في وقت تعيش فيه سوريا مرحلة انتقالية حساسة بعد سنوات الحرب والصراع، بدأت تتكشف خيوط تفاهمات دولية قد تُحدث تحولاً جذرياً في شكل العلاقة بين دمشق وواشنطن، تحت رعاية من الأمم المتحدة وبعض العواصم الإقليمية الكبرى.
ثلاث وثائق أميركية وسورية وأممية اطلعت عليها وسائل إعلامية، ترسم معالم مشهد جديد يُطبخ على نار هادئة في دمشق، داخل كواليس الدبلوماسية الدولية، ويفتح الباب أمام تخفيف العقوبات الأميركية، واستعادة جزئية لدور سوريا في النظام المالي الدولي، مع إشارات واضحة إلى تحولات في التموضع السياسي للسلطة السورية.
واشنطن تملي شروطها… وسوريا تتريث
الوثيقة الأميركية تضمنت ثمانية مطالب أساسية لتخفيف العقوبات والسماح بإصدار رخصة أميركية لمدة عامين، وهي شروط وُصفت بأنها صعبة ومحرجة للطرف السوري، أبرز تلك المطالب:
إصدار إعلان رسمي عام يحظر جميع الفصائل الفلسطينية والأنشطة السياسية على الأراضي السورية، بالإضافة إلى السماح لواشنطن باستهداف أي شخص تعتبره تهديدًا لأمنها داخل سوريا.، أيضا تصنيف الحرس الثوري الإيراني كتنظيم إرهابي، وهو مطلب يحمل أبعادًا استراتيجية شديدة الحساسية.
وعلي الرغم من حساسية هذه الشروط، فإن رد دمشق الخطي الذي سلّمه وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى ناتاشا فرانشيسكي، نائبة مساعد وزير الخارجية الأمريكي، في بروكسل الشهر الماضي، ألمح إلى وجود تقدم نسبي في بعض الملفات، مثل: التخلص من بقايا السلاح الكيماوي، والتنسيق في محاربة داعش والتنظيمات المتطرفة وإجراءات إعادة تشكيل وهيكلة الجيش.
الأمم المتحدة تعرض خريطة إنقاذ مالي
في وثيقة أممية، اقترح الأمين العام المساعد للأمم المتحدة عبدالله الدردري، أن يشرف البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة على إدارة الأموال السورية المجمدة في أوروبا، والمقدّرة بحوالي نصف مليار دولار، بحيث تُنفق على مشاريع تنموية داخل سوريا بعيدًا عن قبضة العقوبات الأميركية.
تحركات إقليمية وتحضيرات دولية
التحضيرات جارية حاليًا لزيارة وفد اقتصادي سوري رفيع المستوى يضم وزير المالية محمد يسير برنية، وحاكم المصرف المركزي عبدالقادر حصرية إلى واشنطن، للمشاركة في اجتماعات البنك وصندوق النقد الدوليين، كما يرتقب أن يحضر وزير الخارجية الشيباني اجتماعات مجلس الأمن في نيويورك.
وتزامنًا مع ذلك، كشفت وكالة رويترز عن اجتماع مرتقب بشأن سوريا في واشنطن، تستضيفه السعودية بالتعاون مع البنك الدولي.
ووفق الوكالة، فإن الرياض ستسدد 15 مليون دولار من ديون سوريا المتأخرة، وهو ما سيفتح الباب أمام منح دولية بمئات الملايين لإعادة الإعمار.
الطريق إلى إعادة الإعمار: مؤشرات مبكرة
بعض المصادر لوسائل إعلام “المجلة” أكدوا أن البنك الدولي يعتزم، بعد تسوية المتأخرات، تقديم 300 مليون دولار لدعم قطاع الكهرباء والبنية التحتية وهي بداية محتملة لأوسع حملة دعم اقتصادي لسوريا منذ اندلاع الأزمة.
في المقابل، تبقى الأموال المجمدة في المصارف الأوروبية ملفًا شائكًا ومعقّدًا، لكنه يمثل فرصة حقيقية لسوريا الجديدة للانخراط من جديد في النظام المالي العالمي، بحسب وثيقة صادرة عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة.
بين شروط واشنطن، وانفتاح دمشق الحذر، والمبادرات الأممية المتزايدة، تلوح في الأفق صفقة كبرى قد تعيد رسم العلاقة بين سوريا والعالم.
لكن السؤال الأهم يبقى: هل تملك الأطراف الجرأة الكافية للمضيّ في هذا المسار حتى نهايته؟
نقلاً عن : تحيا مصر
لا تعليق