خط أنابيب الغاز الروسي الصيني الجديد ينفعهما لكن ماذا عن الآخرين؟

يبدو أن روسيا والصين ستمضيان قُدماً في مشروع خط أنابيب رئيسي للغاز الطبيعي بينهما بعد سنوات من مفاوضات متعثرة. وأعلنت شركة الطاقة الروسية العملاقة ”غازبروم“ أنها وقّعت مذكرة مُلزمة مع شركة ”تشاينا ناشيونال بتروليوم“ لبناء خط أنابيب “قوة سيبيريا 2”.
لم تُؤكد الصين بعدُ إبرام الاتفاق، وما تزال قضايا رئيسية مثل التمويل والتسعير وكمية الغاز التي ستباع تنتظر توافقاتهما. لكن إذا قام مشروع خط الأنابيب من شبه جزيرة يامال في القطب الشمالي الروسي إلى شمال شرق الصين، سيُعمّق العلاقات الاقتصادية بين الجارتين اللتين ازداد تقاربهما في السنوات الأخيرة في ظلّ مُواجهة روسيا للعقوبات الغربية.
روسيا والصين توقعان اتفاقاً ضخماً لإنشاء خط أنابيب غاز جديد
كما قد يُعيد خط الأنابيب تشكيل تدفقات الغاز العالمية في العقد المُقبل. بالنسبة لروسيا، يُمثّل “قوة سيبيريا 2” فرصةً لتعويض بعض خسائر مبيعات الغاز عبر الأنابيب إلى أوروبا، التي لجأت إلى مصادر أخرى بعد الغزو الشامل لأوكرانيا. بالنسبة للصين، يوفر خط الأنابيب تحوطاً ضد مخاطر الإمداد في سوق الغاز الطبيعي المسال، حيث أصبحت منافستها الجيوسياسية الولايات المتحدة أكبر مصدر في العالم للوقود فائق التبريد المنقول بحراً.
ما حجم مشروع “قوة سيبيريا 2″؟
وصف رئيس ”غازبروم“ التنفيذي أليكسي ميلر شبكة خط أنابيب “قوة سيبيريا 2” المخطط لها عبر روسيا والصين ومنغوليا بأنها “أكبر وأضخم مشروع غاز في العالم والأكبر من حيث كثافة رأس المال”.
تبلغ المسافة بين نقطة انطلاق خط الأنابيب في الدائرة القطبية الشمالية ونقطة نهايته المحتملة في المدن الساحلية الكبرى في الصين أكثر من 4000 كيلومتر. وسيمتد لمسافة 2600 كيلومتر داخل روسيا وحدها ويمر عبر غابات سيبيريا قبل أن يقطع مسافة 1000 كيلومتر تقريباً عبر مراعي منغوليا.
بكامل طاقته، سيتمكن ”قوة سيبيريا 2“ من نقل 50 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، وهو نحو نفس كمية خط أنابيب ”نرود ستريم 1“ الخامل الآن والذي يمر عبر بحر البلطيق من روسيا إلى ألمانيا.
كيف نقارنه بصادرات روسيا إلى الصين عبر الأنابيب؟
ترسل روسيا الغاز حالياً عبر خطوط الأنابيب إلى الصين عبر ”قوة سيبيريا 1“ بموجب اتفاقية توريد مدتها 30 عاماً. بدأت التدفقات عبر هذا الطريق، الذي يتجاوز منغوليا ويربط البلدين مباشرة، في عام 2019 وبلغت طاقة خط الأنابيب 38 مليار متر مكعب هذا العام. ويُتوقع أن يبدأ تشغيل قناة ثانية، هي طريق ”أقصى الشرق“ في عام 2027.
روسيا تعزز ضخ الغاز إلى الصين عبر خط أنابيب “قوة سيبيريا”
قالت ”غازبروم“، التي تملك حكومة روسيا أغلبية أسهمها، إنها اتفقت أيضاً مع ”تشاينا ناشيونال بتروليوم“ على زيادة التوريد عبر هذين الممرين للغاز إلى ما مجمله 56 مليار متر مكعب، وهي زيادة عن صفقاتهما السابقة التي بلغ مجموعها 48 مليار متر مكعب، حسبما نقلت وكالة أنباء ”تاس“ الروسية الحكومية.
بالتالي، فإن إضافة خط أنابيب “قوة سيبيريا 2” قد يسمح لروسيا بمضاعفة صادراتها عبر خطوط الأنابيب إلى الصين تقريباً.
كم سيكلف خط الأنابيب الجديد؟
تكلفة خط أنابيب “قوة سيبيريا 2” وكيفية تمويله والمدة التي سيستغرقها بناؤه، هي بعض التفاصيل الرئيسية التي لم يُكشف عنها بعد.
بيّن مركز كارنيغي روسيا وأوراسيا أن تكلفة البناء قد تصل إلى 36 مليار دولار للأقسام التي تمر عبر روسيا ومنغوليا. وسيمر جزء كبير في روسيا عبر الأراضي السيبيرية حيث تشغل شركة ”غازبروم“ خطوط أنابيب، ما يتيح توفير وقت وتكاليف البناء.
