سقط أكثر من ألف شخص ضحايا في واحدة من أقسى الكوارث الطبيعية التي شهدها السودان حديثاً، بعد أن دُفنت قرية “ترسين” بالكامل تحت انزلاق أرضي ضخم في إقليم دارفور، لم ينج منه سوى ناجٍ وحيد وفقاً للتقارير الأولية.
جاءت الكارثة في توقيت بالغ التعقيد، حيث يعاني الإقليم من حرب أهلية مستعرة وأزمة إنسانية توصف بأنها “الأسوأ في التاريخ الحديث” وفقاً للأمم المتحدة .
الدمار الذي لم يترك شيئاً
أنهالت الأمطار الغزيرة على قرى جبل مرة في دارفور، لتتحول إلى سيول جارفة أدت إلى انهيارات أرضية مدمرة. لم تكن قرية ترسين، الواقعة شرق جبل مرة بالقرب من منطقة سوني، سوى واحدة من تلك القرى التي اجتاحها الطين والحجارة، لكنها كانت الأكثر تضرراً.
“سويت القرية بالأرض تماماً”.. بهذه الكلمات وصفت حركة جيش تحرير السودان، التي تسيطر على المنطقة، حجم الدمار الذي حل بالقرية، ولم يتبقَ من منازلها أو أشجارها التي عرفت بإنتاج الوفير للحمضيات سوى وحل كثيف يغطي كل شيء، وأعمدة محطمة، وأشجار مقطوعة .
مجتمع بكامله يختفي تحت الأنقاض
بحسب البيان الصادر عن الحركة، قُدر عدد الضحايا بأكثر من ألف شخص من الرجال والنساء والأطفال، لم ينج منهم سوى شخص واحد فقط، وهذه الأرقام جعلت من الحادثة واحدة من أسوأ الكوارث الطبيعية في تاريخ السودان الحديث، وربما الكارثة الأكثر دموية في تاريخ الإقليم الذي يشهد نزاعات متعددة منذ عقود.
لم يكن سكان ترسين مجرد أرقام تضيفها الكارثة إلى إحصائيات الضحايا، بل كانوا مجتمعاً متماسكاً يعتمد على الزراعة، ويعيش في منطقة كانت تعتبر من أبرز المناطق الزراعية في جبل مرة، بينما الكثيرون من هؤلاء الضحايا كانوا بالفعل من النازحين الذين فروا من الحرب الدائرة في شمال دارفور، ولجأوا إلى هذه المنطقة الجبلية النائية بحثاً عن الأمان .
أمطار غزيرة وتضاريس خطرة
أشارت التقارير إلى أن الانزلاق الأرضي وقع بسبب “الأمطار الغزيرة التي هطلت في الأسبوع الأخير من شهر أغسطس الماضي، بينما المنطقة المعروفة بتضاريسها الجبلية الوعرة وطبقاتها الترابية شديدة الانزلاق، تشهد عادة أحداثاً مشابهة خلال موسم الأمطار، لكنها كانت دائماً أقل تدميراً .
في عام 2018، أودى انزلاق أرضي في بلدة مجاورة بحياة 20 شخصاً على الأقل ، لكن ما حدث هذه المرة كان مختلفاً تماماً. لقد أدى شدة هطول الأمطار، مع الظروف البيئية والتضاريسية، إلى كارثة غير مسبوقة.
مناشدات عالمية وعقبات أمنية
في أعقاب الكارثة، انطلقت مناشدات عاجلة من كل الجهات. ناشدت حركة جيش تحرير السودان “الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية والضمير الإنساني الحي المساعدة لانتشال جثامين الموتى من تحت التراب” . كما نادى حاكم دارفور الموالى للجيش، مني أركو مناوي، بالتدخل العاجل، واصفاً إياها بـ”مأساة إنسانية تفوق حدود الإقليم” .
لكن العقبات التي تواجه عمليات الإغاثة في المنطقة النائية أصلاً أصبحت أكثر عزلة بسبب الأمطار الغزيرة التي تجعل الطرق الجبلية الوعرة أشد خطرا.، والأهم من ذلك، فإن الظروف الأمنية المتدهورة تسببت في استمرار القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ما يجعل الوصول إلى المنطقة شبه مستحيل .
كارثة طبيعية في قلب نزاع مسلح
منذ منتصف أبريل 2023، يشهد السودان حرباً دامية بين الجيش وقوات الدعم السريع، أودت بحياة عشرات الآلاف، وتسببت في تهجير أكثر من 14 مليون شخص .
قسمت الحرب السودان عملياً إلى مناطق نفوذ. بينما يسيطر الجيش على معظم مناطق الشمال والشرق، تسيطر قوات الدعم السريع على إقليم دارفور بشكل شبه كامل وأجزاء من الجنوب . هذه التقسيمات جعلت من الصعب على المنظمات الإنسانية الوصول إلى المحتاجين، خاصة في دارفور.
مجاعة ونزوح
الكارثة الطبيعية جاءت فوق أزمة إنسانية متفاقمة. فقد أعلنت المجاعة في مناطق عدة من إقليم دارفور المؤلف من خمس ولايات . كثير من النازحين الذين فروا من القتال في مدينة الفاشر – التي تتعرض للحصار منذ مايو 2024 – لجأوا إلى جبل مرة، مما زاد من الضغط على الموارد المحدودة أصلاً.
وتفتقر المنطقة للبنية التحتية الأساسية من طرق معبدة وكهرباء وشبكة اتصالات، مما يجعل الاستجابة لأي كارثة، طبيعية كانت أم بشرية، مهمة شاقة للغاية.
ردود الفعل
نعى رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان ضحايا الانزلاق الأرضي، مؤكداً تسخير كل الإمكانيات المتاحة لتقديم الدعم والإغاثة، كما حث الاتحاد الأفريقي الثلاثاء الأطراف السودانية على “إسكات الأسلحة” والسماح بإيصال المساعدات إلى ضحايا الانزلاق الأرضي .
أما منظمات المجتمع المدني، مثل التنسيقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين، نعت الضحايا وناشدت المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية “بالتحرك الفوري لمساعدة أهالي المنطقة المنكوبة” .
تحديات أمام إنقاذ الأرواح
السباق ضد الزمن لإنقاذ ضحايا قد يكونوا عالقين تحت الأنقاض يواجه عقبات لا يمكن التغلب عليها، فالعواصف المستمرة، الطرق الوعرة، والوضع الأمني المتدهور جميعها تعيق وصول فرق الإنقاذ والإغاثة.
وحتى إذا تمكنت المساعدات من الوصول، فإن حجم الدمار ومحدودية البنية التحتية يجعلان عملية التعافي طويلة وشاقة. المنطقة التي كانت يوماً ما مزدهرة بإنتاج الحمضيات أصبحت الآن رمزاً لمأساة إنسانية مركبة: طبيعية، سياسية، وإنسانية.
نقلاً عن : تحيا مصر
- متحدث الصحة يكشف سبب وفاة الإعلامية عبير الأباصيري والتفاصيل الكاملة لكل ما جرى في مستشفى الهرم - 2 سبتمبر، 2025
- أعلى عائد شهادة ادخار في البنك الأهلي وبنك مصر 2025 (بالأرقام) - 2 سبتمبر، 2025
- حكاية هند الحلقة الرابعة - 2 سبتمبر، 2025