سوريا تطمح لموقع بين الأسواق الناشئة في 7 سنوات

تُخطط سوريا للارتقاء بسوقها المالية إلى مراتب الأسواق الناشئة خلال سبع سنوات، في إطار مسار اقتصادي جديد يتضمّن إصلاحات ضريبية، وإعادة هيكلة الإنفاق، وإطلاق أدوات تمويل حديثة، بينها صكوك سيادية للمرة الأولى في تاريخ البلاد، وفق وزير المالية السوري محمد يسر برنية.
وفي مقابلة مع “الشرق”، على هامش اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين في واشطن اليوم، قال برنية: “نريد أن نرتقي في السوق المالي لمراتب الأسواق الناشئة في 7 سنوات”.
وأوضح أن العمل جارٍ على تطوير سوق دمشق للأوراق المالية، وإعادة هيكلتها لجعلها أكثر جاذبية للمستثمرين المحليين والدوليين، بالتوازي مع إصلاحات في قطاع التأمين وحوكمة الشركات العامة، بما يخدم التنافسية والاستدامة.
عادت بورصة دمشق للعمل في يونيو الماضي بعد شهور من الإغلاق، بعدما شهدت تراجعاً في التداولات وانهيار مؤشرها الرئيسي منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011. وتتعلق آمال المسؤولين السوريين بالبورصة، باعتبار أنها قد تشكل رافعة لاقتصاد البلاد المنهك، إذا تمكنت من جذب الاستثمارات رغم التحديات الهائلة التي تواجهها.
سوريا تصدر صكوكاً عام 2026
وأضاف الوزير أن الحكومة السورية تستعد لإصدار صكوك بمبالغ “ليست كبيرة” في عام 2026، بهدف تمويل العجز من مصادر حقيقية وتطوير سوق الأوراق المالية، مؤكداً أن دمشق عازمة على تقليص الاعتماد على التمويل من المصرف المركزي، في تحول لافت عن الممارسات السابقة.
وأوضح قائلاً: “سنلجأ إلى إصدار صكوك في العام القادم لسببين: لأننا لا نريد أن نلجأ إلى تمويل من المصرف المركزي، والسبب الثاني لتطوير قطاع الأوراق المالية. نريد إصدار هذه الصكوك حتى يكون لدينا نوع من تسعير الأصول المالية في سوريا”.
وأشار إلى أن الحكومة سددت كامل الالتزامات والسلف التي قدمها مصرف سورية المركزي للقطاع العام، في خطوة تهدف إلى الحفاظ على استقلالية السياسة النقدية، وتعكس ما وصفه بـ”إرادة الدولة في تحقيق انضباط مالي واستقرار نقدي”.
وبشأن الديون الخارجية على سوريا، أوضح وزير المالية أن مديونية بلاده ليست مرتفعة، وأن سوريا حريصة على المحافظة على مصداقيتها والتزامها، مشيراً إلى أن الحكومة تعمل على بناء إطار للتفاوض مع الدائنين، يجمع بين العدالة والمرونة، مع إعطاء الأولوية لإيجاد حيز مالي يدعم الإنفاق الاجتماعي والاستثماري.
“هناك تقدم في هذا الملف، ونتوقع أن ننجز جزءاً كبيراً من التفاهمات في الأسابيع المقبلة”، بحسب تعبيره.
علاقة سورية متقدمة مع صندوق النقد
اعتبر وزير المالية أن اجتماعات هذا العام في واشنطن تُمثل نقطة تحول حقيقية في علاقات سوريا مع المؤسسات الدولية، مشيراً إلى أن المرحلة السابقة كانت تمهيدية، أما اليوم فقد بدأت مشاريع فنية ومؤسسية مع صندوق النقد والبنك الدولي.
“علاقتنا مع صندوق النقد الدولي ستأخذ الآن منحى جديداً من التعاون”، على حد قول المسؤول السوري، كاشفاً أن هناك تفاهمات لعقد أول مشاورات المادة الرابعة خلال ستة أشهر، وهي خطوة تمهد لعودة سوريا التدريجية إلى المؤسسات المالية الدولية بعد قطيعة دامت سنوات. وقال إن “هذا إنجاز كبير في إطار تطوير العلاقات”، وزاد: “خلال ستة أشهر سنقوم بإعداد أول تقرير في إطار المادة بعد سنوات طويلة، بما يوجه العلاقات نحو الانضباط والوضوح”.
