في مشهد يعكس تعقيد العلاقة بين كفاءة الكوادر الطبية والواقع الصحي في مصر، تصاعدت حدة الجدل حول هجرة الأطباء إلى الخارج بعد تصريحات مثيرة للإعلامي عمرو أديب، والتي فتحت باب التساؤلات حول مستقبل المنظومة الصحية.
بين مطالبات بتحسين الأوضاع الداخلية وضغوط خارجية لاستقطاب الكفاءات، بات القطاع الطبي في مصر يواجه تحديًا وجوديًا يستدعي حلولًا عاجلة قبل فوات الأوان.
وجه الإعلامي عمرو أديب رسالة للأطباء بعد أزمة تعليقه بشأن كون الأطباء يحصلون على تعليمهم وتدريبهم مجانا في المستشفيات المصرية ثم يهاجرون للعمل بالخارج.
وقال أديب عبر حسابه على منصة إكس: “بعتذر لكل الأطباء، سافروا عندما تريدون حتى لو كنتم في الجامعة، ومسألة علاج الناس في مصر ليست من الأهمية بمكان، يمكن أن نستعين بخريجي كليات التجارة، أعدادهم كبيرة وليس لهم فرص عمل في الداخل أو الخارج”. وأضاف: “موضوع أن الطب رسالة وأنك ترد بعض جميل التعليم المجاني مسألة بصراحة أفلاطونية – في أمريكا كده – ولا مجال لعمل أي حلول أو توازنات، المهم يا ابني مصلحتك ولا تهتم بمريض أو بوطن، أما الفئة الساذجة المستمرة في البلد التي تواصل الليل بالنهار لتنجد المواطن المصري الغلبان، هؤلاء جزاؤهم عند المولى عز وجل”.
وتابع: “وبالنسبة للحكومة فأصبحت أشك أن الأمر مزعج بالنسبة لهم، يجب أن تقدموا حلولًا للأطباء: مرتبات أفضل، مزايا تعليمية، حماية أمنية في المستشفيات، لأنه من الواضح أن موضوع التعليم المجاني لم يعد كافيًا، وبما أن الجميع يقول إن الأهل تصرف دم قلبها – وهو صحيح – فيجب إعادة النظر في المجانية، فليست مفيدة للطالب أو للبلد، ومرة أخرى أعتذر عن محاولة وجود حل لمشكلة لا يجب تجاهلها أبدًا، علمتونا أن المسكنات لا تجدي ويجب البحث عن السبب الرئيسي للمرض”.
واستكمل: “لكل من يقول المصلحة أولًا أقول: ربنا يستر عالبلد، بصراحة عندي قناعة أن الدكتور المصري هو الأفضل، وعندي اطمئنان مستمر أنه في أي لحظة أذهب لأي مستشفى سأجد الحد الكافي من العناية، فلنتحرك قبل أن تنهار المنظومة بين مصلحة الطبيب ومصلحة البلد، ويبدو أنه اختيار أصبح صعبًا”.
وانتقد الإعلامي عمرو أديب، مقدم برنامج الحكاية على قناة «إم بي سي مصر»، هجرة الأطباء إلى الخارج، قائلا إن “الأطباء معظمهم لم يدفعوا مصروفات التعليم في مصر، بالإضافة إلى أنه يتم تدريبهم في المستشفيات مجانا”، مضيفا: “بعد كل ده بيهاجروا للخارج”.
الأطباء تكشف أسباب هجرة الأطباء للخارج
من جهته، علق الدكتور أسامة عبدالحي، نقيب الأطباء، قائلًا إن “أسباب هجرة الأطباء للخارج باتت واضحة ومعروفة للجميع، وليس فقط من ناحية المرتبات، فالمرتبات في قطاع هيئة الرعاية الصحية والتأمين الصحي الجديد ضعف هيكل اللائحة المالية لوزارة الصحة”.
وطالب بتطبيق اللائحة المالية للتأمين الصحي الجديد على وزارة الصحة، لتحسين المرتبات، بالإضافة إلى القضاء على ظاهرة الاعتداءات المتكررة على الأطباء خاصة في أقسام الطوارئ.
وانتقد الدكتور خالد أمين، الأمين العام المساعد لنقابة الأطباء، تعليق عمرو أديب، قائلا عبر حسابه على فيسبوك: “الدولة لم تعلم الأطباء مجانًا، بل هو حق دستوري ومن ضرائب المواطنين وجيوبهم.. حتى التعليم المجاني الآت لم يعد مجانيًا إلا شكلا، فالأطباء يتعلمون أكثر من خلال الدورات والكورسات والبرامج التدريبية الخارجية والاشتراك في المجلات العلمية وحتى شراء الكتب لا توفره الجامعات”.
وأضاف: “أطباء الجامعات الخاصة يتعلمون على حسابهم وكذلك الأهلية فلا يستقيم حديثك تجاههم.. لو عاوز الأطباء تدفع قبل السفر وهذا أمر غير دستوري وتمييزي استغرب طرحه من شخص المفترض أنه قارئ جيد لدستور، هل تستطيع تنفيذه على المعلمين والتجاريين والمهندسين والإعلاميين والصحفيين والتعليم الصناعي وغيرهم لأنهم جميعا تعلموا علي حساب الدولة على حد قولك”. وتساءل أمين: “هل دفعت أنت تكلفة تعليمك قبل سفرك للعمل في أوربت؟”.
الأطباء: المنظومة الطبية في مصر تنهار
وعلق الدكتور إبراهيم الزيات، عضو مجلس نقابة الأطباء، على أزمة أطباء جامعة الإسكندرية، مؤكدا أنه حذر منه تكرارا ومرارا ومنذ سنوات، وأنه جراء تجاهل تام لشباب الأطباء في مصر.
وأضاف عضو مجلس نقابة الأطباء، في تصريحات خاصة لـ”كشكول”، أن المنظومة الطبية في مصر وما يحدث لها يعرضها للانهيار، موضحا أن الضحية في النهاية هو المريض المصري.
ورأى عضو مجلس نقابة الأطباء في مصر، أن الطبيب المصري بحاجة إلى 3 أمور مهمة، وهو (تدريب طبي مستمر – بيئة عمل آمنة وآدمية – دخل معيشي يوفر له حياة كريمة)، مشيرا إلى أن الظاهرة الآن هو استقطاب دول العالم سواء الخليج أو أوروبا لشباب الأطباء المصريين وليس الكبار كما كان في السابق.
وأوضح الزيات، أن ذلك يسبب نزيفا للكوادر الطبية المصرية والتأثير على المنظومة الطبية في مصر، حيث يسعى الطبيب الشاب إلى تأمين مستقبله المالي والبحث عن دخل جيد، قائلا:”الطبيب الشاب الآن يعمل في أكثر من مكان من أجل توفير الدخل المناسب له والحصول على الماجستير والدكتواره والزمالة.. كما أن الضغط والعمل في أكثر في مكان للطبيب يعرضه للإرهاق والموت فجأة وفي النهاية يتأثر المريض نتيجة عدم توافر العديد من العوامل داخل المستشفيات”.
أول تعليق برلماني عن هجرة الأطباء للخارج
من جانبه، قال النائب محمد البدري، عضو لجنة الصحة بمجلس الشيوخ، إن خبر خلو ١١٧ درجة جامعية بمستشفيات جامعة الإسكندرية “لم يكن صادمًا بالنسبة لي.. هو أمر متوقع وبشدة..!”، متابعا “بالمناسبة ليس كل شباب الأطباء الذين استقالوا او لم يستلموا النيابات لديهم نية السفر للخارج.. كثيرين منهم يفضل العمل بوزارة الصحة سواء بالتأمين الصحي أو حتى التكليف بمناطق نائية بسبب المقابل المادي المضاعف في هذه الحالة..!”.
وأضاف عضو لجنة الصحة بمجلس الشيوخ، حسب منشور له على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” قائلًا “المشكلة أساسها أن نيابة الجامعة التي كانت تمنح العديد من الامتيازات لم تعد كما كانت على كل المستويات، حتى المقابل المادي أصبح يوازي أو ربما أقل من وزارة الصحة، ولكن مع حجم رهيب من العمل المتواصل والانهاك البدني والنفسي”. وتابع عضو لجنة الصحة بمجلس الشيوخ، قائلا “لست من هواة جلد الذات.. ولكن اعتقد أن وزارة التعليم العالي والمجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية بحاجة إلى إعادة نظر سريعة في هذا الشأن، وتوفير امتيازات واضحة للنيابات الجامعية.. اذا أردنا الحفاظ على مستوى الخدمة والتعليم الذي يقدم في هذه المستشفيات..!”.
كما علق النائب محمد البدري عضو لجنة الصحة بمجلس الشيوخ، على حديث الإعلامي عمرو أديب، حول هجرة الأطباء للخارج. وقال على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: «عطفًا علي الجدل الدائر حول هجرة الأطباء واقتراحات البعض غير الدستورية علي الإطلاق بفرض رسوم علي الاطباء الراغبين في السفر للخارج، فاعتقادي أن الأزمة الحقيقية ليست في سفر الاطباء في المطلق بقدر ماتتعلق بسفر الجيد من الأطباء».
