رسوم ترمب على الموانئ تفاقم أوجاع شركات الشحن الصينية

تفاقم الرسوم الإضافية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب على الموانئ الأميركية الضغوط على شركات شحن الحاويات الصينية، التي تواجه بالفعل حرباً تجارية متصاعدة وتراجعاً في أسعار الشحن.
من المتوقع أن تكون شركتا “كوسكو شيبنغ هولدينغز” (Cosco Shipping Holdings) و”أورينت أوفرسيز إنترناشونال” (Orient Overseas International) الأكثر تضرراً من السياسة التي أقرها مكتب الممثل التجاري الأميركي، والتي دخلت حيز التنفيذ يوم الثلاثاء.
وفي إطار الرد بالمثل، أعلنت الصين يوم الثلاثاء فرض عقوبات على وحدات أميركية تابعة لشركة “هانوا أوشن” (Hanwha Ocean)، إلى جانب إطلاق تحقيق حول تداعيات إجراءات المادة 301 التي يطبقها مكتب الممثل التجاري الأميركي على قطاعها البحري.
كما فرضت بكين الأسبوع الماضي رسوماً خاصة على عدد من السفن الأميركية، ما دفع ترمب إلى التهديد بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% وقيود على صادرات البرمجيات، رغم أن إدارته أبدت لاحقاً استعدادها لتخفيف حدة التوترات.
رسوم تهدد أرباح الشركات الصينية
يمكن أن تواجه شركة “كوسكو شيبنغ”، التي يُتوقع أن تُعلن عن أرباح أضعف في الربع الثالث، رسوماً إضافية تتراوح بين 1.5 مليار دولار و2.1 مليار دولار في عام 2026، بحسب تقديرات “إتش إس بي سي” (HSBC) و”سيتي غروب” (Citigroup). أما شركة “أورينت أوفرسيز إنترناشونال” فقد تتكبد تكاليف إضافية تصل إلى 654 مليون دولار، بحسب محلل “إتش إس بي سي” باراش جاين.
في المقابل، لن تتأثر شركات الشحن غير الصينية سوى بشكل محدود، إذ يمكنها تشغيل سفن غير مصنعة في الصين على المسارات الأميركية برسوم أقل بكثير.
صراع رسوم السفن بين أميركا والصين يعصف بقطاع الشحن البحري
قال سيمون هيني، المدير الأول لأبحاث الحاويات بشركة “دروري ماريتايم سيرفسيز” (Drewry Maritime Services)، إن “شركات الشحن الأخرى لديها فرصة لتقليص عبء التكاليف الإضافية عبر استبدال السفن الصينية الصُنع، لكن شركات مثل كوسكو لا يمكنها تغيير جنسيتها، ولا تملك أي بديل لتفادي هذه الرسوم”.
ضغوط ترمب التجارية على بكين
تندرج الرسوم الأميركية، التي أُعلن عنها لأول مرة في أبريل، ضمن جهود ترمب لإعادة تشكيل منظومة التجارة العالمية والتصدي للنفوذ المتنامي لبكين، من خلال استهداف مالكي السفن الصينيين أو السفن المصنوعة في الصين.
في غضون ذلك، ارتفعت الصادرات الصينية بنسبة 8.3% في سبتمبر، وهي أسرع وتيرة نمو خلال ستة أشهر، بينما هبطت الشحنات المتجهة إلى الولايات المتحدة بنسبة 27%.
مع ذلك، يُتوقع أن يكون تأثير الرسوم محدوداً على أسعار الشحن، إذ تعمل شركات الشحن على إيجاد بدائل لتفادي رسوم الموانئ الأميركية. وكانت أسعار الشحن قد تراجعت عن مستوياتها المرتفعة المسجلة في يونيو 2024، فيما تباطأ نمو حركة الشحن بعد موجة التحميل المسبق منذ العام الماضي مدفوعة بمخاوف من إضرابات سابقة في موانئ الساحل الشرقي الأميركي ومخاطر الرسوم الجمركية، بحسب ما ذكره جاين.
وأوضح جاين أن “فائض الطاقة التشغيلية لا يزال من أبرز التحديات التي تواجه القطاع، خصوصاً في ظل تراجع توقعات الطلب”.
التزام صيني تجاه السوق الأميركية
رغم تصاعد التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، لم تُظهر شركات الشحن الصينية أي نية للانسحاب من السوق الأميركية.