وأكد الوزير أن تعيين مندوب مقيم لصندوق النقد في دمشق بات مسألة وقت، وأن هناك وفوداً ستزور سوريا قريباً لبحث ملفات مثل المالية العامة، والسياسة النقدية، والإحصاءات، وهي المجالات الأساسية في برامج التعاون التقني.
ريادة القطاع الخاص للنمو
تُعول الحكومة السورية الجديدة على ريادة القطاع الخاص للنمو، حيث قال الوزير برنية إن الفلسفة الاقتصادية للدولة تقوم على القطاع الخاص وجذب الاستثمار وجعل دول الدولة يتمثل في توفير الخدمات الأساسية وتشجيع الاستثمار والقطاع الخاص ومساعدة محدودي الدخل.
وبشأن مآل الشركات المملوكة للدولة، شدد برنية على أن الدولة لا تتبنى نهجاً أيديولوجياً في إدارتها، وإنما تتعامل مع كل شركة بناءً على ما يخدم “مصلحة سوريا”، مع الالتزام بتحسين الحوكمة والكفاءة ودعم العمال وزيادة مساهمة هذه الشركات في الإيرادات.
“قد نغير إدارات، وقد ندخل مستثمراً استراتيجياً في بعض الشركات… لكن الأيديولوجيا الوحيدة التي نحملها هي مصلحة سوريا”، بحسب تصريحه.
منظومة ضريبية جديدة: أبسط وأوضح ومنافسة
أشار الوزير إلى أن بلاده أنجزت إصلاحاً شاملاً للمنظومة الضريبية، يُعد من بين الأبسط على مستوى دول المنطقة من حيث التشريع والتطبيق، مشيراً إلى أن النظام الجديد يهدف إلى خفض الأعباء وتحفيز النمو ومكافحة الفساد.
وقال في هذا السياق: “نحن أنجزنا بعون الله إصلاح المنظومة الضريبية بشكل كامل. وما أود أن أقول هو أن المنظومة الضريبية الجديدة في سوريا بسيطة، سهلة، وواضحة، تنافسية، تخدم القطاع الخاص، وتدعم التنمية.. وهي الأقل على مستوى دول المنطقة”.
ولفت إلى أن “هدفنا في عملية التبسيط خفض الضرائب والقضاء على التهرب الضريبي والقضاء على الفساد، وأيضاً إعطاء فسحة أمام رجال الأعمال وقطاع الصناعة أن يعيد نشاطه”.
ما أهمية انضمام سوريا إلى فئة الأسواق الناشئة؟
تُعدّ الأسواق الناشئة مجموعة من الاقتصادات التي تشهد نمواً سريعاً لكنها لم تبلغ بعد مستوى الاستقرار والعمق المالي الذي تتمتع به الأسواق المتقدمة. وغالباً ما تكون هذه الدول في طور التحوّل من اقتصاد موجّه أو نامٍ إلى اقتصاد قائم على السوق الحرة، وتتميز بإصلاحات هيكلية تهدف إلى جذب الاستثمارات وتحسين كفاءة المؤسسات المالية.
الانضمام إلى هذه الفئة لا يحمل بعداً رمزياً فحسب، بل يفتح الباب أمام تدفق رؤوس الأموال الأجنبية من الصناديق والمؤسسات التي تستثمر وفق تصنيفات مؤشرات عالمية مثل “مورغان ستانلي للأسواق الناشئة (MSCI)” و”فوتسي رسل” (FTSE Russell).
وتسعى الدول عادة لتحقيق هذا التصنيف لما يترتب عليه من تحسّن في التصنيف الائتماني، وانخفاض تكلفة التمويل، وزيادة ثقة المستثمرين المحليين والدوليين.
من أبرز دول الأسواق الناشئة: الصين، الهند، السعودية، البرازيل، المكسيك، إندونيسيا، تركيا، جنوب أفريقيا، تايلندا، ماليزيا، قطر، الإمارات، الكويت، ومصر.
بالنسبة إلى سوريا، فإن تطلعها إلى الارتقاء بسوقها المالية إلى مرتبة الأسواق الناشئة خلال سبع سنوات يعني أنها تستهدف إعادة بناء الثقة في مؤسساتها الاقتصادية والمالية، وتهيئة بيئة استثمارية أكثر شفافية وتنوعاً، بما يعيدها تدريجياً إلى خريطة التمويل الدولية بعد سنوات من العزلة والعقوبات.
نقلاً عن: الشرق بلومبرج