وأكد أن الدولة اتخذت مسارًا واضحًا منذ سنوات الكوفيد بأن تستغل موطن القوة الاكبر وهى القوة البشرية الشابة في مصر وقررت التوسع في إنشاء كليات الطب الخاصة والأهلية، مضيفا: «سنوات قليلة وسيصبح على أرض مصر عدد غير قليل من الأطباء حديثي التخرج يبحثون عن مستقبل لهم، منهم من سيختار السفر للخارج وهو حقه تمامًا، ومنهم من ستمنعه ظروفه الاجتماعية أو حتي رفضه لفكرة الاغتراب وسيبقي».
وأوضح أن التحدي الحقيقي في رأيي ينقسم إلى جزئين أساسيين، الأول أن نحرص على أن يكون المنتج أو الخريج على مستوى جيد، والثاني أن نمتلك منظومة طبية منظمة وقوية و«مجزية» لاقناع هذا «الجيد» منهم أن يبقي على أرض مصر، ومن غير المفيد مناقشة اي منظور مختلف عن هذا.
واختتم: «يبقي أن ابدّي إعجابي بالاستنكار الذي عبر عنه عمرو أديب بأن هو كل طبيب يتضرب في الطوارئ يرغب في الهجرة، فهو استنكار ايقوني يذكرني بـ ريا حين قالت بنت الحرام عضتني في أيدي وأنا بخنقها».

أول تعليق من جامعة الإسكندرية على استقالة أطبائها المقيمين بالمستشفيات
وفي ذات السياق، أعلنت مستشفيات جامعة الإسكندرية، عن توفر 117 فرصة وظيفة للأطباء المقيمين في التخصصات الإكلينيكية، وذلك للأطباء التابعين لمستشفيات جامعة الإسكندرية ومعهد البحوث الطبية.
وفقا لبيان رسمي لإدارة مستشفيات جامعة الإسكندرية، تقرر انعقاد جلسة تكميلية علنية يوم السبت 26 أبريل الساعة الحادية عشر صباحًا بالقاعة الكبرى بمركز المؤتمرات بكلية الطب للأطباء خريجي كلية الطب دور أكتوبر 2022 ودور أبريل 2023 وأسنان 2021 الذين سبق لهم أن أبدوا رغبتهم أن يكونوا في قائمة الاحتياطي في الاجتماع الذي عقد يوم السبت الموافق 14/9/2024 للاختيار من تلك الوظائف وذلك حسب الترتيب والمجموع التراكمي المطلق لنفس الدفعة وذلك طبقًا للقرار الوزاري رقم 1161 بتاريخ 3052011 الصادر بشأن اللائحة الأساسية للأطباء المقيمين بنفس الشروط الواردة سابقا.
وقد أصدرت جامعة الإسكندرية بيانا حول ما أثير على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن استقالة عدد كبير من الأطباء، قائلة: “ردا على ما أثير مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي عن إعلان الوظائف الشاغرة الجلسة التكميلية للأطباء المقيمين بمستشفيات جامعة الإسكندرية في أبريل 2025 وفقا للإعلان الصادر في هذا الشأن نوضح أنه طبقا للائحة الأساسية للأطباء المقيمين يتم انعقاد جلسة أساسية لاختيار الوظائف في شهر سبتمبر كما يتم عقد جلسة تكميلية في أبريل التالي”.
وأضاف البيان: “وتكون الجلسة التكميلية في التخصصات المختلفة التي خلت لأي سبب من الأسباب إما أن تكون من الوظائف المتبقية من الجلسة الأساسية أي بسبب تنازل بعض الأطباء عن وظيفتهم والعودة إلى مستشفيات وزارة الصحة للالتحاق بإحدى نيابات وزارة الصحة في التخصص الذي يرغب فيه والذي قد يكون نفذ في الجلسة الأساسية ويكون متاحا في إحدى المستشفيات التابعة لوزارة الصحة أو الهيئات الأخرى”.
وتابع البيان: “أو قد يجد الطبيب فرصة أفضل خارج الجامعة حسب رغبته الشخصية وهذا متاح حسب اللوائح والقوانين وهو أمر معتاد عليه طبقا للوائح وقوانين جامعة الإسكندرية”.
وأوضحت “أنه فى ختام البيان بأن مستشفيات جامعة الإسكندرية ملتزمة بتطبيق القوانين واللوائح المنظمة لعملية اختيار الأطباء المقيمين والآلية المتبعة هى التي تتبع منذ سنوات طويلة”.
نقلاً عن : كشكول
لا تعليق