كيف تؤثر ضريبة الكربون الأوروبية على صادرات المغرب؟

مع اقتراب دخول آلية تعديل الكربون على حدود الاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ في يناير 2026، يكثف المغرب استعداداته لمواكبة هذا التحول التنظيمي الذي يُرتقب أن يُحدث تأثيراً مباشراً على تنافسية صادراته نحو السوق الأوروبية وهي الوجهة الرئيسية لمنتجاته.
تأتي هذه الآلية في إطار جهود الاتحاد الأوروبي للحد من الانبعاثات الكربونية، حيث ستُفرض رسوم على المنتجات المستوردة وفقاً لبصمتها الكربونية، ما يضع الدول المصدّرة، ومنها المغرب، أمام تحديات جديدة تتطلب إعادة هيكلة أنماط الإنتاج الصناعي وتكييفها مع المعايير البيئية الصارمة.
من المرتقب أن تشمل أول ضريبة استيراد تلوث في العالم في المرحلة الأولى منتجات الحديد والألمنيوم والإسمنت والأسمدة الآزوتية والهيدروجين والكهرباء. والمغرب معني بشكل أساسي من خلال منتجات الأسمدة التي تصدرها مجموعة “المكتب الشريف للفوسفاط” (OCP) المملوكة للدولة والتي تدير 70% من الاحتياطي العالمي من الفوسفات.
%3.7 من صادرات المغرب معنية بالضريبة
المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في المغرب، وهو مؤسسة حكومية استشارية، أصدر تقريراً حول تداعيات هذه الضريبة حيث قدر أن التأثير سيكون في حدود 3.7% من إجمالي الصادرات منها 2.9% تخص الأسمدة. ويعتبر الاتحاد الأوروبي الشريك الاقتصادي الأول للمملكة حيث توجه 62% من صادراتها نحو دول التكتل.
بلغت صادرات البلاد العام الماضي نحو 454 مليار درهم (نحو 50 مليار دولار)، ضمنها الأسمدة بنحو 86 مليار درهم، وصناعة السيارات بقيمة 157 مليار درهم، وصناعة الطيران بقيمة تناهز 26 مليار درهم.
عبد القادر اعمارة، رئيس المجلس قال في مقابلة مع “الشرق” إن “التأثير على المدى القصير يظل محدوداً لكن توسيع نطاق تطبيق الآلية على المدى المتوسط ليشمل منتجات إضافية، والانبعاثات غير المباشرة والمنتجات المُصنعة سيترتب عنه اتساع قاعدة الصادرات المغربية المعنية”، وأضاف أن “هذا الأمر سيكون له انعكاسات على القدرة التنافسية لقطاعات رئيسية في الاقتصاد، من قبيل صناعة السيارات، والفلاحة، والسياحة، وصناعة الطيران”.
تندرج آلية تعديل الكربون ضمن إطار “الميثاق الأخضر الأوروبي” الذي يستهدف خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بما لا يقل عن 55% بحلول 2030 مقارنة بمستويات 1990 وبلوغ الحياد الكربوني عام 2050، ويتوقع أن تدر الآلية عوائد تقدر بنحو 1.4 مليار دولار سنوياً للاتحاد الأوروبي.
رغم التحديات، يرى المجلس الاقتصادي أن “الآلية فرصة لتسريع إزالة الكربون في الاقتصاد المغربي، وقد بادرت الشركات الكبرى العاملة في القطاعات المعنية على رأسها الفوسفات إلى الاستعداد مبكراً لذلك”، في المقابل، أشار إلى أن “غياب الجاهزية في عدة قطاعات، وخصوصاً الشركات المتوسطة والصغيرة، قد يجعل من الآلية عقبة أمام الولوج إلى السوق الأوروبية وتحد من تنافسية المنتجات المغربية، بالنظر لكلفة تحديث إدوات الإنتاج لدمج حلول منخفضة الكربون لا تزال مرتفعة”.
ويعني إدراج صناعة الصلب ضمن الأنشطة المشمول بالضريبية الكربونية أن سلاسل الإنتاج التي تعتمد عليه ضمن مدخلاتها ستتأثر مستقبلاً، وهو ما سينعكس بشكل غير مباشر على قطاعي السيارات والطيران في المغرب، وهما من القطاعات التصديرية الرئيسية في المملكة.
لدى المغرب استراتيجية وطنية منخفضة الكربون في أفق سنة 2050 بهدف إزالة الكربون بشكل تدريجي، لكن المجلس الاقتصادي أشار إلى أن تنفيذها يسجل تأخراً، وهو ما يضعف من قدرة الصادرات المغربية على تعزيز تموقعها في السوق الأوروبية.
مقترحات لمواجهة الضريبة الكربونية
لضمان استعداد الشركات المتوسطة والصغيرة لهذه الآلية الأوروبية، أوصى التقرير بإحداث آلية وطنية لتنسيق الجهود الحكومية وسرعة التفاعل مع التطورات المستقبلية، كما دعا إلى إحداث صندوق خاص لدعم ومواكبة الشركات الصغيرة والمتوسطة، لاسيما تلك المصدّرة إلى الاتحاد الأوروبي.
قال رئيس المجلس الاقتصادي إن “الصندوق سيُمكن من التخفيف من كلفة إنجاز الشركات المغربية المصدرة لحصيلة الانبعاثات الكربونية وفقاً لمتطلبات آلية تعديل الكربون على حدود الاتحاد الأوروبي، ودعم استثماراتها الموجهة إلى إزالة الكربون من أنماطها الصناعية”.
المجلس أوصى أيضاً بتسريع استخدام الطاقات المتجددة على الصعيد الوطني، وضمان ولوج جميع الشركات إلى الكهرباء الخضراء، وتسريع الانتقال إلى الغاز الطبيعي لفائدة الصناعات المعنية بالآلية بهدف تقليص اعتمادها على الطاقات الأحفورية الأخرى عالية الانبعاثات.
وترى المؤسسة الاستشارية أن على المغرب أن يباشر المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي للحصول على الاعتماد للنظام الوطني للتحقق من انبعاثات الغازات الدفيئة المرتبطة بآلية تعديل الكربون، بما يتيح للمُصدّرين الاستفادة من هيئة وطنية معترف بها من طرف الاتحاد الأوروبي، ويُسهم في خفض تكاليف التحقق من الانبعاثات.
وبما أن دول أفريقيا هي الأقل من حيث الانبعاثات على مستوى العالم، دعا المجلس إلى التعاون المغربي-الإفريقي من أجل تطوير قدرة تفاوضية إقليمية مشتركة بخصوص آلية تعديل الكربون على الحدود، بما يتيح الدفاع عن مصالح القارة والتفاوض بشأن الاستفادة من معاملة تفضيلية انسجاما مع المادة الثانية من اتفاق باريس للمناخ ومبادئ العدالة البيئية.
في السنوات الأخيرة، بدأ المغرب يدرس إحداث ضريبة محلية للكربون لتحفيز مختلف القطاعات، وعلى رأسها الإسمنت والحديد، على اعتماد أنماط إنتاج منخفضة الانبعاثات. ويرجح أن يتم هذه الضريبة العام المقبل بشكل تدريجي تزامناً مع الضريبة الأوروبية، ويمكن أن تصل عوائدها للمغرب ما بين 2.7 مليار إلى 3 مليارات درهم (330 مليون دولار) سنوياً، بحسب تقديرات لإدارة الجمارك.
نقلاً عن: الشرق بلومبرج