دعم من الظل.. فيتش تعيد ترتيب الثقة في الاقتصاد المصري


من قلب أزمة طاحنة إلى مؤشرات تعافٍ محسوبة.. هكذا يبدو المسار الذي يسلكه الاقتصاد المصري منذ بداية 2024 وحتى الآن، بعد أن أعادت وكالة “فيتش” العالمية للتصنيف الائتماني ترتيب أوراق الثقة في الوضع المالي والاقتصادي لمصر، مستندة إلى حزمة من الإصلاحات والصفقات الدولية التي قلبت التوقعات رأسًا على عقب.

من الانكماش إلى الترقية
خلال عامي 2023 و2024، واجهت مصر واحدة من أعقد أزماتها الاقتصادية، مع نقص حاد في العملة الأجنبية، وتصاعد أعباء الدين الخارجي، وارتفاع غير مسبوق في معدلات التضخم. أدت هذه الأوضاع إلى خفض التصنيف الائتماني لمصر من قِبل فيتش وغيرها من الوكالات الكبرى، وسط تخوفات من عجز في سداد الالتزامات الدولية.

لكن وبحلول منتصف 2024، بدأت الأمور تتغير. ففي مايو، عدّلت “فيتش” نظرتها المستقبلية لمصر من “مستقرة” إلى “إيجابية”، مشيدة بخفض المخاطر المرتبطة بالتمويل الخارجي. ولم تمر سوى أشهر قليلة، حتى أعلنت في نوفمبر 2024 عن رفع التصنيف الائتماني لمصر درجة كاملة إلى B، في أول خطوة إيجابية من نوعها منذ بدء الأزمة، مع الحفاظ على النظرة المستقبلية المستقرة.

التحول بدأ من رأس الحكمة
الشرارة الأولى لهذا التحول الإيجابي جاءت من صفقة رأس الحكمة، التي ضخت فيها الإمارات نحو 35 مليار دولار، لتكون بمثابة حجر زاوية في استراتيجية الدولة لإعادة هيكلة الدين وجذب الاستثمارات المباشرة.

تبعتها خطوات أخرى:

توقيع اتفاقات دعم جديدة مع صندوق النقد والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي، بإجمالي يتجاوز 20 مليار دولار.

زيادة احتياطي النقد الأجنبي إلى أكثر من 45 مليار دولار بحلول مارس 2025.

اعتماد سياسة سعر صرف أكثر مرونة.

رفع سعر الفائدة الأساسي لكبح التضخم وتحسين العوائد على الأصول المحلية.

فيتش: الثقة تعود.. لكن بحذر
في تقريرها الصادر في أبريل 2025، أكدت فيتش التصنيف عند “B” مع نظرة مستقرة، مشيرة إلى أن مصر أحرزت تقدمًا في معالجة مكامن الضعف الهيكلية، خاصة في ملف الميزان الخارجي، ولكنها في الوقت نفسه حذرت من استمرار بعض المخاطر، مثل:

استمرار ارتفاع الدين العام كنسبة من الناتج المحلي.

حساسية الاقتصاد للصدمات الخارجية.

استمرار معدلات التضخم المرتفعة (تجاوزت 25% في بعض الأشهر).

تحديات متعلقة بسوق العمل، خصوصًا بين الشباب.

مؤشرات تحسن.. ولكن
توقعت فيتش نمو الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 4% خلال العام المالي 2024/2025، على أن يرتفع إلى 4.7% في العام التالي، مدفوعًا بنمو قطاعات مثل التشييد، والطاقة، والسياحة، والصادرات الزراعية.

كما توقعت أن يتراجع عجز الحساب الجاري تدريجيًا إلى نحو 3.3% من الناتج المحلي بحلول نهاية 2026، مع تعافي إيرادات السياحة وتوسّع في تحويلات المصريين بالخارج.

رغم ذلك، ما زال الإنفاق على خدمة الدين يمثل تحديًا رئيسيًا، إذ تستحوذ الفوائد وحدها على أكثر من 45% من الإنفاق العام، وسط حاجة ماسة إلى إعادة هيكلة شاملة للموازنة العامة.

الدعم الخليجي والمؤسساتي: “من الظل”
ما وصفه مراقبون بـ”الدعم من الظل”، شكّل العمود الفقري للتعافي المصري. فبخلاف الصفقة الإماراتية، شهدت مصر تدفقات استثمارية خليجية متنوعة، شملت السعودية وقطر، إلى جانب اتفاقيات تمويل جديدة من البنك الدولي بقيمة 3.5 مليار دولار، والاتحاد الأوروبي بمساعدات غير مسبوقة.

هذا الدعم، وإن لم يكن دائمًا ظاهرًا في تقارير الأداء الشهري، لعب دورًا كبيرًا في تحسين رؤية الوكالات الدولية تجاه الاقتصاد المصري، واعتبرته “فيتش” أحد العوامل الجوهرية وراء رفع التصنيف.

ماذا بعد؟
ورغم التحسن الواضح، لا تزال الطريق طويلة أمام مصر لاستعادة كامل ثقة الأسواق، بحسب محللين. فالإصلاحات الهيكلية التي طالب بها صندوق النقد – مثل تقليص دور الدولة في النشاط الاقتصادي، وتوسيع المنافسة، وتحسين مناخ الأعمال – لم تكتمل بعد.

كما أن الاستثمار الأجنبي المباشر، رغم التحسن، لا يزال يتركز في قطاعات محدودة، مما يتطلب سياسات أعمق لتنويع القاعدة الإنتاجية وزيادة القيمة المضافة.


نقلاً عن : تحيا مصر

أحمد ناجيمؤلف

Avatar for أحمد ناجي

أحمد ناجي محرر الأخبار العاجلة بموقع خليج فايف

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *