في هذا التوقيت الحرج الملتهب بالأحداث من عمر أمتنا العربية والعالم، استضافت مصر خلال شهر إبريل الجاري أعمال مؤتمر العمل العربي في دورته الحادية والخمسين، جاءت هذه الدورة لتطرح على طاولة النقاش تساؤلات جوهرية حول مستقبل التشغيل وعلاقات العمل والحماية الاجتماعية في الوطن العربي، ومكانة العمل اللائق في معادلة الاستقرار والتنمية.
و منظمة العمل العربية – المنظمة للمؤتمر – هي إحدى منظمات الجامعة العربية المتخصصة، أسست في منتصف الستينات من القرن الماضي، وصممت كمحاكاة عربية لنموذج منظمة العمل الدولية بنفس تركيبها وتمثيلها الثلاثي، وتحمل نفس الهموم والقضايا ولكن على نطاق العالم العربي ولخدمة أبناءه.
ولعل البعض يتصور أن مؤتمراً كهذا هو مناسبة بروتوكولية سنوية في ظل تراجع العمل العربي المشترك وضعف تأثيره في الواقع العربي، إلا أن المتابع لمؤتمر هذا العام سيلحظ ملامح خطاب جاد يتلمس الطريق إلى إصلاحات أكثر عمقًا في البنية الاقتصادية العربية، ويعيد التفكير في مصادر النمو، وهيكلة نظم التعليم، ودور الدولة في رعاية التوازن الاجتماعي، ويقدم رؤية اقتصادية واضحة تصلح لتكون استراتيجية عربية متكاملة للتنمية. هذه الاستراتيجية تشير إلى أن التحول الاقتصادي لا ينجح بدون إصلاحات في سوق العمل، وإعادة الاعتبار للتدريب المهني، وتشجيع الابتكار، وفتح المجال أمام الشباب والنساء للمشاركة الكاملة في الحياة الاقتصادية.
جاء التقرير الرئيسي المرفوع للمؤتمر من مدير عام المنظمة تحت عنوان “التنويع الاقتصادي كمسار للتنمية: الاقتصادات الواعدة في الدول العربية” حيث قدم التقرير لمفهوم التنويع الاقتصادي كأساس استراتيجي للإصلاح الاقتصادي الهيكلي، ولبناء اقتصاد قادر على إنتاج فرص العمل اللائق، وأعاد طرح فكرة العناقيد الاقتصادية لتكون آلية لبناء شبكات متكاملة من المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتحقيق رؤية تكاملية تعاونية من أجل تعظيم العوائد وتقليل النفقات لهذه المشروعات التي تعتمد عليها الاقتصادات الناشئة.
وتُعد مصر من بين أكثر الدول العربية حاجة إلى الاستفادة بهذا الطرح المهم الذي قدمه المؤتمر في تقاريره وأوراق عمله، وما عُرض خلاله من تجارب عربية وعالمية مهمة في مجال التنويع الاقتصادي، وتطوير منظومة التعليم الفني، وتعزيز الشراكات بين الدولة والقطاع الخاص، وتحقيق التوازن بين الاستثمار والحماية الاجتماعية. وهي الأحوج لتبني هذا النموذج التنموي العربي المقترح، المستند إلى اقتصاد المعرفة، والمعتمد على تنمية رأس المال البشري، والاستثمار في الابتكار ومجالات الاقتصاد الرقمي، والاقتصاد الأخضر، والاقتصاد الأزرق، والاقتصاد الدائري، وكلها مجالات واعدة تناولتها مناقشات المؤتمر.
بالإضافة لذلك فإن مصر تحتاج لهذا المؤتمر، للاستفادة من حالة التضامن والتأكيد على ثوابت العمل العربي المشترك ووحدة قضايا الأمن القومي العربي، التي لا يفوت المؤتمر التأكيد عليها كل عام، وذلك لنيل المزيد من الدعم السياسي والشعبي العربي في حربها ضد تصفية القضية الفلسطينية ودعاوى التهجير، وفي التضامن مع شعوب الجوار العربي في حقها في الأمن والاستقرار.
بقلم:
طارق أحمد مصطفى
رئيس لجنة العمل بحزب الوعي
نقلاً عن : تحيا مصر
لا تعليق