سنترال رمسيس.. شهد أول مكالمة للملك فؤاد وكان “عقل مصر التليفوني” في  ثورة يوليو


في صباح الأربعاء 25 مايو 1927، وقف الملك فؤاد الأول داخل صرح هندسي ضخم حديث التشييد بقلب القاهرة، حاملاً هاتفاً فضياً من صنع شركة إريكسون السويدية، ليجرى أول مكالمة هاتفية في تاريخ مصر من سنترال رمسيس. 
كان المبنى الأبيض المهيب بشارع رمسيس، المجاور لمحطة القطارات، حلمًا تحول إلى واقع لربط أقاليم البلاد من الإسكندرية إلى أسوان، فيما  نُقش على ذلك الجهاز التاريخي: “الجهاز الذي تفضل فؤاد الأول ملك مصر وافتتح به سنترال تليفون المدينة بالقاهرة”.
كانت تلك اللحظة بداية عصر اتصالي جديد، حيث صُمم السنترال ليكون شريان الحياة الحديثة لمصر، معتمدًا في بدايته على شبكة ضخمة من الكوابل النحاسية التي نسجت خريطة اتصال لم تعرفها البلاد من قبل.

اتصالات سرية خلال الحرب العالمية الثانية

مع صعود الملك فاروق إلى العرش عام 1936، تعمق الارتباط بين القصر والسنترال. ففي أروقة هذا المبنى، جرت اتصالات سرية خلال الحرب العالمية الثانية، حيث حاول فاروق – وفقًا لمذكرات سكرتيره الخاص حسين حسني – استخدام خطوطه المحصنة للتواصل مع قادة المحور لحماية مصر من الدمار.

عقل مصر التليفوني

لكن التحول الأكبر في مصير السنترال جاء مع فجر 23 يوليو 1952. فمع انطلاق أولى طلقات الثورة، تحول المبنى إلى ساحة معركة خفية، حيث قطع الضباط الأحرار خطوط الاتصال الخاصة بالقصور الملكية وعزلوا أجهزة النظام القديم، مستخدمين بنيته التحتية لنقل أوامرهم إلى وحدات الجيش في كل محافظة. أصبح السنترال سلاحًا اتصاليًا في يد الثورة، حيث وثقت صحف مثل “المصري” و”الأهرام” كيف سيطر الثوار على “عقل مصر التليفوني” خلال تلك الأيام المصيرية.

أداة لتوحيد البلاد وتحديثها

في عصر الجمهورية اكتسب السنترال دورًا استراتيجيًا جديدًا. حوّلته الحكومة إلى أداة لتوحيد البلاد وتحديثها، فامتدت كوابل نحاسية إلى القرى النائية لأول مرة. ومع دخول مصر عصر التكنولوجيا، تطور السنترال من مجرد مقسم هاتفي تقليدي إلى قلب النبض الرقمي للبلاد.

ربط مصر بالعالم الافتراضي

بحلول التسعينيات، استضاف نقطة تبادل الإنترنت الرئيسية في القاهرة (CAIX) التي ربطت مصر بالعالم الافتراضي، ثم تحول إلى محور للكابلات البحرية الدولية مثل “سي-مي-وي” و”فلاج”، ليجعل من مصر جسرًا اتصاليًا بين قارات العالم القديم.

تصميم فريد يضم 10 طوابق

على الرغم من أن الأرشيف التاريخي لم يحفظ اسم المهندس المصمم للمبنى، إلا أن تصميمه الوظيفي الضخم كشف عن رؤية طموحة: مبنى من عشر طوابق يضم شبكة معقدة من الكوابل النحاسية والمواسير الفولاذية، صُمم ليكون “شريان الاتصالات” الذي يربط أقاليم مصر من الإسكندرية إلى أسوان. 
وعبر العقود، تحول التصميم الداخلي للسنترال إلى لوحة تكنولوجية متطورة.

 في الطوابق السفلية، نُظمت “غرف الربط البيني” (Interconnection Rooms) العملاقة – الأكبر في مصر – والتي تضم شبكة من المواسير الفولاذية تحوي آلاف الأسلاك النحاسية ثم الألياف الضوئية لاحقًا. 
هذه المواسير التي صممت لحماية البنية التحتية، تحولت للأسف إلى قنوات نار خلال الحريق، مما سَهل انتشار اللهب بين الطوابق كما كشف تقرير وزارة الاتصالات .

 أما الطابق السابع – بؤرة الحريق – فكان يضم “غرف الخوادم” المزودة بأجهزة استشعار للدخان، لكن نظام الإطفاء التلقائي فشل في مواجهة الحريق بسبب شدة اللهب المُتسرب عبر مواسير الكابلات .  
 


نقلاً عن : تحيا مصر

أحمد ناجيمؤلف

Avatar for أحمد ناجي

أحمد ناجي محرر الأخبار العاجلة بموقع خليج فايف

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *