في السنوات الأخيرة، بدأت ملامح أزمة حقيقية تلوح في أفق المشهد الإعلامي العربي، بعد تكرار حالات تورط مذيعات وشخصيات إعلامية في قضايا تتعلق بالمخدرات، سواء بالتعاطي أو الاتجار أو التستر. آخر هذه الحلقات كانت الصدمة المرتبطة باسم الإعلامية سارة خليفة، تلتها مفاجأة جديدة باسم داليا فؤاد، التي طُرح اسمها كذلك في سياق تحقيقات تتعلق بشبكات ترويج مواد مخدرة داخل مصر وخارجها. وبين ما هو ظاهر للجمهور، وما يتم تداوله على منصات التواصل الاجتماعي، يبقى هناك الكثير من المسكوت عنه داخل منظومة إعلامية تتراجع فيها القيم أمام سطوة المال، والترند، والصورة الخارجية البراقة.
سارة خليفة وداليا فؤاد من الشاشة إلى ملفات التحقيق
سارة خليفة، التي عرفها الجمهور كمذيعة ومنظّمة حفلات، ظهرت فجأة في عناوين الصحف بعدما أُدرج اسمها في تحقيقات تتعلق بوجود معمل لتصنيع الحشيش المصنع في إحدى المناطق الراقية بالقاهرة. التحقيقات كشفت عن علاقة مهنية جمعتها بعدد من الأطراف المشتبه بتورطهم في الشبكة، خاصة عبر تنظيم حفلات لمطربين شعبيين وشخصيات مثيرة للجدل.
وبعدها، جاء اسم داليا فؤاد، والتي اشتهرت كمذيعة وممثلة، لكن اسمها وُضع في دائرة الشبهات بسبب ظهورها في دوائر مرتبطة بتجارة المواد المخدرة، وفقًا لتقارير متداولة، لم تُؤكد رسميًا بعد، لكنها أثارت ضجة واسعة في الأوساط الإعلامية.
القضيتان فتحتا الباب للتساؤل: هل هذه مجرد حالات فردية؟ أم أن هناك خللاً عميقًا في المنظومة الإعلامية نفسها؟
الإعلام: من رسالة إلى “شو بزنس”
الإعلام، في تعريفه الكلاسيكي، هو منبر لتوصيل المعلومة، وتحقيق التوازن بين الترفيه والتثقيف. لكنه، في نسخته المعاصرة، خصوصًا في بعض القنوات الخاصة والمنصات الرقمية، تحوّل إلى ساحة استعراضية، حيث تُقاس الكفاءة بعدد المتابعين، لا بالرسالة أو المضمون.
التحول في معايير اختيار المذيعات، خصوصًا، شكّل بيئة خصبة لانزلاق البعض نحو مسارات مظلمة. لم تعد الخلفية الأكاديمية أو المهارات الحوارية شرطًا كافيًا، بل يكفي أن تكون “ترند”، أو مثيرة للجدل، أو مرتبطة بعلاقات عامة مع المشاهير.
في هذه الأجواء، يصبح من الطبيعي أن يُفتح الباب أمام استغلال المنصة الإعلامية لأغراض شخصية أو تجارية، وقد يتطور الأمر إلى أن تتحول بعض البرامج إلى واجهات لغسل الأموال أو تمرير أنشطة مشبوهة تحت غطاء الإعلام والترفيه.
المسكوت عنه: 5 مناطق ظل في المنظومة الإعلامية
1. غياب معايير الاختيار والتقييم
العديد من القنوات الفضائية، خاصة غير الحكومية، لا تعتمد على معايير واضحة في التوظيف. فاختيار المذيعة قد لا يمر بلجنة تقييم أو اختبار حقيقي، بل يأتي من علاقات أو ترشيحات شخصية.
