
تواصل أسعار العقارات في مصر التحليق عند مستوياتها القياسية، بل وتسجل زيادات طفيفة في بعض المناطق، حتى بعد تراجع أسعار الفائدة وتحسن سعر صرف الجنيه، وانخفاض أسعار مواد البناء، مما يثير تساؤلات حول أسباب تمسّك المطورين بالأسعار المرتفعة.
طارق شكري، رئيس غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المصرية، أرجع لـ”الشرق” استمرار الأسعار المرتفعة إلى التكاليف الكلية التي تتجاوز مدخلات البناء لتشمل الأعباء التمويلية والرسوم الحكومية المتعددة. وقال: “المطورون فضلوا تقديم تسهيلات أطول في السداد بدلاً من خفض الأسعار المباشرة”.
في مصر تباع غالبية الوحدات العقارية بنظام “البيع على الخريطة”، حيث يدفع المشتري مقدماً يتراوح بين 3% و10% من قيمة الوحدة، ويسدد الباقي على أقساط قد تمتد حتى 14 عاماً، بينما يتسلم الوحدة في غضون 5 سنوات.
التوازن ضرورة والرسوم عامل مكلف
في الوقت ذاته، يرى شكري أن الحفاظ على الأسعار عند مستوياتها الحالية أمر ضروري لضمان ما أسماه بـ”توازن السوق”، بحيث لا يتضرر المشترون القدامى الذين اقتنوا وحداتهم بأسعار أعلى، في الوقت الذي تسعى فيه الشركات لجذب عملاء جدد يملكون مدخرات ويسعون لحفظ قيمتها واستثمارها، حسب قوله.
وتابع بالقول “هناك ما يقارب 3270 رسماً متنوعاً يتم تطبيقها على المشروعات، إلى جانب ارتفاع أسعار الأراضي بشكل مبالغ فيه، ما يزيد من أسعار البيع النهائية”، لافتاً إلى أن هذه التكاليف مجتمعة تجعل “من المستحيل تقريباً تمرير تراجع أسعار مواد البناء إلى العملاء في صورة انخفاض في أسعار الوحدات”، حسب قوله.
طالع أيضًا: قفزة الأسعار والتوسع الخارجي يعززان أرباح أباطرة العقار في مصر
ارتفاع سعر الصرف وانخفاض مواد البناء
في فترة شح النقد الأجنبي قبل مارس 2024، اعتمدت الشركات العقارية فى مصر على تسعير وحداتها وفق سعر صرف الجنيه مقابل الدولار في السوق الموازية الذي بلغ آنذاك نحو 70 جنيهاً، ما رفع التكلفة بشكل كبير. ورغم ارتفاع سعر العملة إلى مستوى يقترب من 48 جنيهاً حالياً للدولار بعد تحرير سعر الصرف العام الماضي وما صاحبه من إجراءات إنقاذ اقتصادية، لم ينعكس ذلك على أسعار العقارات، التي تظل شبه مستقرة عند مستوياتها المرتفعة.
في المقابل، تراجعت أسعار مواد البناء الأساسية هذا العام، حيث انخفض سعر طن الحديد بنسبة 33.3% من ذروة ارتفاعه ليسجل نحو 40 ألف جنيه للمستهلك النهائي مقابل 60 ألفاً العام الماضي. أما الأسمنت فقد هبط سعر الطن بنسبة 20% في النصف الثاني من 2025 ليبلغ نحو 4 آلاف جنيه مقابل 5 آلاف في النصف الأول من العام.
الإقبال قد يزيد أسعار العقارات في مصر
رغم هذه التراجعات قد تشهد الأسعار ارتفاعاً إضافياً حال وجود إقبال قوي على المشروعات، بحسب محمود جاد، الرئيس المشارك بقطاع البحوث في شركة “العربي الأفريقي الدولي” لتداول الأوراق المالية والسندات.
جاد أوضح لـ”الشرق” أن اعتماد بعض المطورين على تصميمات معمارية أكثر تطوراً أو خامات وتشطيبات ذات جودة أعلى يرفع الأسعار حتى حال ثبات أو تراجع بعض مكونات السوق، وأضاف “أسعار العقارات ليست مجرد انعكاس مباشر لمعادلة التكلفة، بل هي نتاج تفاعل معقد بين الاقتصاديات المرتبطة بالبناء والتمويل، والسوق التي تحركها رغبات المشترين واستراتيجيات المطورين”.
اقرأ أيضًا: صعود متوقع بأسعار عقارات الساحل الشمالي في مصر بمتوسط 11.5%
آجال السداد الطويلة ترفع التكلفة
الملياردير ورجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، رئيس مجلس إدارة “أورا للتطوير العقاري”، اعتبر أن استمرار ارتفاع الأسعار يرجع بالأساس إلى قيام الشركات العقارية بدور البنوك، من خلال البيع على آجال سداد طويلة، مشيراً إلى أن 30% فقط من التسعير يعتمد على تكلفة البناء، بينما تمثل الفوائد المحتسبة على العملاء 70% من السعر.
خفض البنك المركزي المصري أسعار الفائدة إجمالاً بنحو 5.25% منذ بداية العام في ظل انحسار ضغوط التضخم.
بحسب ساويرس، فإن ربحية الشركات العقارية في بلاده لا تتجاوز في بعض الأحيان ما بين 1 إلى 2%، بينما تتكبد بعض الشركات خسائر.
تكلفة الأراضي عامل محوري
فتح الله فوزي رئيس لجنة التشييد بجمعية رجال الأعمال المصريين يُقدر في حديثه مع “الشرق” أن تكلفة الأرض تستحوذ على نحو نصف الإيرادات الكلية للمشروع العقاري، وقال إن “تكلفة المتر المربع للمبنى تتوزع بواقع 50% فوائد بنكية و25% لثمن الأرض و10% لمصاريف التسويق والبيع، فيما تشمل النسبة المتبقية المصاريف الإدارية والضرائب وصافي أرباح الشركات”.
تصريحات فوزي يتفق معها هاني جنينة رئيس قطاع البحوث بشركة “الأهلي فاروس لتداول الأوراق المالية”، بالقول “مساهمة الأرض في معادلة التكلفة ارتفعت إلى 60% مقارنة بنحو 30% سابقاً”.
وأضاف جنينة لـ”الشرق” أن استراتيجية بعض المطورين باتت تركز بشكل متزايد على المستثمرين الأجانب الذين ينظرون إلى العقار المصري كملاذ آمن، الأمر الذي يعزز من توجه الشركات لزيادة الأسعار بما يتناسب مع دخل هذه الشريحة.
نقلاً عن: الشرق بلومبرج