هل تتمكن “جيب” من العودة بنكهتها الأصلية بعد كبوتها؟

بقلم: ألبرتينا تورسولي وغابرييل كوبولا
بدا الممثل الأميركي الشهير هاريسون فورد جالساً في كوخ ريفي أمام مدفأة يشتعل فيها الحطب وبيده كوب مشروب ساخن وطفق متحدثاً عن الحياة والأبطال والحرية، وكان يقصد حرية اقتناء سيارة شرهة للوقود أو مركبة كهربائية، أما ما كان يجمع بينهما فهو أنهما تحملان علامة ”جيب“.
كان هذا في إعلان شاهده نحو 100 ألف مشاهد لدى عرضه في بداية الربع الأخير من مباراة السوبر بول لهذا العام بين فريقي ”فيلادلفيا إيغلز“ و“كانساس سيتي تشيفز“، وجلب إليهم قدراً من التلطيف في أجواء المباريات الساخنة.
قال فورد في الإعلان التلفزيوني الذي استغرق دقيقتين، بينما ظهرت على الشاشة لقطات قصيرة لسيارات “جيب” من حقبة الحرب العالمية الثانية ثم مشهد لسيارتين تجوبان الصحراء مسرعتين: “الحرية هي هدير محرك رجل، وسكون محرك رجل آخر… لن نتفق دائماً على أي طريق سنسلك، لكن اختلافاتنا قد تكون مصدر قوتنا“.
بينما كان فورد يفصل قابس الشحن عن سيارته الهجينة من طراز ”رانغلر” وينطلق بها نحو الجبال، لوح بتحية معتادة بين عشاق سيارات ”جيب“ رافعاً إصبعين لشخص آخر ينطلق في سيارة هجينة قابلة للشحن.
ما الذي حدث لهذه العلامة التجارية؟
الإعلان الذي تبلغ تكلفته ملايين الدولارات هو وسيلة باهظة الثمن لتذكير الأميركيين بمدى حبهم للحرية على هيئة عربة للمسارات الوعرة. لكن بالنسبة لشركة “ستيلانتيس” (Stellantis)، وهي شركة سيارات فرنسية أميركية إيطالية مقرها في هولندا وتملك “جيب” – إلى جانب ”دودج“ و“رام“ و“بيجو“ و“سيتروين“ و“ألفا روميو“ و“مازيراتي“ ومجموعة متنوعة من الماركات الأخرى – فقد كانت محاولة للمساعدة في إحياء علامة تجارية عريقة تدهورت مبيعاتها.
مالكة “جيب” تعلق أعمالها في كندا والمكسيك رداً على رسوم ترمب
لقد حصل الإعلان على الضوء الأخضر من الملياردير جون إلكان، رئيس مجلس إدارة شركة “ستيلانتيس” الذي يبلغ من العمر 49 عاماً، وكان حينها الرئيس التنفيذي الفعلي للشركة. وبعد الإطاحة برئيسها التنفيذي كارلوس تافاريس قبل شهرين، كان أمام إلكان مهمة إصلاحات ضخمة.
من بين الأخطاء الاستراتيجية العديدة التي ارتكبها تافاريس خلال ولايته التي استمرت أربع سنوات لتكتل بلغت قيمته في السابق 93 مليار دولار، ربما كان أفظعها هو سوء إدارة “جيب”، جوهرة تاج ”ستيلانتيس“.
قام برفع الأسعار وزاد إنتاج أغلى طرازات “جيب”، دون استثمار وافٍ في المنتجات الجديدة، ما ترك فجوات كبيرة في تشكيلة قديمة ومخزون متضخم في ساحات الوكلاء.
تجلّى مدى الضرر في يوليو 2024، عندما أعلنت ”ستيلانتيس“ أن صافي دخلها قد انخفض إلى النصف تقريباً.
هل ينقذها سليل العائلة الإيطالية الصناعية الثرية؟
بحلول سبتمبر، أرسل التجار الغاضبون خطاباً مفتوحاً إلى تافاريس يتهمونه بتدمير العلامات التجارية للشركة. إلكان هو زعيم عائلة أجنيلي، النسخة الإيطالية من آل كينيدي. أسس جده الأكبر جيوفاني أجنيلي، المعروف باسم “هنري فورد إيطاليا”، شركة ”فيات“ في عام 1899؛ أما جده المتألق جياني أنييلي فقد تمكن من مضاعفة ثروات العائلة فيما كان يرتاد حفلات مع جاكلين أوناسيس ويمارس القفز من طائرات الهليكوبتر من أجل المتعة.
