سباق استثماري في صناعة زجاج السيارات المصرية

تعتزم شركات عالمية ومحلية ضخ استثمارات بمئات الملايين من الدولارات في صناعة زجاج السيارات في مصر لتلبية الطلب المتزايد على المكونات المحلية في صناعة المركبات بالبلاد.
تأتي هذه الاستثمارات الضخمة بالتزامن مع تحفيزات حكومية لتوطين مكونات صناعة السيارات تتضمن رفع نسبة المكون المحلي إلى 25% على الأقل، مع منح حوافز إضافية عند تجاوز 35%.
شركات كبرى تتصدر المشهد
تخطط “سان جوبان مصر” لافتتاح مصنع جديد للزجاج المسطح في العين السخنة خلال النصف الثاني من 2026، باستثمارات تتراوح بين 160 إلى 170 مليون يورو، بحسب تصريحات أنطوان أندراوس، رئيس القطاع التجاري بالشركة، لـ”الشرق”.
المشروع يهدف إلى مضاعفة الطاقة الإنتاجية من 900 طن يومياً إلى 1,800 طن، لتلبية احتياجات قسمي السيارات والإنشاءات. وأوضح أندراوس أن التوسعات ستعزز قدرة مصر على الاكتفاء الذاتي من المادة الخام الأساسية لصناعة زجاج السيارات، في سوق وصفها بأنها “واعدة وجاذبة للاستثمار”.
أين وصلت مصر بخطة توطين صناعة السيارات؟
وفي السياق ذاته، تنفّذ “مجموعة دلمار الصناعية” خطة لإنشاء مصنع لزجاج السيارات في مدينة السادات، باستثمارات تزيد على 30 مليون دولار.
سيجري تنفيذ المشروع على مرحلتين، الأولى تتضمن خطوط لإنتاج زجاج سيارات الركوب والميكروباص والربع نقل، فيما تستهدف المرحلة الثانية إنتاج زجاج المركبات الثقيلة، مع قدرة تغطية نحو 750 ألف سيارة سنوياً، وتخصيص 30% إلى 40% من الإنتاج لقطاع قطع الغيار، حسبما صرح محمود هارون، رئيس الشركة.
أما شركة “سيجور جلاس” فلديها خطة توسع بتكلفة 50 مليون جنيه، تتضمن إضافة خطّين جديدين لإنتاج زجاج السيارات، بحسب الشريك والمدير التنفيذي طارق عبد المقتدر الذي أشار إلى أن جودة الخامات المصرية، خصوصاً رمال السيليكا، تمنح المنتج المحلي ميزة تنافسية.
مجمع مصانع
كشفت هبة نصر، الرئيسة التنفيذية لشركة “هاي جلاس” التابعة لمجموعة “د. جريش” عن إقامة مجمع مصانع في مدينة العاشر من رمضان باستثمارات تصل إلى 500 مليون جنيه على مساحة 25 ألف متر مربع.
وقالت في تصريحات لـ”الشرق” إنه من المتوقع تشغيل المصنع في الربع الثاني من 2026، مضيفة أن الطاقة الإنتاجية الحالية تغطي السوق المحلية، لكن زيادة الطاقة الإنتاجية لشركات تجميع السيارات ستزيد الطلب.
“منافسة غير عادلة”
حذرت الرئيسة التنفيذية لشركة “هاي جلاس” من أن الواردات الرخيصة من الصين وشرق آسيا تمثل تحدياً بسبب “المنافسة غير العادلة”، مطالبة الدولة باتخاذ اجراءات أكثر صرامة لحماية الصناعة الوطنية.
وتستعد خمس شركات عاملة في السوق المصرية، وهي “جي بي أوتو”، و”نيسان”، و”جاك”، و”المنصور”، و”القصراوي” لضخ استثمارات بقيمة 630 مليون دولار خلال 2026، لزيادة الإنتاج المحلي إلى 260 ألف سيارة مقابل 95 ألفاً حالياً، وهو ما يعزز الطلب على المكونات ومنها الزجاج.
كما شهدت صناعة الزجاج استثمارات إضافية، منها تدشين مجموعة “العربي” مصنعاً للزجاج الهندسي بمدينة قويسنا باستثمارات 25 مليون دولار بالشراكة مع شركة “تويواتشي” اليابانية، بجانب خطط شركات “أمان” و”سيفتي جلاس” لإدخال تقنيات متقدمة ودراسة إنشاء مصانع جديدة.
