دخلت إلى غرفة العمليات بثقة، تطمئن قلبها بأن ما ينتظرها ليس أكثر من إجراء طبي روتيني، كانت تحمل آمالًا في التعافي من وعكة بسيطة، لكنها خرجت بحياة مقلوبة، وألم مضاعف لم يكن له تفسير، ثم بدأت الحقيقة تظهر: كلية مفقودة.. وسؤال يتردد كل ليلة في رأسها: كيف يمكن لطبيب أن يسلب عضوًا من جسد مريض دون علمه؟ الحكاية هنا ليست مشهدًا من فيلم، بل قصة حقيقية لسيدة مصرية، تعيد إلى الأذهان تفاصيل فيلم “إلحقونا” للفنان الراحل نور الشريف، الذي تنبأ بمثل هذه المآسي منذ أكثر من ثلاثة عقود.
عملية بسيطة تتحول إلى كابوس
بدأت القصة بسيدة أُجريت لها عملية في المعادي قبل عام اكتشفت لاحقًا، بعد فحوصات طبية، أنَّ جسدها يحتوي على كلية واحدة فقط، رغم أن الفحوصات قبل العملية أظهرت وجود كليتين في الجسد
تروي السيدة تفاصيل ما حدث وهي بالكاد تحبس دموعها، قائلة:
“ذهبت إلى المستشفى لإجراء عملية فصغيرة لا تستغرق وقتًا طويلًا، أجريت كل التحاليل المطلوبة قبل الدخول إلى غرفة العمليات، وكان كل شيء طبيعيًا، ولم يُذكر أبدًا أنني أعاني من مشكلة في الكلى، وأثبتت التحاليل أنه لدي كليتين.”
أجرت العملية وعادت إلى المنزل، لكن خلال الأشهر التالية بدأت تشعر بأعراض غريبة: إرهاق شديد، آلام في الجنب الأيمن، ومشكلات مستمرة في التبول. لم تفكر كثيرًا، وظنت أن الأمر مجرد آثار جانبية للجراحة.
لكن حين قررت إجراء أشعة على البطن بسبب استمرار الأعراض، كانت الصدمة، ظهرت نتيجة الفحص بوضوح بأن إحدى الكليتين غير موجودة.
في البداية، ظنت أن هناك خطأ ما في الفحص. أعادت الأشعة في مركز طبي مختلف، فجاءت النتيجة مطابقة. استشارت طبيبًا مختصًا، فأخبرها أن الكلية قد تم استئصالها. لم تصدق ما سمعته، وصمتت للحظة طويلة، ثم همست: “بس أنا ما وافقتش، ولا حد قال لي!”
من هنا بدأت رحلتها في البحث عن الحقيقة، ومواجهة الواقع المؤلم، جمعت كل تقاريرها الطبية قبل العملية، والتي تثبت أن كليتيها كانتا سليمتين تمامًا، وذهبت إلى قسم الشرطة لتحرير محضر رسمي تتهم فيه الطبيب والمستشفى بسرقة كليتها.
ظاهرة تتكرر
ليست هذه السيدة الوحيدة التي تعرضت لمثل هذا المصير. في الفترة الأخيرة، تكررت شهادات صادمة من سيدات في محافظات مختلفة، كلهن دخلن المستشفيات لإجراء عمليات بسيطة، ثم اكتشفن لاحقًا أن كليتهن قد تم استئصالها دون علمهن.
أم في محافظة البحيرة، خضعت لعملية جراحية بزعم وجود ورم بالكلى، ثم تبين أن الورم كان حميدًا، ولا داعي للاستئصال. أخرى في المعادي خرجت من عملية المرارة لتفاجأ باختفاء إحدى كليتيها، وفي القليوبية، توفيت مريضة بعد جراحة لتفتيت الحصوة، لتكتشف أسرتها لاحقًا أن كليتها قد أُزيلت دون مبرر طبي واضح.
“إلحقونا”.. من السينما إلى الواقع
من الصعب على أي مشاهد مصري أن ينسى فيلم “إلحقونا” للفنان نور الشريف، الذي عُرض في ثمانينيات القرن الماضي. تناول الفيلم قصة شاب تُسرق كليته داخل مستشفى خاص، ضمن شبكة سرية تتاجر بأعضاء البشر. في وقتها، بدا الفيلم أشبه بخيال جامح، لكن ما يحدث اليوم يبدو أقرب إلى نسخة واقعية منه، وربما أكثر فزعًا، لأن الضحايا ليسوا ممثلين، بل أناسًا حقيقيين.
تشابه التفاصيل بين ما ورد في الفيلم وبين هذه الوقائع المتكررة يجعل من الصعب تجاهل المسألة أو اعتبارها مجرد “أخطاء فردية”. نحن أمام ظاهرة تستدعي وقفة حقيقية من الجهات الرقابية والطبية والقضائية.
السيدة التي تستغيث الآن لم تطلب سوى شيء بسيط: معرفة الحقيقة، واسترجاع حقها. قدمت بلاغًا رسميًا، وتنتظر قرار النيابة. تطالب بتحقيق طبي مستقل، لا يتبع المستشفى، يكشف من الذي قرر استئصال كليتها، ولماذا، وبأي حق.
في المقابل، طالب عدد من النشطاء والحقوقيين بضرورة فتح ملف شامل حول هذه النوعية من الحوادث، وتشكيل لجان مراقبة على المستشفيات الخاصة، وتغليظ العقوبات ضد أي طبيب يثبت تورطه في استغلال المرضى أو المتاجرة بأعضائهم.
الخاتمة: ليست مجرد حادثة.. بل تحذير
أن تدخل مستشفى للعلاج وتخرج منه ناقصًا جزءًا من جسدك دون أن تدري، فهذه ليست مجرد مأساة شخصية، بل فاجعة وطنية تستدعي انتفاضة أخلاقية وطبية وتشريعية، وما لم تتحرك الدولة بجدية لكشف هذه التجاوزات ومحاسبة المسؤولين عنها، فإن الباب سيظل مفتوحًا أمام تكرار الكارثة.
“دخلت أعمل عملية، سرقوا كليتي!” ليست صرخة عابرة، بل صدى عميق لواقع يحتاج إلى علاج جذري.. ليس في جسد الضحية فقط، بل في جسد المنظومة كلها.
نقلاً عن : تحيا مصر
- نظام البكالوريا يقدم نظاما تعليميا أكثر عدلاً - 18 أغسطس، 2025
- أزمات متوارثة ودعم عاجل.. مؤتمر موسع يكشف كواليس حال الإسماعيلي - 18 أغسطس، 2025
- خبير تربوى يكشف مفاجأة عن التنسيق الجامعي لنظام البكالوريا - 18 أغسطس، 2025
لا تعليق