يدير إلكان، وهو رجل نحيل وأقل شهرة من جده، شركة قابضة تسيطر عليها العائلة في هولندا، وهي ”إكسور“ (Exor)، التي بلغ صافي أصولها 38 مليار يورو (45 مليار دولار) بنهاية عام 2024، وتقدر حصة عائلة أنييلي حوالي 10 مليارات يورو. لا يقتصر دور إلكان على إدارة ثروات نحو 100 من أقاربه فحسب، بل إنه يحاول أيضاً تحويل شركات إيطالية عتيقة إلى شركات عملاقة دولية يمكنها الاستمرار لقرن آخر.
رسوم ترمب تطلق موجة خسائر في بورصات أوروبا بقيادة أسهم السيارات
أصبح هذا المسعى أصعب، إذ تكافح شركات صناعة السيارات القائمة للمنافسة في عصر الكهرباء وصعود الصين.
على مر السنين، قام إلكان، الذي تضم شبكة علاقاته جيف بيزوس وسام ألتمان وبرنارد أرنو من”إل في إم إتش“ (LVMH)، بتنويع أعماله بعيداً عن قطاع السيارات واسع التسويق، ليغامر في مجالات الرفاهية والرعاية الصحية والتقنية.
وقد ساعده ذلك على زيادة صافي قيمة أصول شركة ”إكسور“ 14 مرة لكل سهم منذ مارس 2009، وهو تاريخ إدراج سهمها في ميلانو. كما أصبح مساهماً أصغر في شركة سيارات أكبر، كان يفترض أنها كبيرة بما يكفي للبقاء على قيد الحياة في ظل الاضطرابات التي تشهدها الصناعة.
قدم في صناعة السيارات وعين على التقنية
إن الأصل الأكبر قيمة لديه هو حصة مسيطرة في شركة سيارات منفصلة وأكثر ربحية بكثير، وهي ”فيراري“، التي مثلت ما يقرب من نصف القيمة الإجمالية لشركة ”إكسور“ العام الماضي، بينما شكلت ”ستيلانتيس“ 13% فقط. إذا كانت شركة “ستيلانتيس”، التي تشكلت من اندماج شركة ”فيات كرايسلر“ ومجموعة ”بي إس إيه“ (PSA) الفرنسية عام 2021، هي رابط إلكان بالماضي، فهي أيضا مشكلته، وعبء على محفظته الاستثمارية.
قال كارلو ألبرتو كارنيفالي مافي، أستاذ استراتيجية الأعمال في جامعة بوكوني في ميلانو، في إشارة إلى موقع المقر الرئيسي لشركة فيات: “يتوق جون إلكان إلى استبدال مكابس المحركات بالبكسلات، ومع ذلك فإن الطريق من ميرافوري إلى وادي السيليكون غادر وموحل… ربما يراهن على اندماجات واستحواذات أنيقة لإعادة تعريف الإمبراطورية، لكن صدأ صناعة السيارات في أوروبا يتطلب أكثر من لمسة صاحب رؤية للتألق”.
مع خروج تافاريس، بدأ إلكان ومجلس الإدارة يجوبون العالم بحثاً عن رئيس تنفيذي فريد: شخص يفهم التصنيع وتجارة التجزئة للسيارات، ولكن لديه أيضا رؤية واضحة لمستقبل تحدده البرامج والبطاريات بدلاً من محركات الاحتراق الداخلي؛ ويمكنه إحداث تحول جذري، ويعرف السوق الأميركية لكنه قادر على التعامل مع السياسة الداخلية للحرب الثقافية الثلاثية بين إقطاعيات الشركة الأميركية والفرنسية والإيطالية، ناهيك عن قوة العمل العالمية التي تضم 248 ألف شخص والنقابات المتقلبة.
ارتفاع سعر سيارات “جيب” قد يفقدها زبائن أوفياء
وهو أيضاً شخص يمكنه التعامل مع حزم رئيس مجلس إدارة، وأعضاء جدد كثير منهم معين ليحمي الثروات العائلية والمصالح الوطنية. إنها وظيفة لتحقيق نقلة بقدر ما تشبه مهمة سفير في الأمم المتحدة. وكل ما سلف هو الشطر الداخلي من الوظيفة فقط.
