مع اقتراب الدخول المدرسي، يجد قطاع التعليم في فرنسا نفسه في قلب عاصفة جديدة، فعلى الرغم من وعود الحكومات المتعاقبة بجعل المدرسة “أولوية وطنية”، تكشف الأرقام عن أزمة.
أكثر من 2،600 منصب تدريس ما زال شاغرًا بعد انتهاء مسابقات التوظيف، فيما تحضر وزارة المالية في فرنسا لتخفيضات إضافية قد تطول آلاف الوظائف استجابة لمطالب التقشف في فرنسا.
أساتذة متعاقدون بشروط مخفّفة
وقالت شبكة “سي.نيوز” الفرنسية، إنه في محاولة لسدّ النقص، لجأت الأكاديميات إلى نشر مئات الإعلانات على منصة التوظيف التابعة لوزارة التربية في فرنسا، لاستقدام أساتذة متعاقدين لا يحملون شهادات تعليمية متخصصة، وفي بعض الحالات، يكفي أن يكون المترشح “ناطقًا بالألمانية” لتدريس هذه اللغة، دون الحاجة إلى إجازة جامعية في التخصص.
ويروي بيير، الذي عمل كمدرس للغة الفرنسية عبر هذا المسار المبسط: “لقد سألوني عن القرن الذي عاش فيه موليير، وبعدها مباشرة تم قبولي كأستاذ”، موضحًا أن هذه الشهادة تختصر حجم التنازلات التي تُقدّمها الوزارة لضمان وجود معلم في كل فصل.
تقشف يهدّد بـ”نزيف” إضافي
والأزمة لا تقف عند حدود النقص الحالي، فالحكومة الفرنسية مطالبة بتوفير 44 مليار يورو من النفقات العامة، والتعليم لن يُستثنى من هذه الجهود.
وفق النقابات، تم إلغاء 470 منصبًا هذا العام، ما سيؤدي إلى إغلاق أكثر من ألفي فصل دراسي، ومع انخفاض متوقع في عدد التلاميذ يقدّر بـ130 ألف هذا العام، يُخشى أن تتخذ وزارة التربية في فرنسا من التراجع الديموغرافي ذريعة لتسريع سياسة التخفيضات.
من 2017 إلى 2022، تم خلق 16 ألف وظيفة تعليمية، لكن منذ ثلاث سنوات بدأ الاتجاه في الانعكاس: إلغاء متزايد للوظائف، خاصة في التعليم الابتدائي، بحسب صحيفة “ليزيكو” الفرنسية.
نقابات في حالة تأهب
ورفع الاتحاد الرئيسي SNES-FSU في فرنسا، سقف التحدي، محذرًا من “إضراب وطني قبل عطلة Toussaint” إذا تم المساس بعدد الوظائف، ويطالب بخلق 10 آلاف وظيفة إضافية “على الأقل” للعودة إلى مستوى التأطير لسنة 2017.
وقالت صوفي فينيتاي، الأمينة العامة للنقابة: “من غير المقبول أن تبدأ السنة الدراسية دون أستاذ أمام كل قسم. إذا لم تتحرك الحكومة، فإن التعبئة ستكون حتمية”.
هواجس مهنية وإدارية
بعض المسؤولين يرون أن انخفاض عدد التلاميذ يستوجب منطقيًا تقليص عدد الأساتذة، لكنهم يحذّرون في الوقت نفسه من تداعيات ذلك على ساعات العمل.
من جهته، قال برونو بوبكيفيتش، رئيس اتحاد مديري المؤسسات الثانوية في فرنسا: “الخطر أن تفرض الدولة على المدرسين المزيد من الساعات الإضافية لتعويض النقص، ما سيرفع من مستوى التوتر في المؤسسات”.
وأضاف بوبكيفيتش: “المخاوف لا تقتصر على التدريس فقط، بل تشمل أيضًا الطواقم الإدارية. غياب نائب مدير أو مستشار تربوي قد يكون كارثيًا على سير المؤسسة”.
“العقد التعليمي” يتآكل
إلى جانب ذلك، يتقلّص تمويل “العقد التعليمي” الذي كان يتيح للأساتذة الحصول على 1،250 يورو مقابل مهام إضافية مثل الدعم المدرسي أو التعويض العاجل، ففي بعض المؤسسات، تقلص عدد المهام الممولة من 45 سابقًا إلى 5 فقط هذا العام.
وتعتبر النقابات في فرنسا، أن هذا التراجع ينسف “الحوافز” التي وعدت بها الحكومة لجعل المهنة أكثر جاذبية.
وبين نقص حاد في المعلمين، تقشف يفرض نفسه، وتهديدات بالإضراب، تدخل فرنسا عامها الدراسي الجديد تحت ضغط غير مسبوق. والرهان كبير: كيف يمكن الحفاظ على جودة التعليم وضمان تكافؤ الفرص في وقت يتقلّص فيه عدد الفصول والمعلمين؟.
نقلاً عن : كشكول