في ليالي رمضان المضيئة، يحرص المصريون على سماع أصوات قراء القرآن التي تملأ الأرجاء قبل آذان المغرب، تلك الأصوات التي تملك قدرة عجيبة على تهدئة النفوس وإضاءة الروح، حيث يظل قراء القرآن المصريون جزءًا لا يتجزأ من طقوس الشهر الفضيل.
إن تلاواتهم المرتلة ترتبط بالوجدان المصري، وتغذي قلوب الصائمين، حيث تصبح لحظات الاستماع إلى القرآن قبل الفطور بمثابة رحلة روحانية نحو الطمأنينة والإيمان.
كان صوت الشيخ راغب مصطفى غلوش علامة فارقة في عالم التلاوة، وتاريخ طويل من الإيمان والجهاد بالنفس من أجل القرآن الكريم، وُلد في 5 يوليو 1938 في قرية برما بمحافظة الغربية، نشأ في أسرة بسيطة كان لها دور كبير في تنشئته على حب العلم والقرآن، كان حلم والده أن يصبح موظفًا، لكن قلب راغب كان ينبض بحب الكتاب العزيز، ليختار الكُتاب بعد ساعات الدراسة، ويبدأ رحلة الحفظ منذ سن مبكرة.
وفي الرابعة عشرة من عمره، أصبح صوته يتردد في القرى المجاورة، قبل أن ينتقل إلى مدينة طنطا ليتلقى دروسه في التجويد على يد الشيخ إبراهيم الطبليهي، وبتوجيه من الشيخ مصطفى إسماعيل، الذي كان له الأثر الكبير في حياته، انطلقت مسيرته التلاوة، وتوالت الدعوات من كل أنحاء مصر.
لكن الشهرة لم تأتِ بسهولة، ففي عام 1958، وفي أثناء تأديته الخدمة العسكرية، كان يستغل كل فرصة لتقديم صوته في مسجد الإمام الحسين بالقاهرة، حتى كانت الفرصة التي انتظرها طويلاً، عندما قرأ في أذان العصر في رمضان، لتُفتح أمامه أبواب الإذاعة المصرية.
بدأت رحلة غلوش مع الإذاعة التي جعلته واحدًا من أبرز قراء مصر والعالم الإسلامي، حيث سافر إلى إيران ودول الخليج لإحياء المناسبات الدينية.
ظل الشيخ راغب مصطفى غلوش يحمل القرآن في قلبه، ويجعله ينبض في أرجاء العالم. لم يكن قارئًا فقط، بل كان رسولًا للسلام والسكينة من خلال تلاوته. حتى رحيله في 4 فبراير 2016، عن عمر يناهز 77 عامًا، ظل صوته يعيش في قلوب محبيه وعبر موجات الإذاعة والتلفزيون.
شهر رمضان في مصر ليس مجرد فترة صيام، بل هو رحلة روحانية تتجسد فيها الطقوس المتجددة، ومن أبرزها استماع المصريين لتلاوات قرآن مشايخهم المفضّلين، مع دقات أذان المغرب، تملأ أجواء المنازل والشوارع أصوات القراء الكبار ليصبحوا جزءًا من الروح الرمضانية، هذه الأصوات العذبة التي تلامس القلوب قبل الفطور، أصبحت جزءًا من هوية الشهر الكريم، حيث تمزج بين الهدوء والسكينة، وتعيد للأذهان ذكرى إيمانية طيبة تمس الأعماق، فتجعل كل لحظة من رمضان أكثر تقديسًا.
نقلاً عن : اليوم السابع
لا تعليق