سيعبر خط أنابيب “قوة سيبيريا 2” مجموعة متنوعة من التضاريس ويعمل في درجات حرارة مختلفة تماماً على امتداده. إن بناء خطوط الأنابيب عبر البيئات القاسية ليس سهلاً، لكن روسيا والصين تمكنتا من الالتزام بالجدول الزمني لمشروع “قوة سيبيريا 1″، الذي يمتد لأكثر من 6000 كيلومتر عبر البلدين وبدأ تدفقات الغاز الأولى بعد خمس سنوات فقط من توقيع اتفاقية بناء المشروع. يبقى أن نرى ما إذا كان بإمكانهما تكرار هذا الإنجاز لخط الأنابيب الجديد، خاصة نظراً لإدخال طرف ثالث في منغوليا.
كم ستستورد الصين عبر مشروع “قوة سيبيريا 2″؟
قال رئيس ”غازبروم“ التنفيذي إن اتفاقية التوريد لمشروع “قوة سيبيريا 2” مدتها 30 عاماً أيضاً، وفق تقرير من وكالة “تاس”. لكن لم يتضح ما إذا كانت الصين ستلتزم بعقد ثابت الكمية يستفيد من كامل طاقة خط الأنابيب، أو ما إذا كانت ستدفع نحو ترتيب أكثر مرونة في حالة تعثر الطلب المحلي على الغاز أو ظهور مصادر أرخص للغاز.
فيما سترغب روسيا بأن توافق الصين على شراء كل كمية الغاز المتوافقة مع طاقة الخط سواء احتاجت إليها أم لا، وذلك بغية أن تضمن مدفوعات مستقبلية ثابتة.
كم ستدفع الصين مقابل الغاز؟
كان سعر الغاز الذي ستوفره روسيا عبر خط أنابيب “قوة سيبيريا 2” نقطة خلاف رئيسية في المفاوضات لسنوات. صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوائل سبتمبر أن السعر سيكون “قائماً على السوق” وسيحتسب باستخدام صيغة ذات مكونات مختلفة عن تلك المستخدمة في العقود الأوروبية. وصرح رئيس ”غازبروم“ التنفيذي أن الغاز المورد عبر خط الأنابيب الجديد سيكون أرخص مما يدفعه المشترون مقابل الغاز الروسي في أوروبا.
إن ما يصل الصين عبر خط أنابيب “قوة سيبيريا 1″هو من أرخص ما تستورده من الغاز إلى الصين وفقاً لـ ”بلومبرغ إن إي إف“. وتشير التقديرات إلى أن غاز خط الأنابيب الروسي أرخص بحوالي الثلث من الغاز الطبيعي المسال الذي تعاقدت الصين على شرائه وأقل من نصف أسعار واردات الغاز الطبيعي المسال الفورية في الشتاء المقبل.
لماذا يهم خط الأنابيب روسيا؟
قد يساعد تصدير مزيد من الغاز نحو الشرق شركة ”غازبروم“ على تعويض تحول أوروبا عن غاز خط الأنابيب الروسي بعد الغزو الشامل لأوكرانيا في عام 2022. انخفضت واردات أوروبا من الغاز من حوالي 150 مليار متر مكعب في عام 2021 إلى أقل من عُشر هذا المستوى في ما مضى من العام. وبينما تستمر المنطقة بشراء الغاز الطبيعي المسال الروسي، يدرس الاتحاد الأوروبي خططاً لإنهاء مشتريات جميع أنواع الغاز الروسي بحلول نهاية عام 2027.
قد تزيد ”قوة سيبيريا 2“ بشكل ملموس من تدفق الغاز الروسي إلى الصين. وعلى عكس خط أنابيب “قوة سيبيريا 1″، الذي ينقل الغاز من شرق سيبيريا، سينقل خط الأنابيب الجديد الوقود إلى الصين من حقول غاز يامال في غرب سيبيريا التي كانت تُزوّد أوروبا قبلاً. عند تشغيله بكامل طاقته، سيُعادل خط أنابيب “قوة سيبيريا 2” ثلث صادرات روسيا من الغاز إلى أوروبا قبل الحرب.
كما يُمكن أن يُحقق إنشاء خط الأنابيب الجديد فوائد إضافية للاقتصاد الروسي، الذي أصبح أكثر عزلة بعد غزو أوكرانيا، من خلال تعزيز الطلب على العمال الروس والصلب.
أوروبا تجري محادثات للحفاظ على تدفق الغاز عبر خط الأنابيب بين روسيا وأوكرانيا
كيف يُفيد خط الأنابيب “قوة سيبيريا 2” الصين؟
يُوفر خط الأنابيب للصين مصدراً طويل الأمد للغاز الرخيص. ومع ذلك، فهو أقرب إلى “ميزة إضافية” منه إلى “ضرورة”. كان الطلب الصيني على الغاز ينمو بمعدلات مضاعفة عند توقيع اتفاقية “قوة سيبيريا 1”. لكن النمو تباطأ بشدة في السنوات الأخيرة مع نضوج الاقتصاد الصيني وزيادة حصة الفحم والطاقة المتجددة في مزيج الطاقة في البلاد.
