موقف ترمب المتشدد من الصين يسقط الأسواق في مستنقع الخسائر

غاصت الأسهم الأميركية في الخسائر بعد أن هدّد الرئيس دونالد ترمب بـ”زيادة هائلة” في الرسوم الجمركية على السلع الصينية، مما أعاد إشعال المخاوف من تصعيد في الحرب التجارية.
وسرعان ما تلاشت المكاسب في الأسواق، إذ تراجع مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” (S&P 500) بنحو 1.6%. في المقابل، ارتفعت السندات، حيث انخفض العائد على سندات الخزانة لأجل عشر سنوات بمقدار سبع نقاط أساس ليصل إلى 4.07%. كما تراجع الدولار في نهاية أفضل أسبوع له منذ نوفمبر.
وقال ترمب إنه لا يرى “أي سبب” للقاء الرئيس الصيني شي جينبينغ، مشيراً إلى ما وصفه بالقيود “العدائية” الأخيرة التي فرضتها الصين على صادرات المعادن الأرضية النادرة. وأضاف أن من بين التدابير المضادة التي تدرسها الولايات المتحدة “زيادة هائلة في الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية القادمة إلى الولايات المتحدة الأميركية”، مشيراً إلى أن “هناك العديد من التدابير الأخرى قيد الدراسة الجادة أيضاً”.
وقفزت أسهم الشركات المرتبطة بالمعادن الأرضية النادرة اليوم الجمعة في نيويورك، حيث ارتفعت أسهم شركة “إم بي ماتيريالز” (MP Materials) 15%، في حين قفزت أسهم شركة “يو إس إيه رير إرث” (USA Rare Earth) 20%.
تصعيد صيني مضاد
جاءت تصريحات ترمب بعد أن فرضت الصين رسوماً جديدة في الموانئ على السفن الأميركية وبدأت تحقيقاً في مكافحة الاحتكار بحق شركة “كوالكوم” (Qualcomm Inc) وذلك عقب تحركات جديدة لتقييد تصدير المعادن الأرضية النادرة الضرورية في تصنيع العديد من المنتجات الاستهلاكية.
فورة شراء أم فقاعة؟
يأتي هذا الأداء في الأسواق بعد أن رصدت عدة تقارير عن فورة في الشراء بالأسواق خلال الأيام القليلة الماضية، ما يضعها في دائرة الخطر خاصة والاسواق كانت في ذروتها.
ووفقاً لمذكرة صادرة عن “بنك أوف أميركا” (Bank of America Corp)، يتجه المستثمرون حالياً إلى شراء كل شيء من الأسهم إلى السندات والعملات المشفّرة.
وأشارت المذكرة، استناداً إلى بيانات “إي بي إف آر غلوبال” (EPFR Global)، إلى أن صناديق الأسهم العالمية جذبت 20 مليار دولار خلال الأسبوع المنتهي في 8 أكتوبر، بينما تدفّق 25.6 مليار دولار إلى صناديق السندات. كما شهدت صناديق العملات المشفّرة تدفقات بقيمة 5.5 مليارات دولار، فيما أضيف إلى صناديق النقد ما يقارب 73 مليار دولار، ما يشير إلى أن المستثمرين ما زال لديهم سيولة وفيرة للاستثمار.
الذكاء الاصطناعي تحت المجهر
وكان استراتيجيو “إتش إس بي سي” (HSBC)، قد توقعوا أيضاً ألا تتوقف المكاسب في الأسواق العالمية بعد أدائها القياسي، وذلك بفضل أرباح أفضل من المتوقع خلال الربع الثالث. ونقلت بلومبرغ عن أليستير بيندر وديمتري ليسكين أنهم لا يرون أن الذكاء الاصطناعي دخل “منطقة الفقاعة”، نظراً لحجم السوق المحتمل وأن التقييمات ما زالت دون مستويات فقاعة الإنترنت في بداية الألفية. وأضافوا أن أسعار الفائدة المنخفضة والتيسير النقدي من جانب الاحتياطي الفيدرالي من شأنهما تشجيع المستثمرين على وضع أموالهم في الأسهم بدلاً من صناديق الأسواق النقدية.