2. العلاقات الخفية بين الإعلام ورجال الأعمال
في حالات كثيرة، يكون هناك “راعٍ مالي” أو “ممول” يقف وراء ظهور مذيعة معينة. وهذه العلاقة، التي قد تبدأ في إطار قانوني، قد تتحول إلى غطاء لنفوذ غير شرعي، وربما لنقل أموال أو خدمات مشبوهة.
3. المحتوى التافه بوصفه مدخلًا للانحراف
برامج “اللايت شو”، التي تعتمد على الإثارة والمظهر دون عمق، باتت ساحة مثالية لتسويق صور براقة، لكنها تفتقر لأي مضمون، ما يجعل الإعلامية “نجمة” في الظاهر، لكنها بدون حماية مهنية أو التزام أخلاقي، ومعرّضة للانزلاق بسهولة.
4. التستر المؤسسي على الفضائح
في كثير من الحالات، تتكتم القنوات على تجاوزات مذيعاتها خوفًا من الفضائح، أو حفاظًا على عقود الإعلانات، وهو ما يؤدي إلى غياب المحاسبة الداخلية، وتمادي البعض في الانخراط بعلاقات وسلوكيات تخرج عن الإطار المهني.
5. تحول بعض المذيعات إلى واجهات لعلاقات خارجية
وهنا المنطقة الأخطر: حيث تصبح الإعلامية واجهة لعلاقات تجارية أو سياسية أو حتى أنشطة مشبوهة دوليًا، يتم من خلالها التنقل والسفر والتواصل مع أطراف لا علاقة لها بالمجال الإعلامي من الأساس.
المسؤولية موزعة على أكثر من جهة:
القنوات الإعلامية التي تغض الطرف عن التلاعبات وتغري بالمظاهر.
نقابة الإعلاميين التي غابت كثيرًا عن المشهد الرقابي.
الجهات الرقابية الحكومية التي يجب أن تلعب دورًا أكبر في مراقبة الأداء المهني والسلوكي للعاملين بالمجال.
الجمهور الذي ينجرف أحيانًا خلف “ترندات” تفتقر إلى أي مضمون، ويمنح الشهرة لمن لا يستحقها.
هل الحل في القوانين أم في تغيير الثقافة؟
القوانين مهمة، لكن الأزمة أعمق من ذلك. نحن بحاجة إلى إعادة بناء ثقافة إعلامية قائمة على المهنية، والوعي، والتقييم الحقيقي للكفاءات. الإعلام لم يعد مجرد “شاشة”، بل صار له تأثير هائل على العقول، وتركه مفتوحًا بلا ضوابط يفتح الباب أمام انحرافات لن يكون أولها تورط إعلاميات في تجارة المخدرات، ولن يكون آخرها استغلال المنابر لأهداف شخصية أو مريبة.
الختام: ما بعد الصدمة
الصدمة المرتبطة بأسماء مثل سارة خليفة وداليا فؤاد يجب ألا تمر مرور الكرام. هي دعوة لمراجعة شاملة، لا لأشخاص فقط، بل لمنظومة بأكملها فقدت الكثير من بوصلة قيمها.
ما نراه اليوم ليس مجرد فضائح فردية، بل أعراض لخلل مؤسسي وأخلاقي في مشهد إعلامي بات يكرّم الواجهة على الجوهر، ويكافئ الصخب على الصدق. آن الأوان لكشف المسكوت عنه… قبل أن يطال الانهيار ما تبقى من الثقة في هذه المنظومة.
نقلاً عن : تحيا مصر
- 61 مليار جنيه استثمارات لـ”التعليم” خلال العام المالي المقبل (التفاصيل كاملة) - 21 أبريل، 2025
- أول عملية منظار قنوات مرارية وتركيب دعامات بمستشفى كفر الزيات - 21 أبريل، 2025
- عدد أسئلة وتوزيع درجات مادة اللغة العربية لطلاب الثانوية العامة لعام 2025 - 21 أبريل، 2025
لا تعليق