تخشى الصين من الاعتماد المفرط على مورد غاز واحد، فيما أن روسيا أحد أهم مصادرها للغاز عبر خطوط الأنابيب، وثالث أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال بعد أستراليا وقطر. في الوقت نفسه، يُتيح سوق الغاز الطبيعي المسال العالمي للصين خيارات توريد مرنة لا تُقيدها باتفاقية تمتد لعقود. لكن نظراً لأن الولايات المتحدة أكبر مُصدّر في العالم، فهناك خطر من أن تُصبح الصين أكثر اعتماداً على شحنات الغاز الطبيعي المسال من المنتجين الأميركيين بمرور الوقت.
ستمكّن “قوة سيبيريا 2” الصين من التحوّط من هذا الخطر وتعزيز أمنها في مجال الطاقة. قد يكون خط الأنابيب البري أكثر أماناً من الطرق البحرية في حال عدم الاستقرار في الشرق الأوسط الذي يُعطّل الشحن، أو التوترات الجيوسياسية أو العسكرية مع الولايات المتحدة وحلفائها في آسيا.
ماذا يعني خط الأنابيب الجديد لبقية سوق الغاز؟
تُعدّ الصين أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال في العالم، وقد يُقلّل تدفق الغاز عبر “قوة سيبيريا 2” من طلبها على الشحنات المنقولة بحراً. لم يتضح متى سيبدأ خط الأنابيب في العمل، لكن بالنظر إلى الجدول الزمني لمشروع “قوة سيبيريا 1″، يُرجح أن يكون ذلك بعد 2030.
يمكن أن يغطي العرض من خط الأنابيب الجديد وتوسيع القناتين الأخريين من روسيا حاجة الصين لأكثر من 40 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنوياً، وفقًا لـ ”بلومبرغ إن إي إف“. هذا يعادل أكثر من نصف واردات البلاد من الوقود فائق التبريد العام الماضي.
إذا اشترت الصين كميات أقل من الغاز الطبيعي المسال، فقد يؤدي ذلك إلى تحرير العرض للمستوردين في أماكن أخرى في آسيا وأوروبا، ما يؤدي إلى خفض الأسعار والمساعدة في تخفيف الضغوط التضخمية.
مصابيح برلين الغازية تخبو بعد قرون مع قطع روسيا للإمدادات
هذه أخبار جيدة لمشتري الغاز الطبيعي المسال لكنها ليست بشائر بالنسبة للمصدرين، ولا سيما المحطات الجديدة التي تدخل الخدمة والمطورين الذين يتطلعون إلى اتخاذ قرار استثماري نهائي بشأن المشاريع المستقبلية.
قد يؤدي انخفاض شهية الصين للغاز الطبيعي المسال إلى تقويض مساعي الرئيس دونالد ترمب لتعزيز صادرات الطاقة الأميركية. كان متوقعاً أن يزداد العرض في سوق الغاز الطبيعي المسال العالمي في السنوات القليلة المقبلة مع بدء تشغيل مرافق التصدير الجديدة. إذا بدأ مشروع “قوة سيبيريا 2” العمل بحلول أوائل ثلاثينيات هذا القرن، فقد يؤدي إلى زيادة فائض العرض ويضغط على الأسعار.
لماذا يبدو أن مشروع “قوة سيبيريا 2” يتقدم الآن؟
كان المشروع عالقاً في حالة انتظار لا تلوح لها نهاية في الأفق، إذ سارت سنوات من المفاوضات على نفس القواعد: كان بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ يجتمعان، وكانت البيانات الروسية تقول إنه تم إحراز تقدم في مشروع “قوة سيبيريا 2″، بينما غالباً ما تخلو تصريحات الصين من ذكر خط الأنابيب.
جاء الاتفاق الصريح الذي يمثل اختراقاً على خلفية تجديد ترمب لحربه التجارية مع الصين منذ عودته إلى منصبه في يناير. وقد فرضت الصين كجزء من معركة الرسوم الجمركية رسوماً على الغاز الطبيعي المسال الأميركي، وحتى أوائل سبتمبر، كانت آخر شحنة استلمتها في فبراير.
تتقارب الصين وروسيا على صعيد الطاقة هذا العام. في أواخر أغسطس، استلمت الصين شحنتها الأولى من مشروع الغاز الطبيعي المسال الروسي “أركتيك 2″، الذي تعرّض لضغوط بسبب العقوبات الأميركية، وواجه صعوبة في العثور على من يشتريه منذ أدرجته إدارة الرئيس جو بايدن على القائمة السوداء في أواخر 2023.
يبدو أن الصين لم تتراجع أمام تهديدات ترمب بمعاقبة الدول التي تدعم اقتصاد الحرب الروسي وتساعده على التهرب من العقوبات.
نقلاً عن: الشرق بلومبرج