مجلس الشيوخ ليس مجلسًا تكميليًا، بل هو تشريعي، والغرفة الثانية للبرلمان، من خلال دعمه للديمقراطية عن طريق تمثيل أوسع للخبرات والكفاءات والفئات المجتمعية المتخصصة غير الممثلة بشكل كاف في مجلس النواب على غرار: «المفكرين والمثقفين والأكاديميين والسياسيين».. لذا ينظر لمجلس الشيوخ باعتباره السلطة التشريعية الرشيدة التي تنظر إلى القوانين من منطلق وطني شامل.. يتجاوز الحسابات الحزبية الضيقة، وهو المنوط به القوانين المكملة للدستور، وتعديل القوانين، وطرح الحلول والبدائل والتوصيات.
وتكمن أهمية مجلس الشيوخ في كونه ضامنًا للتوازن التشريعي، ومنصة مرجعية للسياسات العامة بغض النظر عن ضغوط الشارع وتخطيطات الأغلبية السياسية العابرة.. كما أن دوره ليس مجرد تجميل أو تكميل للمشهد الديمقراطي، بل هو في الأصل غرفة تشريعية.. تمتلك من الحكمة والخبرة ما يجعل لديها القدرة على تقديم النصيحة التشريعية المنضبطة.
أتذكر أنني مثلي مثل كل أبناء جيلي كنا ندرس مادة في الثانوية العامة تُدعى «التربية الوطنية»، ولا أعلم في الحقيقة إن كانت هذه المادة لا تزال تُدرس أم تم دمجها في مادة الدراسات الإجتماعية؟.
بالطبع كانت هذه المادة في وقتها تبدو لنا كطلاب مادة سخيفة ثقيلة الظل، نحاول أن نلملم منها الدرجات فقط لننجح، وربما عقب خروجنا من لجنة الامتحانات ننسى كل ما تعلق في ذاكرتنا منها، وكأننا نخلع ما تعلمنا ونلقيه بعيدًا استعدادًا لملء عقولنا بالإجازة الصيفية والسفر واللهو.
لكن يجب أن أعترف اليوم بأن هناك الكثير من المفردات والتعريفات لا تزال قابعة في ذاكرتي إلى اليوم ولا تزال كلمات معلمي إلينا بأن المعنى الأهم لمادة التربية الوطنية هو: (أنها مادة دراسية تهدف إلى تنمية الوعي الوطني والقومي لدى الطلاب، وغرس قيم الانتماء للوطن والولاء له، وتعزيز المشاركة الإيجابية في بناء المجتمع وتطوره).
هذا التعريف ظل قابعًا بذاكرتي وتذكرته منذ أيام وقت إنتخابات مجلس الشيوخ، تدافعت هذه المعلومات إلى رأسي عندما كنت مشرفًا ومتابعًا في إحدى اللجان الإنتخابية، أظن أن هذه اللجنة كانت كباقي اللجان على مستوى الجمهورية حيث كانت نسبة مشاركة الفتيات والمرأة وكبار السن أكثر بكثير جدًا من مشاركة الشباب!. قابلت نجل احد المقربين للعائلة سائرًا من أمام اللجنة، وهو شاب في الثلاثين من عمره سألته: «لماذا تسير مسرعًا؟ ألا تريد أن تشارك بصوتك»؟ رد ببساطة: لا.. فقلت له ألا تعلم أن المشاركة في الإنتخابات «واجب وطني».
ابتسم وقال: «إنه بالفعل واجب وطني».. فقلت: فلماذا لم تذهب للإنتخابات»؟.. رد ببراءة الشاب الحائر بين الحقيقة والزيف: «وماذا يفعل مجلس الشيوخ؟ هل تعرف أنت أيًّا من هؤلاء المرشحين»؟ ساد صمت بيننا لدقائق كنت مستغربًا، وقالت: الم تعلم أن رقم واحد في المرشحين الفردي قريب لي، وواجهتنا المشرفة، وسياسي مخضرم وخدمي من طراز فريد، وملقب بعملاق السياسة.. فأجاب: «نعم».
