“حرب” توصيل الطعام في الصين تسفر عن طاولات فارغة وأرباح منخفضة

“حرب” توصيل الطعام في الصين تسفر عن طاولات فارغة وأرباح منخفضة

يحصل المستهلكون في الصين اليوم على قهوة بسعر 14 سنتاً ووجبات مقابل 50 سنتاً نتيجة حرب أسعار محتدمة بين منصات توصيل الطعام، فيما بدأت المطاعم وسلاسل الشاي تحصي كفة تراجع الإقبال داخل صالاتها.

أظهرت أحدث النتائج المالية للمطاعم والمقاهي الكبرى المُدرجة، التي حللتها “بلومبرغ نيوز”، أن الحملات الترويجية المكثفة عبر شبكات الإنترنت كبدت تلك المؤسسات خسائر خلال النصف الأول من العام، لا سيما في الأشهر الثلاثة المنتهية في يونيو، حينما اندلعت حرب الأسعار.

المطاعم المعتمدة على خدمة تناول الطعام داخل الصالات، مثل سلسلة “هايديلوو إنترناشونال هولدنيغ” (Haidilao International Holding) ومطاعم “تاي إر” (Tai Er) المتخصصة في السمك المخلل الملفوف السيشواني، سجلت تراجعاً في مبيعاتها تراوح بين نسب أحادية و20% خلال النصف الأول.

كما هبطت معدلات إشغال الطاولات، وهو مقياس رئيسي على كفاءة التشغيل وحجم الإقبال، أو استقرت في أحسن الأحوال، مع توجه المستهلكين نحو طلبات التوصيل المدعومة من منصات مثل “علي بابا” (Alibaba) و”ميتوان” (Meituan) و”جي دي.كوم” (JD.com).

ضغط التوصيل على المطاعم

رغم أن العروض منخفضة الأسعار قد تُساعد منصات التوصيل على جذب المستخدمين وتعزيز حصتها في سوق توصيل الطعام في الصين البالغة قيمتها 80 مليار دولار، فإنها تضع المطاعم أمام معادلة صعبة تجمع بين تنشيط المبيعات وإضعافها في آن واحد. فالحملات الترويجية عبر الإنترنت قد تُغرق منافذ البيع بمئات الطلبات خلال فترة وجيزة، ما يرهق الموظفين مقابل عوائد ضئيلة، ويجعل القلة من الزبائن داخل الصالات عرضة للإهمال.

هذا تحديداً ما يواجهه تشن تشيانغ، مالك مطعم ذي أربعة فروع متخصصة في المعكرونة بمدينة شنغهاي، حيث غمرت طلبات التوصيل موظفيه بعد طرحه قسائم بقيمة 24 يوان (3.36 دولار) على المشتريات التي تتجاوز 25 يوان. وبحلول يوليو، ارتفع الضغط إلى حد دفعه إلى تعليق خدمة التوصيل خلال فترة ذروة الغداء من الساعة 11:40 صباحاً حتى 12:20 ظهراً، بعد تذمر زبائنه الدائمين من بطء الخدمة.

وقال تشيانغ: “نظل منشغلين طوال الوقت، لكن أرباحنا في النهاية أقل، لأن الطلبات الرخيصة عبر الإنترنت لا تعوض خسارتنا من رواد المطعم”.

ذكرت شركة “يوم تشاينا هولدنيغز” (Yum China Holdings) في أحدث مكالمة أرباح لها في أغسطس أن الارتفاع الكبير في تكاليف التوصيل الناتج عن تضخم حجم الطلبات يشكل “عائقاً” أمام هوامش أرباحها.

رغم استفادة الشركة المشغلة لسلسلة “كنتاكي” و”بيتزا هت” من حرب التوصيل، فإن أسهمها تراجعت رغم إعلان نتائج أرباح فاقت التوقعات خلال الربع المنتهي في يونيو، وسط مخاوف المستثمرين من أن المنافسة الشرسة قد تضغط على ربحيتها في المستقبل.

وتستمر موجة الحملات منخفضة الأسعار من دون مؤشرات على التراجع، حيث تواصل المنصات طرح دعم جديد رغم دعوات الجهات التنظيمية إلى “منع المنافسة غير العادلة وتفادي الدعم الضار”. ويخشى كثيرون أن تنعكس هذه الاستراتيجية في نهاية المطاف بآثار سلبية تفوق فوائدها، سواء على مستوى القطاع بأكمله أو على المشغلين الأفراد.