وعلى الرغم من التذبذب الذي شهده مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” هذا الأسبوع، فقد سجّل المؤشر خمسة إغلاقات قياسية جديدة حتى الآن هذا العام، ليرتفع إجمالي عدد الإغلاقات القياسية منذ بداية العام إلى 33، بحسب “بيسبوك إنفستمنت غروب” (Bespoke Investment Group).
وقالت المجموعة: “ما هو أكثر إثارة للإعجاب أن هذه الإغلاقات الـ33 جاءت بعد 57 إغلاقاً قياسياً في العام الماضي. وبإجمالي 90 إغلاقاً قياسياً في العامين الماضيين، لم يكن هناك سوى خمس فترات زمنية من عامين حققت فيها السوق عدداً أكبر من الإغلاقات القياسية. وليس لتفاؤل مفرط، ولكن هناك احتمال حقيقي بأن تحتل هذه الفترة مكاناً ضمن المرات الخمس الأولى بحلول نهاية العام”.
سوق تتجاهل الضبابية
وقال فلوريان إيلبو من “لومبارد أودييه إنفستمنت مانجرز” (Lombard Odier Investment Managers): “ما ينبغي أن يجذب انتباه المستثمرين هذا الأسبوع هو التقدم الذي تحرزه السوق رغم حالة عدم اليقين: الأسعار تتجاوز حدود العوائد المدفوعة، وهو أحد المؤشرات العديدة على أن السوق قررت تجاهل حالة الضبابية المحيطة وتبدو وكأنها تعيش داخل فقاعة من الإيجابية”.
ورغم استمرار المخاطر على المدى المتوسط —خصوصاً إذا خيّبت توقعات اعتماد الذكاء الاصطناعي أو نمو الإيرادات— إلا أن الأسس الاقتصادية القريبة الأجل ما زالت قوية، وفقاً لأولريكه هوفمان-بورشاردتي من “يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت” (UBS Global Wealth Management).
وقالت: “تدفق الصفقات الحالي يدعم التوجيهات المتعلقة بسلاسل الإمداد، بل وقد يقود إلى مراجعات تصاعدية في تقديرات الأرباح. وبشكل عام، نرى أن البيئة الحالية مختلفة جذرياً عن الفقاعات السابقة، حيث تعتمد شركات الذكاء الاصطناعي استراتيجيات استثمار أكثر حذراً وتمتلك أوضاعاً مالية أكثر صحة”.
تحذيرات من إشارات ضعف
في الوقت ذاته، يُقبل المستثمرون الأفراد على شراء الأسهم بوتيرة غير مسبوقة، متجاوزين أداء السوق العامة. لكن هذا التوجه يصاحبه ارتفاع حاد في حجم التداول، مما يثير المخاوف من أن مواقعهم الاستثمارية المفضلة باتت مكتظة بشكل خطير.
وقالت “سيتي غروب” في مذكرة بحثية هذا الأسبوع إن سلّتها التي تضم 46 سهماً مفضلاً من قبل المستثمرين غير المحترفين —وتشمل شركات مثل “سوفي تكنولوجيز” (SoFi Technologies Inc) و”رايوت بلاتفورمز”— تتفوق بشكل كبير على مؤشر “ستاندرد آند بورز 500″، في وقت بلغ فيه حجم التداول الفردي أعلى مستوى له على الإطلاق.
وقال كريغ جونسون من “بايبر ساندلر” (Piper Sandler): “بينما تقترب السوق من الذكرى السنوية الثالثة لبداية هذا السوق الصاعد منذ قاع أكتوبر 2022، بدأنا نرى إشارات تحذير — أشبه بإشارات صفراء وامضة— تنصح المستثمرين بالتهدئة”. وأضاف أن بعض القطاعات تُظهر أداءً قوياً جداً، لكن القوة الكامنة خلف ذلك بدأت تضعف.
وختم بالقول: “ينبغي على المستثمرين البقاء يقظين ومراقبة مستويات الدعم الأساسية لتحديد فرص أفضل للمخاطرة والمكافأة عند التراجع”.
نقلاً عن: الشرق بلومبرج