لكن لم أجد ما أقنعه به ليذهب ويدلي بصوته، خصوصًا بعد أن أنهى الحديث بسؤال أخير: «ماذا استفدت أنا كشاب في عملي أو حياتي من نجاح أعضاء مجلس النواب أو مجلس الشيوخ؟».. الحقيقة لم أجد ما أرد به على هذا الشاب الذي يشبه المئات من الشباب المعترضين على كل الأوضاع، على الرغم من إيماني بأن شباب هذا الوطن يجب عليهم المشاركة في تشكيل خارطة بلادهم السياسية، ولكن كيف ندفعهم لفعل هذا؟!.
أكاد أجزم أن أزمة مشاركة الشباب في الاستحقاقات الدستورية تتمثل في الإرادة الوطنية.. الشعبية والسياسية. الإرادة الشعبية أولًا، فالمواطن الذي لا يهتم بإنتخاب من يمثله لا يحق له الشكوى من تهميش صوته، ثم الإرادة السياسية، التي يجب أن تؤمن بأن الديمقراطية ليست عملية شكلية أو تكميلية، وهي ركيزة الاستقرار والنهوض في إطار ثقافة المجلسين: الشيوخ والنواب.
بمنتهى البساطة مشاركة الشعب كله في إنتخابات مجلسي النواب والشيوخ وكل الاستحقاقات الدستورية يجب أن تكون نابعة من إيمان حقيقي بأهمية المجلس وبانطباع عام يجب أن يترسخ لدى المواطن بما يقدمه المجلس، وبمحاسبة من يتقاعس من أفراده، يجب أن يشعر المواطن وخصوصًا الشباب الذين أصبحوا يبحثون عن فرص عمل بالخارج هاربين من كل ما يثقل كاهلهم ويعرقل أحلامهم، بأن وجودهم وأصواتهم لها قيمة وقادرة على إحداث تغيير ملموس.
دعونا نعلم الشعب ونفهمه قيمة ما سيقوم به تجاه صناديق الإنتخابات، دعونا نستمع إلى هؤلاء المرشحين، إلى سيرتهم الذاتية، إلى ما يحلمون به، إلى ما ينتوون القيام به بعد نجاحهم.. حتى تصبح أفكارهم وإنجازاتهم هي الطريق إلى نجاحهم من خلال إنتخابات لها رصيد عند الناس؛ هذا هو الطريق الوحيد إلى قلب الشعب وعقله، الشباب المتعلمون الذين يتعاملون بالذكاء الصناعي وبكل وسائل الإتصال الحديثة لا يصدقون هذه الصور بل تفقدهم مصداقية الفعل الحقيقي.
صور المرشحين التي اعتلت الكباري بلا أي شىء آخر، هي في النهاية مجموعة صور لا أحد يعلم عنها شيئًا إلا قلة قليلة جدًا منهم، ولأن مصر تستحق وشعبها يستحق فالمشهد يجب أن يتغير، هناك محاولات جادة لتغيير الأوضاع ولكن أصحاب المصالح يتدخلون معرقلين فالإصلاح يُقابل دومًا بمن يحاولون فرض سطوتهم من أجل مصالح شخصية أو من أجل إفشال المنظومة.
أتمنى أن تحاول الدولة إعادة معنى التربية الوطنية وقيمة الانتماء لدى كل مواطن مصري، الانتماء الحقيقي حتى لو كانت الظروف قاسية، فذلك سوف يدفع الشعب للالتفاف حول بلده، وهذه المعاني لن تترسخ إلا بمشهد يحترم عقول المواطنين.
نقلاً عن : تحيا مصر
- 12 لاعب في قائمة منتخب مصر لخوض بطولة الأفروباسكت بانجولا - 9 أغسطس، 2025
- الأجهزة الامنية تكشف مفاجأة عقب القبض على البلوجر أم أبراهيم - 9 أغسطس، 2025
- عاجل|لطلاب الثانوية العامة 2025.. شروط تقليل الاغتراب وخطوات التقديم - 9 أغسطس، 2025
لا تعليق