مكاسب للجميع في اتفاق “تيك توك” قد تعني نصيب الأسد لبكين

حين أثار الرئيس دونالد ترمب مسألة حظر “تيك توك” لأول مرة بسبب مخاوف أمنية وطنية مُفترضة قبل أكثر من خمس سنوات، كان التطبيق، الذي طورته شركة ”بايت دانس“ في بكين، موضع حسد في أوساط صناعة التقنية العالمية.
أعادت خوارزميته القوية صياغة مشهد التواصل الاجتماعي المُستنفد عبر الإبقاء على تفاعل المستخدمين، ليس فقط من خلال منشورات أصدقائهم، بل أيضاً من باب التوصية المستمرة بالمحتوى بناءً على كيفية تفاعلهم مع المقاطع التي يصادفونها.
رسمت بكين خطاً أحمر، قائلةً إنه لا سبيل لها للتخلي عن جوهرة تاج صناعة التقنية الاستهلاكية. اتهم المسؤولون الصينيون واشنطن بمحاولة نهب شركاتهم الخاصة، بل وحدّثوا قوانين التصدير لحظر بيع خوارزمية “الخلطة السرية”.
عائلة مردوخ تسعى إلى “تيك توك” لتعويض استثمار “ماي سبيس”
يبدو أن هذا الموقف المتشدد قد تراجع الآن، شكلياً على الأقل. فبينما أشاد ترمب باتفاق يُنقذ ظاهرياً عمليات “تيك توك” في الولايات المتحدة، ويُقدّر قيمتها بـ14 مليار دولار، لم تكشف بكين تقريباً عن أي شيء مُتفق عليه.
لكن وسائل الإعلام المدعومة من الدولة وصفت الصفقة مراراً في استقراء المفاوضات على أنها تحقق ”مكاسب للجميع”. أثارت تفاصيل الصفقة المزعومة تساؤلات أكثر من الإجابات على جانبي المحيط الهادئ. السؤال الأهم الذي ينبغي على الأميركيين طرحه هو: ما الذي تنازل عنه ترمب لإنقاذ “تيك توك”؟
هل بكين أو واشنطن قد تعطلان الصفقة؟
قد تسحب الصين البساط من تحت أقدام الصفقة، أو أن شروطها لن تُقبل في واشنطن، إذ لا يبدو دائماً أن الجانبين متفقان على نفس الرأي. لم تؤكد بكين علناً بعد موافقتها، على الرغم من توقيع ترمب أمراً تنفيذياً يوم الخميس لدفع خطط شراء المستثمرين الأميركيين لعمليات التطبيق الأميركية.
لكن الوقت مناسب لشي للتنازل عن “تيك توك“، فقد أقر المشرعون الأميركيون خلال إدارة بايدن قانوناً بدعم من الحزبين لحظر التطبيق أو إجبار مالكته على التخارج منه، وقد استنفدت “تيك توك” معركتها القانونية للبقاء في الولايات المتحدة.
بعد أكثر من نصف عقد من بدء كل هذا، تخوض واشنطن وبكين الآن معركة حول الرسوم الجمركية، ومغناطيسات المعادن النادرة، وأشباه الموصلات المتقدمة.
تراجع صادرات الصين من مغناطيسات المعادن النادرة إلى أميركا
أصبحت أسطر التعليمات البرمجية التي تُشغّل “تيك توك” إحدى أكبر نقاط الخلاف في استقرار العلاقة المتدهورة بين القوتين العظميين. مع الضغوط الانكماشية في الداخل وعدم اليقين الاقتصادي الكلي الأوسع، تُساوِر شي مخاوف أكبر.
في غضون ذلك، ركّز ترمب في حملته الانتخابية على إنقاذ التطبيق، وأشاد به باعتباره سبباً في شهرته ووصوله إلى الناخبين الشباب. إن “تيك توك” لا يعمل في الصين، وقد اتضح جلياً على مر السنين أنه يُمثّل أهمية أكبر لترمب مقارنةً بشي. وقد منح هذا بكين نفوذاً أكبر. والآن هو الوقت المناسب لاستخدامه.
ما الذي عرضته الإدارة على بكين؟
وجاء في تقرير من وكالة أنباء ”شينخوا“ أنه ثمةً توافق على إطار عمل لتوافق الآراء يهدف أيضاً إلى حل قضايا أخرى، مثل تقليل عوائق الاستثمار وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري. يشير هذا إلى أنه قد عُرض شيء ما مقابل السماح لـ”تيك توك” بمواصلة العمل في أميركا. وقد صرّح وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت بأن التهديد بإغلاق التطبيق في أميركا هو ما حسم الأمر في النهاية.
