
في خضمّ موجة مبادرات الرئيس المتعلقة بالرسوم الجمركية، تُعدّ خطة “يوم التحرير” في أبريل استثناءً. فبدلاً من استهداف منتجات أو دولٍ محددة لتحقيق هدفٍ سياسي، فرضت هذه الخطة رسوماً جمركيةً شاملة، واعتمدت على مُبرراتٍ مُبهمة، وأثبتت قسوتها وشموليتها لدرجة أنها أدّت إلى انهيارٍ في السوق. كما استندت إلى قانونٍ غامضٍ لصلاحيات الطوارئ والذي قد يثبت فشله قريباً.
عند إعلانه عن الرسوم الجمركية، أكد البيت الأبيض أن العجز التجاري الأميركي المستمر في السلع يمثل “تهديداً غير عادي واستثنائي”، واستشهد بقانون صلاحيات الطوارئ الاقتصادية الدولية لفرض رسوم استيراد أساسية بنسبة 10%، إلى جانب نسب”متبادلة” خاصة بكل دولة، مستمدة ظاهرياً من الموازين التجارية.
العولمة قادرة على النجاة من الحرب التجارية الأميركية
كان تبريره محيراً. إن عقوداً من العجز المستمر مع عشرات الدول لا تُعتبر استثنائية أو غير عادية. كان الهدف من قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية معالجة الأزمات الخارجية -من خلال تدابير مثل العقوبات أو تجميد الأصول- وليس تنظيم السياسات التجارية الاعتيادية.
لقد حدد الكونغرس بالتفصيل كيفية ممارسة الرؤساء لصلاحيات الرسوم الجمركية، بما في ذلك من خلال المادة 232 من قانون توسيع التجارة والمادتين 122 و301 من قانون التجارة.
وسيلة تفرد بالقرار
فلماذا اعتمد البيت الأبيض على قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية بدلاً من هذه السلطات الراسخة؟ السبب الأرجح هو أنه (نظرياً) يُمكّن الرئيس من التصرف بشكل منفرد.
قد تستلزم قوانين الرسوم الجمركية الأخرى عمليات إدارية مطولة وتخضع لقيود مختلفة يفرضها الكونغرس. على النقيض من ذلك، يمكن لقانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية أن يسمح بأقصى قدر من تأكيد السلطة التنفيذية بأقل قدر من البيروقراطية.
ومع ذلك، لم يسبق لأي رئيس أن استخدم قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية بهذه الطريقة لسبب وجيه: لا تظهر كلمة ”رسوم جمركية” في أي مكان من نص القانون. لذا، كان متوقعاً حتى في يوم التحرير، أن تتعرض هذه الإجراءات لتحديات قانونية قد تكون كارثية. إلا أن البيت الأبيض مضى قدماً، وهو الآن في مأزق.
الأميركيون سيدفعون ثمن رسوم ترمب قريباً
في 29 أغسطس، أيدت محكمة الاستئناف الأميركية للدائرة الفيدرالية حكماً صادراً عن محكمة التجارة الدولية يفيد بأن الإدارة تصرفت خروجاً عن القانون. في الأسبوع الماضي، وافقت المحكمة العليا على تسريع مراجعتها للقضية، مع احتمال عقد جلسة استماع في نوفمبر. إذا قضت المحكمة العليا بعدم صلاحية الرسوم الجمركية، فقد تضطر الحكومة إلى إلغائها- وهو احتمال اعتبره الرئيس بأنه “كارثة حقيقية”.
إن رسوم قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية كبيرة فعلاً، إذ إنها تؤثر على تجارة حجمها تريليونات الدولارات. لقد شكلت 61% من إجمالي رسوم الاستيراد المفروضة منذ يناير، ويبلغ متوسطها الآن حوالي 500 مليون دولار يومياً.
احتمال رد الرسوم
إذا لزم ردها، فقد تتجاوز الفاتورة 130 مليار دولار بحلول نهاية العام، وفقاً لبلومبرغ إيكونوميكس. تقول الإدارة، ربما بدافع المصلحة الذاتية، إن تأجيل إصدار الحكم قد ينطبق على إيرادات قدرها تريليون دولار، ما يعني ضمناً نفقات غير متوقعة أكبر بكثير.
مع أن إلغاء الرسوم الجمركية قد يفيد الشركات، إلا أنه لن يكون نصراً كاملاً. ليس واضحاً تماماً كيف ستسعى هذه الشركات إلى التعويض. اضطرت هيئة الجمارك وحماية الحدود الأميركية إلى وضع قواعد جديدة كلياً لإدارة جولة سابقة من الإعفاءات.
ما هي خيارات ترمب إذا قُضي بعدم قانونية رسومه الجمركية؟
قد تفرض الإدارة تدابير بديلة بموجب قوانين أخرى. في غضون ذلك، سيضطر مصنعو السيارات والملابس وشركات الأدوية وغيرها من الشركات إلى اتخاذ قرارات استثمارية دون أدنى فكرة عن القواعد التي ستواجهها في النهاية.
ويجدر التذكير بأن هذه الرسوم الجمركية كانت ستكون فكرة سيئة حتى لو طُبقت بعناية ودقة. فهي تفرض ضرائب على الأميركيين تصل إلى نحو 1200 دولار سنوياً. كما أنها أبطأت النمو بلا داعٍ، ورفعت تكلفة المدخلات الأساسية، وساهمت في ارتفاع أسعار المستهلكين، وتسببت في إجراءات انتقامية مؤلمة، كل ذلك مع فرض عبء إداري قاسٍ على الشركات. الولايات المتحدة والعالم أفقر بسببهم.
إن مجرد وضع هذه الرسوم الجمركية على أسس قانونية أكثر متانة لن يُصلح الضرر الذي حدث بالفعل. من الأفضل بكثير للبيت الأبيض أن يتركها تنتهي، ويُلقي باللوم على المحاكم، ثم يجني ثمار تجارة حرة ونمو مُحسّن.
نقلاً عن: الشرق بلومبرج