البابا تواضروس . تناول ، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية ، في افتتاحية العدد الأخير من مجلة الكرازة موضوعًا هامًا تحت عنوان “التقويم القبطي”، موضحًا أن حساب الزمن مسألة ثقافية وفلكية ، نشأت مع تطور العلوم القديمة، خصوصًا عند المصريين القدماء الذين أبدعوا في فهم دورة النجوم والفيضان والزراعة والحصاد .
وأشار قداسته إلى أن التقويمات تعددت في الحضارات المختلفة ، وكل منها اتخذ طريقة خاصة في حساب الزمن، دون أن يكون لذلك تأثير على العقيدة أو الإيمان، مؤكدًا أن هذه الاختلافات لا تمس الأسس اللاهوتية وإنما هي اجتهادات فلكية بحتة .
واستشهد بما قاله المؤرخ الإغريقي “هيرودوت” بأن المصريين هم أول من حسب السنة بـ12 شهرًا وأضافوا خمسة أيام لتكمل السنة، وهو ما يدل على تفوقهم على حضارات أخرى مثل الإغريق في دقة حساب الزمن. كما بيّن أن السنة القبطية تعتمد على نجم الشعرى اليمانية، الذي ارتبط ظهوره بموعد الفيضان، وبهذا تمكن المصريون من تحديد بداية السنة الزراعية بدقة.

البابا تواضروس يكشف تطور التقويم وتحديد السنة الكبيسة
أوضح قداسته أن التقويم القبطي قسّم السنة إلى ثلاثة فصول رئيسية: الفيضان، الزراعة، والحصاد، وكل فصل يحتوي على أربعة أشهر. وبيّن كيف أن المصريين القدماء أضافوا ربع يوم سنويًا ليصبح طول السنة 365 يومًا وربع، ما استدعى إضافة يوم كل أربع سنوات، وهو ما يُعرف بالسنة الكبيسة، وذلك لضبط المواقيت الفلكية وضمان ثبات الأعياد والمناسبات.
و أشار إلى أن هذا التعديل جاء نتيجة اجتماع علماء الفلك في كانوبس (أبو قير حاليًا)، حيث صدر مرسوم من بطليموس الثالث بإجراء التعديل واعتماده رسميًا. وما زالت الشهور القبطية مثل توت، هاتور، كيهك وغيرها، مستخدمة حتى اليوم، سواء في المجال الكنسي أو في الحياة الشعبية، خاصةً في الريف والزراعة.
كما لفت إلى أن بداية التقويم القبطي الكنسي تعود إلى عام 284 ميلادية، بداية حكم الإمبراطور دقلديانوس، الذي شهد اضطهادًا دمويًا للمسيحيين، فسُمّي هذا التقويم بـ”تقويم الشهداء”.

البابا تواضروس يكشف الفرق بين التقويم اليولياني والغريغوري
استعرض قداسته الفارق بين التقويم اليولياني الذي استحدثه يوليوس قيصر بتوصية من الفلكي المصري سوسيجينس، والذي اعتمد السنة على النمط المصري القديم، والتقويم الغريغوري الذي جاء بعده في عام 1582م بتعديل من بابا روما غريغوريوس الثالث عشر.
الفرق الجوهري بين التقويمين يكمن في دقة حساب الدورة الشمسية. فالسنة اليوليانية تحسبها بـ365 يومًا و6 ساعات، بينما المدة الفعلية أقل بـ11 دقيقة و14 ثانية، مما تسبب في تراكم فرق زمني أدى إلى تقديم موعد الاعتدال الربيعي. ومن هنا جاء التعديل الغريغوري، الذي حذف عشرة أيام من التقويم لتصحيح هذا الفرق.
ورغم أن التقويم الغريغوري أصبح الأكثر استخدامًا عالميًا، إلا أن الكنائس الشرقية، ومنها الكنيسة القبطية، ما زالت تعتمد على التقويم القبطي – اليولياني، ما أدى إلى أن يكون يوم 29 كيهك يوافق الآن 7 يناير، أي عيد الميلاد المجيد لدى الأقباط الأرثوذكس.
برؤية تاريخية وفكرية واضحة، قدم قداسته في مقاله رحلة علمية وثقافية للتقويم القبطي، موضحًا مدى ارتباطه بالتراث المصري القديم، ودقته الفلكية، واستمراريته حتى اليوم، رغم تطورات التقويمات العالمية الأخرى.
نقلاً عن : صوت المسيحي الحر
لا تعليق