فيش وتشبيه .. ياسر جلال من نجاحات الدراما والسينما إلى تحديات البرلمان

لم يكن ظهور الفنان ياسر جلال في قسم الشرطة لاستخراج صحيفة الحالة الجنائية مجرد إجراء روتيني، بل بدا كإشارة رمزية إلى فصل جديد في مسيرته التي امتدت لأكثر من ثلاثة عقود. الرجل الذي اعتاد التحرك بعيدًا عن الأضواء خارج الشاشة.
وجد ياسر نفسه فجأة في قلب التكهنات بشأن احتمال تعيينه في مجلس الشيوخ، الأمر الذي دفع الجمهور والإعلام إلى استعادة مساره الفني الطويل. مسار بدأ من الأدوار الثانوية في التسعينيات، مرورًا بمحطات شكلت وعي المشاهد المصري مثل “لن أعيش في جلباب أبي”، وانتهى ببطولات مطلقة وأدوار وطنية حساسة رسّخت صورته كأحد أهم أبناء جيله.
جذور فنية وبدايات متواضعة
وُلد ياسر جلال في الإسكندرية عام 1969 لأسرة فنية؛ والده المخرج المسرحي جلال توفيق، ما جعله يترعرع في بيئة تعرف معنى الانضباط والالتزام.
تخرّج في المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1990، لينطلق مباشرة نحو التلفزيون والسينما. لم تُمنح له البطولة سريعًا، بل انتقل بين أدوار قصيرة وصغيرة منحته فرصة الوقوف أمام أسماء راسخة، فاكتسب من التجربة أدوات ستظل تميّزه لاحقًا، بدقة الحركة، وقوة الحضور، وصوت قادر على حمل الانفعال.
“لن أعيش في جلباب أبي”.. شهادة الميلاد الحقيقية
رغم أن مساحته لم تكن واسعة في مسلسل “لن أعيش في جلباب أبي” عام 1996، فإن شخصية “نبيل” شقيق عبد الغفور البرعي ظلت راسخة في الذاكرة. كان على جلال أن يثبت نفسه وسط كوكبة تضم نور الشريف وعبلة كامل ومحمد رياض، وقدّم بالفعل أداءً مقنعًا جعله حاضرًا في الذاكرة الجمعية للجمهور. النقاد وقتها رأوا فيه ممثلًا يملك ملامح قيادية لكنه يتأنى في الظهور، وهي السمة التي ستلازمه لسنوات.
تراكم التجربة بين التاريخي والاجتماعي
خلال عقد التسعينيات، تنقل بين أعمال متنوعة مثل “العقاب”، “سيف الدولة الحمداني”، و”أوراق مصرية”. أدواره كانت في الغالب ثانوية، لكنها كشفت عن قدرته على التلوّن بين الشخصيات التاريخية والاجتماعية، وهذه المرحلة لم تمنحه الشهرة الواسعة، لكنها شكّلت مخزونًا من الخبرة جعله جاهزًا للقفز إلى مستويات أكبر عندما تأتي اللحظة المناسبة.
حضور بارز في السينما
إلى جانب الدراما التلفزيونية، خاض ياسر جلال تجارب سينمائية متفرقة لكنها لافتة، حيث شارك في أفلام تجارية وجماهيرية تركت أثرًا لدى الجمهور. من أبرز مشاركاته “النظر إلى الخلف” و”شادر السمك” في بداياته، ثم “أمير البحار” مع محمد هنيدي و”الجزيرة” بجزئه الأول مع أحمد السقا، إضافة إلى “شد أجزاء” الذي قدّم فيه دور ضابط شرطة.
ورغم أن السينما لم تمنحه البطولة المطلقة، فإن وجوده في هذه الأفلام عزز صورته كوجه مألوف يجيد التوازن بين الأدوار الداعمة والشخصيات المركبة، وفتح أمامه باب الانتشار على شريحة أوسع من الجمهور.
بطولات متأخرة لكن حاسمة
عام 2017 شكّل نقطة الانعطاف حين تصدّر بطولة مسلسل “ظل الرئيس”، وقدم في العمل شخصية ضابط حراسات سابق يدخل دوامة صراع سياسي، ونجح في إقناع المشاهدين بقدراته كممثل أول. نجاح التجربة فتح الباب أمام سلسلة من البطولات: “رحيم” عام 2018 حيث جسّد شخصية رجل أعمال ملوث بملفات فساد، و”لمس أكتاف” عام 2019 الذي قدّم فيه دور مصارع سابق يعيش صراعًا مع عالم الجريمة، وفي كل مرة، يعتمد جلال على الحضور الجسدي والقدرة على ضبط الإيقاع الدرامي، ليبني لنفسه صورة الممثل الجاد البعيد عن الاستعراض الفارغ.
الاختيار 3.. الامتحان الأصعب
تجربته في مسلسل “الاختيار 3” عام 2022 كانت نقطة فارقة. إسناد شخصية الرئيس عبدالفتاح السيسي إليه مثّل تحديًا استثنائيًا، خاصة أن الأمر يتعلق برمز سياسي معاصر لا يزال حاضرًا في الذاكرة.
تعامل ياسر جلال مع الدور بحذر شديد، اعتمد على دراسة ملامح الوجه وحركات الجسد ونبرة الصوت، وقدم أداءً اتسم بالاتزان، فيما وصف النقاد اختياره بأنه “رهان صعب نجح في كسبه”، واعتبر الجمهور أن أداءه عزز مصداقية العمل ورفعه إلى مستوى أعمق من مجرد دراما سياسية.
خصوصية المسار الفني
لم ينخرط ياسر جلال يومًا في صخب الوسط الفني، اختار الابتعاد عن الحفلات والظهور الإعلامي المكثف، ليبني مساره ببطء وثبات. ليرى النقاد فيه نموذجًا للممثل الذي يعتمد على “التراكم الهادئ”، وهو ما يفسر تأخر بطولته المطلقة لكنه يبرر أيضًا قوتها ونجاحها. هذا الانضباط جعله يحظى باحترام واسع في الوسط، سواء بين زملائه أو بين الجمهور الذي اعتاد أن يراه حاضرًا في أعمال قوية ذات طابع اجتماعي أو وطني.
الفن والاحتمال السياسي
الخطوة الأخيرة باستخراج “الفيش والتشبيه” فتحت باب التكهنات حول دخوله مجلس الشيوخ، إذ يجيز الدستور لرئيس الجمهورية تعيين ثلث الأعضاء من الشخصيات العامة، بينما وجود جلال في هذا السياق يطرح سؤالًا حول انتقاله من الشاشة إلى المجال العام، وهل سيتعامل مع السياسة بالجدية ذاتها التي تعامل بها مع الفن، وإذا حدث ذلك، فسيكون انتقاله امتدادًا لمسيرته المبنية على الانضباط والدقة، مع إضافة بعد جديد إلى صورته لدى الجمهور.
نقلاً عن: تحيا مصر