ومع ذلك، تجاوز ترمب القانون بتأجيل الموعد النهائي لإغلاق “تيك توك” في الولايات المتحدة أربع مرات هذا العام وحده، وعندما توقف التطبيق عن العمل لفترة وجيزة في البلاد في يناير، كان الرئيس نفسه هو من نسب الفضل في عودته في رسالة إلى 170 مليون مستخدم أميركي. من الواضح أنه عُرضت حلول أخرى لمنع إغلاق منصة ترمب المفضلة في الولايات المتحدة بعد أن وعد بإنقاذها.
“تيك توك” ليست التهديد السيبراني الصيني الأكبر أمام ترمب
كجزء من الصفقة، تلتزم بكين بخطها الأحمر الأصلي. بحسب تقارير إعلامية، ستظل ”بايت دانس“ مالكة الخوارزمية المرغوبة، لكنها سترخص نسخة منها لتكتل أميركي لإعادة بناء نسخته الخاصة “من الصفر”، وفقاً لمسؤول في البيت الأبيض.
ليس واضحاً ما إذا كان هذا المخطط سيُعد التزماً بالقانون الأميركي لحظر التطبيق، بالإضافة إلى ضمان عدم امتلاك بكين لأي قدر من النفوذ. بعد كل شيء، ما تزال الصين متمسكة بالخوارزمية. قد يمنح اتفاق التأجير بايت دانس وسيلة لكسب المال للتركيز على أولوياتها الأخرى.
الصين تخطت مرحلة “تيك توك”
شهد المشهد التقني تطوراً على مر السنين. وأصبح مجال مقاطع الفيديو القصيرة مكتظاً بالنسخ المقلدة، بدءاً من مقاطع “يوتيوب” القصيرة من شركة ”ألفابت“، ووصولاً إلى ”إنستغرام ريلز“ من ”ميتا بلاتفورمز“. ما تزال شركة ”بايت دانس“ في الولايات المتحدة معروفة بكونها الشركة الأم لتطبيق “تيك توك”، لكنها في الصين قد حوّلت تركيزها بالفعل إلى أن تصبح قوة ضاربة في مجال الذكاء الاصطناعي.
إن روبوت الدردشة ”دوباو“ (Doubao) من ”بايت دانس“ هو تطبيق الذكاء الاصطناعي الأكثر رواجاً في البلاد من حيث عدد المستخدمين النشطين شهرياً، ويتفوق حتى على “ديب سيك“.
كما يُعد أحدث طراز من الشركة أعلى نظام ذكاء اصطناعي صيني تصنيفاً على قائمة المتصدرين لمنصة ”أوبن كومباس“ (OpenCompass) للقياس، خلف ”أوبن إيه آي“ (OpenAI) مباشرةً وقبل ”كوين“ (Qwen) من شركة ”علي بابا“ و”ديب سيك”.
في حين كان “تيك توك” في السابق محور طموحات الصين التقنية العالمية، فقد يكون الآن مجرد أصل قابل للتداول ضمن استراتيجية أكبر لضمان الهيمنة على التقنيات الرئيسية للمستقبل.
“تيك توك” يغير أسلوب بيع العقارات المألوف بالولايات المتحدة
لقد ثبت شي على موقفه حتى الآن من خلال الوقوف في وجه ترمب وإحداث هدنة مطولة في الحرب التجارية. الآن، لا بد من تغيير شيء ما. إن السماح للبيت الأبيض بإيجاد طريقة لإبقاء “تيك توك” في الولايات المتحدة هو عرض سلام استراتيجي مقابل أولويات أكثر إلحاحاً.
كتب الصحفي التقني باتريك ماكغي في كتابه الصادر عام 2025 الذي يوثق تشابك علاقة شركة ”أبل“ مع بكين،: “في الصين، تعني عبارة مكاسب للجميع أن مكاسب الصين مضاعفة”. قد يكون البيت الأبيض يحتفل علناً بنصره لإبقائه نسخة من منصة التواصل الاجتماعي الشهيرة في الولايات المتحدة، لكن قد يثبت أن هذا أقل قيمة بكثير مما تحصلت عليه بكين بهدوء.
نقلاً عن: الشرق بلومبرج