تحديات وضغوط
لكن القطاع يواجه مجموعة من الضغوط الكبيرة، إذ يقول عبد العزيز عيسى، رئيس شركة “العز جلاس”، إن السوق تشهد إغراقاً بالزجاج الصيني بأسعار تقل بنحو 40% من المنتج المحلي، وهو ما يضع المصانع في مواجهة خسائر إذا حاولت المنافسة بالسعر ذاته.
وأضاف أن ارتفاع تكاليف الطاقة والضرائب والتشغيل في مصر يقوّض الجدوى الإنتاجية.
الصين تهيمن على سوق السيارات في مصر.. استثمارات قياسية وحصة سوقية قيادية
بدوره، يشير محمد محسب، رئيس “الشركة المصرية للصناعات الزجاجية” (إيجي جلاس)، إلى أن الفارق السعري بين المنتج المحلي والمنتج المستورد يمثل أبرز العقبات، مؤكداً أن الزجاج المستورد يُباع في مصر بخفض يتراوح بين 15% و20% عن تكلفة الإنتاج المحلي.
وأضاف أن أسعار الخامات ارتفعت بأكثر من 200% خلال السنوات الثلاث الأخيرة، كما أن المصانع تتكبد أعباء كبيرة في الكهرباء والضرائب والأجور وفوائد التمويل البنكي، التي تصل إلى 25%، بينما لا تبلغ أرباحها سوى 5% في أحسن الأحوال.
ارتفاع الالتزامات وغياب الدعم
محمود نجم، رئيس مجلس إدارة مصنع “تارجت” لزجاج السيارات، أوضح أن القطاع يعاني أعباء متصاعدة في ظل غياب التسهيلات الحكومية، مشدداً على أن ارتفاع أجور العمال من نحو ستة آلاف جنيه إلى ما بين تسعة آلاف و11 ألفاً يشكل ضغوطاً إضافية.
وحذّر من أن الوضع الراهن قد يؤدي إلى تعثر بعض المصانع إذا لم تحصل على الدعم المناسب في صورة إعفاءات ضريبية أو تخفيف أعباء الكهرباء والتأمينات.
في السياق ذاته، لفت محمد عيد، مدير مبيعات زجاج السيارات في مجموعة “جي إم جي”، إلى أن المصنعين المحليين باتوا عاجزين عن المنافسة أمام المنتجات الصينية، مضيفاً “يكفي مستورد واحد أن يجلب حاوية كاملة لإغراق السوق”.
أما رشا كامل، مديرة التسويق في الشركة نفسها، فأكدت أنهم اضطرّوا لتجميد خطة استثمارية بقيمة 150 مليون جنيه، رغم توفر التكنولوجيا لإنتاج زجاج متطور، محذرة من أن “الإغراق قد يؤدي إلى توقف خطوط إنتاج وإغلاق مصانع كاملة”.
الإنتاج المحلي والحماية الحكومية
يبلغ إنتاج صناعة زجاج السيارات في مصر حالياً نحو 50 ألف قطعة زجاج شهرياً، فيما يجلب المستوردون 20 إلى 25 ألف قطعة.
ويعتقد المصنعون أن مستقبل الصناعة المصرية يتوقف على الحماية والدعم الحكومي، بما يشمل خفض تكاليف الطاقة، وتيسير الحصول على الأراضي الصناعية، ودعم الصادرات، لكي تتحول مصر إلى مركز إقليمي لصناعة السيارات ومكوناتها.
مصر بصدد ضم الشاحنات المنتجة محلياً لاستراتيجية حوافز السيارات
من جانبه، أعلن نائب رئيس الوزراء ووزير الصناعة والنقل كامل الوزير أن الدولة تدرس التوسع في مصانع زجاج السيارات، واتخاذ إجراءات صارمة ضد الممارسات التجارية الضارة.
وقد أقرت المجموعة الوزارية للتنمية الصناعية في أغسطس الماضي دراسة للتشوهات الجمركية التي تضر بالصناعات المحلية، لا سيما في ظل وجود رسوم أعلى على المنتج النهائي مقارنة بالخامات.
نقلاً عن: الشرق بلومبرج