فوجئ العالم الأسبوع الماضي بنتائج دراسة لباحث الآثار الكندي جون وونج من جامعة تورنتو، نُشرت في مجلة “أنتيكويتي”، تُقلب الرواية التقليدية عن تشويه آثار الملكة حتشبسوت رأسًا على عقب.
بعد قرون من اتهام تحتمس الثالث بمحو إرث سلفته بدافع الانتقام لكونها امرأة حكمت مصر، جاءت أدلة وونج المادية لتفند هذه الفرضية.
أعاد الباحث فحص ٢٥ تمثالاً مدمراً اكتُشفوا بين عامي ١٩٢٢ و١٩٢٨ في الدير البحري ووادي الملوك، وخلص إلى أن أنماط التلف لا تشير إلى حملة انتقامية منظمة، بل تتناقض معها تمامًا لأن بعض التماثيل كانت سليمة الوجوه لكن مبتورة الأطراف ولم يصل التشويه إلى الأنف كرمز للإهانة، بينما أُزيلت أسماء حتشبسوت من النقوش بدقة تشبه الطقوس الدينية، لا أعمال التخريب العشوائي.
ملكة حيرت المؤرخين
قبل ٣٥٠٠ عام، وتحديداً عام ١٤٧٩ ق.م، وجدت حتشبسوت نفسها في مأزق سياسي بعد وفاة زوجها الضعيف تحتمس الثاني، فرغم كونها الابنة الشرعية لتحتمس الأول، كان العرش من حق ابن زوجها الطفل تحتمس الثالث من إحدى الجواري.
ذكاء حتشبسوت الاستثنائي دفعها لتحويل الوصاية إلى حكم كامل، حيث أعلنت نفسها “ابنة الإله آمون” عبر نقوش معبد الدير البحري، وارتدت الزي الذكوري واللحية المستعارة، وحازت ولاء النخبة الدينية والعسكرية، فلم تكن مجرد وصية، بل فرعوناً يُحسب له ألف حساب.
إنجازات تاريخية للملكة حتشبسوت
أرسلت حتشبسوت أسطولاً تجارياً إلى الصومال (بلاد بونت) بعد انقطاع ٥٠٠ عام، عاد محملاً بالذهب والعاج و٢١ شجرة مرّ حية، وهو ما سجّله نقش مفصّل في الدير البحري يظهر أكواخ البونتيين وأزياءهم.
كما شيدت الملكة معبد الدير البحري المُحفور في الصخر – التحفة الهندسية التي وصفها زاهي حواس بأنها “تستحق أن تكون من عجائب الدنيا” – وأقامت مسلتين جرانيتيتين بارتفاع ٣٠ متراً في معبد الكرنك، إحداهما تُزين اليوم ميدان الكونكورد في باريس، وأعادت افتتاح مناجم النحاس في سيناء، وهيأَت قناة النيل-البحر الأحمر، وحوّلت مصر إلى محطة رئيسية في شبكة التجارة بين أفريقيا وآسيا.
الأسباب الحقيقية لمحو اسم الملكة
عندما تولى تحتمس الثالث الحكم بعد موتها عام ١٤٥٨ ق.م، بدأت عملية ممنهجة لمحو اسمها، لكن وونج يرى أن الدافع لم يكن “كراهية المرأة” أو نظرة “زوجة الأب الشريرة” كما روج المؤرخون، بل ضرورات سياسية باعتبار أن محو اسم السابق كان طقساً مصرياً تقليدياً لإفساح المجال لشرعية الحاكم الجديد، خاصة أن تحتمس الثالث حكم ٣٤ عاماً وحقق انتصارات عسكرية ، فلم يكن بحاجة لتشويه سلفته ليثبت مكانته.
كما كشفت الدراسة أن تماثيل حتشبسوت استُخدمت كمواد بناء في عهد أحفادها، مثلما حدث لتماثيل فراعنة سابقين، ففي ٢٠٢٥، عثرت بعثة زاهي حواس على كتل من معبدها مُعاد استخدامها في منشآت لاحقة، كما أن بعض التماثيل تضررت بسبب عوامل الزمن أو الكوارث الطبيعية، لا بتدبير متعمد.
المفارقة الكبرى أن اكتشاف أدلة على أن تحتمس الثالث رمم معبد الدير البحري بعد وفاتها، فقد عُثر حديثاً على “وديعة الأساس” للمعبد – وهي أدوات البناء المقدسة – تحمل خراطيش حتشبسوت، مما يؤكد أنه احترم تراثها المعماري رغم محو اسمها السياسي.
علاقة حتشبسوت المعقدة مع المهندس سننموت
كانت هناك قصة حب أثارت غضب الكهنة تخص سننموت، المهندس من عامة الشعب الذي أصبح عقل حتشبسوت وحبيبها السري، حيث منحته ٨٠ لقباً ملكياً غير مسبوق، وكلفته بتصميم معبد الدير البحري، الذي نفذه على مدى ١٥ عاماً كـ”هدية حب” حجرية.
ونقش سننموت ممراً سرياً يربط مقبرته بمقبرتها، “ليبقيا متصلين في العالم الآخر”، فيما يرى بعض المؤرخين أنه قد يكون والد ابنتها “نفرورع”، خاصةً في تماثيله وهو يحتضنها بحنان.
لماذا انتشرت “سردية الانتقام”؟
يشرح وونج أن التفسير التقليدي لتشويه آثار حتشبسوت تأثر بـ “الرومانسية التاريخية، فلو كانت حتشبسوت رجلاً، لفسر تدمير تماثيله على أنه صراع سياسي عادي، لكن جندرها حوّل الحدث إلى قضية تمييز ضد المرأة”، فيما شهدت مصر القديمة ٥ ملكات حاكمات قبلها، مثل سبك نفرو وخنت كاوس، مما ينفي فكرة رفض المجتمع للمرأة في السلطة، بينما التشويه الذي تعرضت له لا يختلف عما حدث لملوك ذكور، لكن التاريخ الحديث اختزل سيرتها في “الفرعونة المضطهدة”.
نقلاً عن : تحيا مصر
- برنامج علاجي للقراءة والكتابة شرط أساسي للانتقال بالصفوف الأولى - 26 يونيو، 2025
- إزالة عقار آيل للسقوط بمساكن الكوكاكولا ضمن المرحلة الثانية من الموجة 26 بالإسماعيلية - 26 يونيو، 2025
- جامعة أسيوط ترحب بالطلاب الوافدين.. تعليم متميز بمعايير دولية - 26 يونيو، 2025
لا تعليق