كتاب “فلسفة الجوارب”.. بين الفكاهة والعمق النفسي

كتاب “فلسفة الجوارب”.. بين الفكاهة والعمق النفسي

اتخذ الفيلسوف الألماني الشهير جورج فريدريش هيغل، صاحب المذهب الجدلي في تفسير حركة التاريخ، من الجوارب مثالًا غريبًا في أحد مقالاته ليوضح واحدة من أفكاره اللامعة، مؤكدًا أن “الجورب المرقّع” أفضل من “الجورب الممزّق”، لكن هذا لا ينطبق على الوعي بالذات، فلكي نفهم ذاتنا ونعي شخصيتنا ينبغي أن “نمزّق” أفكارنا السابقة الموروثة ونبدأ من جديد.

ويستلهم عالم الاجتماع الفرنسي جون كلود هوفمان هذا المثال غير المألوف في كتابه الشيق “فلسفة الجوارب – أفكار تافهة ونتائج عظيمة” ليتّخذ من شيء بسيط لا نقيم له وزنًا مثل الجورب، لاسيما الرجالي، طريقةً لفهم طريقتنا في الحياة وأسرار حياتنا الزوجية، بل نظرتنا إلى أنفسنا والعالم.

كتاب فلسفة الجوارب

الكتاب قامت بترجمته أماني مصطفى وصدر عن دار “العربي” في القاهرة، وهو يجمع بين العمق والأسلوب الطريف والحسّ الساخر في التقاط مفردات الحياة اليومية والوصول من خلالها إلى رؤى نفسية وفلسفية شديدة الدلالة.

عندما نعثر على جوربٍ مثقوبٍ في المنزل، ستكشف ردود أفعال زوجتك، وأيضًا ردود أفعالك أنت شخصيًّا، الكثير من الأمور التي لم تخطر ببالك؛ فالزوجة التي تفضّل رتق الجورب وتبذل جهدًا في ذلك، لا تزال تحتفظ في الغالب بمشاعر وذكريات دافئة تجاه علاقتها بك، وتنظر إلى الجورب على أنه “إرث عاطفي”.

في المقابل، فإن القرار المتسرّع بالتخلّص منه وإلقائه في سلّة المهملات قد يشير إلى رغبةٍ غير مباشرة ولا شعورية في التخلّص من حقبةٍ سلبية على المستويات الاجتماعية والعاطفية، كما قد يدلّ على أنك شخص ذو ميول استهلاكية قوية لا تفكّر في البيئة أو في كوكبك الذي يتضرّر من السلوكيات الفردية السلبية للملايين.

ورغم أن الجورب يحظى بعدم تقدير الجميع، ويُعدّ مرادفًا للتفاهة حين يكثر استهلاكه ويصبح منظره باعثًا على الأسى في المنزل، بل ويثير الغضب حين نفقد “فردته” الأخرى، إلا أنه تحوّل في بعض المواقف إلى معيارٍ للنجاح والتحقّق من خلال قصةٍ مُلهمة لأحد الشباب.

حظي الشاب بحياةٍ بائسةٍ وفقيرة، وحين امتلك لأول مرة في حياته صافي ربحٍ محترم من أولى صفقاته كرجل أعمال، كان أسرعَ وأولَ قراراته شراءَ كميةٍ كبيرة من الجوارب الأنيقة باهظة الثمن، والتي كان يكفي ثمنُ واحدٍ منها لسدّ رمقه وجوعه لمدة أسبوعٍ كامل حين كان فقيرًا معدمًا؛ هنا تحوّل الجورب إلى رمزٍ للانتقال من حدّ الكفاف إلى أسلوب الرفاهية.

ومثلما أصبحت الجوارب مقياسًا للمكانة الاجتماعية لدى البعض في عصرنا، فإن الفنون الحديثة، لاسيّما السينما والفن التشكيلي، نجحت في توظيفها لأغراضٍ مختلفة، أبرزها ما يُسمّى “اكتشاف جماليات الأشياء العادية المألوفة”، كما استهوت الجوارب فنّاني “السريالية”، فجعلوا منها مرادفًا للجنون والعبث وافتقاد المعنى.

نقلاً عن: إرم نيوز

وسوم:

أحمد ناجي محرر الأخبار العاجلة بموقع خليج فايف