، وهو مستوى ساعد على دعم الطلب والأسواق.
تعتمد التوقعات بوجود فائض في نهاية العام بشكل أساسي على إعادة منظمة البلدان المصدّرة للبترول (أوبك) ضخ إنتاج النفط المتوقف، مع أولوية المنظمة لاستعادة الحصة السوقية بدلاً من الدفاع عن الأسعار. كما أضافت الرسوم الجمركية الشاملة التي فرضها الرئيس دونالد ترمب على شركاء أميركا التجاريين عنصراً من عدم اليقين على آفاق الطلب.
تقدير فائض النفط
يعني ذلك أن تقدير حجم الفائض بدقة أمر معقد، إذ يواجه سعي “أوبك+” لإعادة الإمدادات صعوبات في قدرات الإنتاج وعوامل أخرى. لكن كبير الاقتصاديين في مجموعة “ترافيغورا” (Trafigura Group)، سعد رحيم، قال إن الصين ستواصل الشراء إذا بقيت الأسعار منخفضة. وأضاف: “أعلنت أوبك عن زيادات ضخمة في الأشهر الماضية، لكن كثيراً من هذه البراميل لم يظهر أثره بعد في السوق الفعلية”. وبدلاً من ذلك، شهدت الصين زيادة في المخزونات، في حين كان إعادة بناء المخزون في أماكن أخرى محدوداً.
اقرأ المزيد: توقعات بوصول طلب الصين على النفط إلى ذروته “أبكر من المتوقع”
قال المشاركون في المؤتمر وعلى هامشه إن الشيء الوحيد المؤكد في الأسواق حالياً هو حتمية أن تؤدي زيادة أعداد السيارات الكهربائية إلى تآكل أحد المصادر الرئيسية للطلب على النفط.
ووصفت جانيت كونغ، الرئيسة التنفيذية لشركة “هنغلي بتروكيميكال إنترناشونال” (.Hengli Petrochemical International Pte)، هذا التحول بأنه السمة الأبرز لنمو الطلب. وأضافت: “نمو الناتج المحلي الإجمالي أصبح أقل كثافة في استهلاك السلع”، مشيرة إلى دول مثل الصين قفزت مباشرة إلى تقنيات مثل السيارات الكهربائية والهواتف المحمولة دون المرور بمحطات مثل محركات الاحتراق أو الهواتف الأرضية. وقالت: “ليس عليك أن تنسخ كل ما فعله الآخرون”.
نقلاً عن: الشرق بلومبرج