فقد أعلنت شركة “أورينت أوفرسيز كونتينر لاين” الشهر الماضي أنها ستواصل العمل في السوق الأميركية “رغم الأعباء المالية التي تفرضها هذه الرسوم”، بينما قالت “كوسكو شيبنغ” للمستثمرين خلال مكالمة الأرباح إنها تأمل في “تحسين مزيج منتجاتها عبر المحيط الهادئ”.
وأشار هيني، من “دروري ماريتايم سيرفسيز”، إلى أن شركات مثل “كوسكو” يمكنها تحمل كلفة استمرار تشغيل الخطوط الأميركية حالياً بفضل الدعم الحكومي، لكن هيكل الرسوم المتصاعد سيختبر قدرتها على الصمود بمرور الوقت.
أزمة الشحن مستمرة.. الصين تفرض قيوداً على 5 شركات مرتبطة بالولايات المتحدة
من جانبه، قال كينيث لوه، المحلل في “بلومبرغ إنتليجنس”، إن “الضغوط على الأرباح ستكون حتمية في التوجيهات الخاصة بالأرباع السنوية المقبلة”، مضيفاً أن شركات الشحن “لن تشعر بتأثير الرسوم الأميركية إلا مع نهاية الربع الرابع”.
وأوضح أن التوجيهات المستقبلية ستشهد على الأرجح مراجعات خلال الأرباع السنوية القادمة، بمجرد اتضاح تفاصيل فرض الرسوم وآليات تنفيذها فعلياً.
في غضون ذلك، يُتوقع أن يكون تأثير الرسوم الانتقامية التي فرضتها الصين محدوداً على قطاع شحن الحاويات، إذ إن شركات الشحن الكبرى، ومن بينها “إيه. بي. مولر-ميرسك” (A.P. Moller-Maersk A/S)، لديها انخراط محدود في السوق الأميركية، وفقاً لتقديرات “إتش إس بي سي” و”بلومبرغ إنتليجنس”.
توقعات قاتمة لقطاع الشحن
تبدو آفاق قطاع شحن الحاويات قاتمة مع دخول الربع الرابع من العام، إذ يُتوقع أن تتراجع الأرباح على أساس فصلي وسنوي، بحسب ما قال جودا ليفين، رئيس قسم الأبحاث في منصة حجز الشحن “فريتوس” (Freightos).
وأوضح ليفين أن شركات النقل البحري تحاول التكيف مع الوضع عبر زيادة عدد الرحلات الملغاة عبر المحيط الهادئ، وهي ممارسة تُعرف بتخطي الموانئ أو إلغاء الرحلات.
وأضاف أن “شركات الشحن ستبذل جهوداً مكثفة لإدارة قدرتها الاستيعابية بهدف الحد من تراجع الأسعار، لكن من المرجح أن يبقى هذا هو المشهد السائد خلال الفترة المقبلة”. وأكد أن الصين ما زالت تشكّل محوراً رئيسياً في حركة التجارة العالمية، حتى مع ارتفاع الطلب على الشحن من مناطق مثل جنوب شرق آسيا.
كما قال لو من “بلومبرغ إنتليجنس” إن مركز ثقل صناعة شحن الحاويات يشهد تحولاً سريعاً بعيداً عن خطوط التجارة عبر المحيط الهادئ نحو مناطق نمو جديدة، مع تزايد النشاط في خدمات الشحن داخل آسيا، فيما تبرز أميركا اللاتينية وأفريقيا كنقاط مضيئة في توقعات النمو.
خارج البر الرئيسي للصين، تواجه شركات “إيفرغرين مارين” (Evergreen Marine) و”وان هاي لاينز” (Wan Hai Lines) و”يانغ مينغ مارين ترانسبورت” (Yang Ming Marine Transport) التايوانية تراجعاً في أرباح هذا الربع، نتيجة ضعف الطلب العالمي وتراجع الأسعار الفورية للشحن، وفقاً لمحللة شركة “دروري” آريا أنشومان.
كما أظهرت تقديرات جمعتها “بلومبرغ” أن شركتي “نيبون يوسن” (Nippon Yusen KK) و”ميتسوي أو إس كيه لاينز” (Mitsui OSK Lines) اليابانيتين سجلتا انخفاضاً في صافي الدخل الفصلي بنسبة 62% و68% على التوالي.
نقلاً عن: الشرق بلومبرج