تزايد أعباء التوصيل

رغم أن شركتي “لوكين كوفي” (Luckin Coffee) و”غومينغ هولدنيغز” (Guming Holdings) سجلتا نمواً في المبيعات تجاوز 10% خلال النصف الأول بدعم من الطلبات عبر الإنترنت، فإن تكاليف التوصيل بدأت تفرض ضغوطاً واضحة على الأرباح. فقد قفزت نفقات “لوكين” الخاصة بالتوصيل بنسبة 175% خلال الربع الثاني، لتشكل 14% من صافي الإيرادات، مقارنة بـ7% فقط في الربع السابق.

أما “غومينغ”، وهي سلسلة مشروبات طازجة تضم أكثر من 11 ألف فرع يتركز معظمها في المدن الصينية الأصغر، فقد أوضحت أن وكلاءها يواجهون ضغوطاً تشغيلية متفاقمة خلال الأشهر الأخيرة. ويعود السبب في ذلك إلى اضطرارهم إلى إنفاق مبالغ أعلى من المعتاد لدعم المستهلكين وفق شروط منصات التوصيل، إلى جانب دفع العمولات لشركاء الخدمة ورسوم التوصيل، بحسب ما أوضحه المدير المالي للشركة جورج منغ في مقابلة مع “بلومبرغ” في وقت سابق من هذا الشهر.

وأوضح منغ أن هوامش أرباح التوصيل تظل محدودة للغاية بالنسبة لوكلاء سلاسل الشاي الطازج. فقبل الحملات الترويجية الشرسة الأخيرة، كان يتطلب الأمر ثلاثة إلى أربعة طلبات توصيل لتحقيق ربحية تعادل كوب شاي واحد داخل المقهى، أما الآن فأصبح يحتاج إلى ثمانية طلبات كاملة.

وأضاف: “نحن في القارب ذاته، فإذا لم يتمكنوا من الصمود، فلن نستطيع نحن أيضاً الاستمرار على المدى الطويل”.

ضغوط متزايدة على سلاسل الشاي

مع ذلك، لم يكن الابتعاد عن حروب التوصيل خياراً آمناً، إذ أدى لدى بعض الشركات إلى تراجع أكبر في أدائها.

فقد سجلت شركة “تشاجي هولدنيغز” (Chagee Holdings)، التي تسعى لترسيخ نفسها كـ”ستاربكس الشاي”، زيادة لم تتجاوز 2% في أرباحها التشغيلية المعدلة خلال النصف الأول، رغم نمو عدد متاجرها بنسبة 40%، بعد أن فضلت عدم الانخراط في الحملات الترويجية حفاظاً على صورتها المميزة.

وكانت آثار التراجع أكثر وضوحاً في الربع الثاني، حيث تباطأ نمو المبيعات إلى 10% مقارنة بـ35% في الأشهر الثلاثة السابقة، فيما تحولت الأرباح التشغيلية المعدلة من مكاسب متوسطة إلى انخفاض بنسبة 11%. كما هوت المبيعات على أساس المتجر الواحد في الصين الكبرى بنسبة 23%.

وحذر تقرير صادر عن “سيتي غروب” (Citigroup) من استمرار هذه الضغوط في الربع الثالث، مع خفض توقعات أرباح الشركة للعام بأكمله.

هيمنة عمالقة التكنولوجيا

لم يعد أمام المطاعم سوى الانخراط في حرب الأسعار التي تقودها منصات التوصيل، في معركة يتصدرها عمالقة التكنولوجيا في الصين. فشركة “علي بابا”، التي كانت تهيمن يوماً ما على 85% من سوق التجارة الإلكترونية، تسعى اليوم جاهدة لاستعادة حصتها من “ميتوان” و”جيه دي.كوم” في سباق يشمل توصيل الوجبات والبقالة والإلكترونيات.

ووفق بيانات “غولدمان ساكس غروب”، بلغت حصة “علي بابا” من سوق توصيل الطعام في الصين 43% اعتباراً من يوليو، مقابل 47% لصالح “ميتوان”، بينما دعم جاك ما خطة إنفاق تصل إلى 50 مليار يوان في صورة إعانات لتعزيز هذه المنافسة.

هذا ما دفع بعض المطاعم إلى تسريع وتيرة توسعها الرقمي. فقد أطلقت “هايديلوو” مجموعة جديدة من الوجبات الفردية مثل الأرز المختلط والمشروبات المنزلية، كما تخطط لتأسيس مطبخ ضخم مخصص حصراً لخدمات التوصيل، مع الحرص على الإبقاء على نشاطها الأساسي المرتبط بخدمة العائلات داخل الصالات دون تغيير.

نقلاً عن: الشرق بلومبرج

أحمد ناجي محرر الأخبار العاجلة بموقع خليج فايف