ثم مسألة السياسة العالمية، التي حاول إلكان جلب الاستقرار إليها حين باشر البحث عن الرئيس التنفيذي. شرع في جولة اعتذار دولية، وإصلاح العلاقات مع رئيسة الوزراء الإيطالية ذات الميول اليمينية جورجا ميلوني، التي اشتبكت مع تافاريس بشأن تخفيضات الوظائف الناجمة عن ضعف المبيعات في العلامات التجارية الإيطالية ”ألفا روميو“ و“فيات“ و“مازيراتي“.
وأكد للرئيس إيمانويل ماكرون التزام ”ستيلانتيس“ المستمر تجاه فرنسا، التي تمتلك حكومتها بشكل غير مباشر حصة 6.7% من خلال بنك الاستثمار الذي تملكه الدولة ”بي بيفرانس“ (Bpifrance)، وله مقعد في مجلس الإدارة.
لكن دونالد ترمب كان أكبر مشاكل إلكان. فتعهدات الرئيس المعاد انتخابه بإلغاء أهداف السيارات الكهربائية وإعادة وظائف التصنيع إلى الولايات المتحدة تتعارض مع استراتيجية تافاريس للتكتل، التي كانت إعادة تشكيل ”ستيلانتيس“ كشركة تصنيع بلا جنسية جاهزة للتحول نحو السيارات الكهربائية.
دليل الرئيس التنفيذي لبلوغ ما يريد من ترمب
جاء إلكان، مثل كثير من رؤساء الشركات الذين يأملون في أن يكونوا إلى يمين ترمب، إلى واشنطن حاملاً الهدايا. كان هناك تبرع بقيمة مليون دولار من ”ستيلانتيس“ لصندوق تنصيب ترمب، إلى جانب وعد بأكثر من 5 مليارات دولار من الاستثمارات الجديدة، بما في ذلك التعهد بإعادة فتح مصنع تجميع في إلينوي كان قد أُغلق بشكل مثير للجدل خلال رئاسة بايدن.
قبل ترمب عرض السلام، ثم أطلق وابلاً من إعلانات الرسوم والسياسات، مزعزعاً استقرار صناعة السيارات من خلال قلب سلاسل التوريد، وتخريب قرارات الاستثمار وترك شركات صناعة السيارات على المحك تواجه مليارات الدولارات من الرسوم الجمركية الجديدة.
في مكالمة هاتفية في فبراير مع المستثمرين الذين يراجعون النتائج السنوية لشركة “ستيلانتيس”، دحض إلكان ما أوحى به سؤال أحد المحللين، الذي سأل عما إذا كان سيفكر في تفكيك الشركة.
نظراً للوتيرة غير المتساوية لاعتماد السيارات الكهربائية عالمياً والتوترات الجيوسياسية المتزايدة، قال إلكان إن شركة ”تويوتا موتور“ (Toyota Motor) وشركات أخرى، رغم ذلك، تكتسب حصتها بسبب انتشارها العالمي. أضاف: “أعتقد أنه في حالتنا، إذ لدينا نطاق إقليمي وآخر عالمي، نحن في الواقع مجهزون جيداً للعالم المقبل.” وقد رفض كل من إلكان وتافاريس التحدث إلى ”بلومبرغ بيزنس ويك“ عند إعداد هذا التقرير.
اختيار رئيس تنفيذي من الداخل
بعد محاولة جذب عدة مرشحين خارجيين لمنصب الرئيس التنفيذي، ظل المنصب شاغراً لمدة ستة أشهر تقريباً، حتى أواخر مايو، عندما أعلن إلكان والمجلس أخيراً أنهم لم يستقطبوا شخصا خارجياً لقيادة الشركة في معركتها من أجل البقاء ولكنهم عمدوا إلى ترقية شخص داخلياً.
سيكون أنطونيو فيلوسا، وهو إيطالي أدار بنجاح قسم “ستيلانتيس” في أميركا الجنوبية وكان يعمل في الشركة لمدة 26 عاماً، الرئيس التنفيذي الجديد. ارتفعت مكانة فيلوسا وسط نزوح جماعي للإدارة العليا تحت قيادة تافاريس؛ قبل سبعة أشهر فقط رُقي ليدير عمليات أميركا الشمالية. لكن من نواحٍ عديدة، كان تعيينه رئيساً تنفيذياً بمثابة اعتراف ضمني بما لم يكن أحد على استعداد لقوله بوضوح: لم يكن أصحاب المواهب الخارجيين يتوقون إلى هذه الوظيفة.
في البداية، لم يبد إلكان كشخص مقدر له أن يرعى سلالة السيارات العائلية التي يبلغ عمرها 126 عاما. هو الأكبر من بين ثلاثة إخوة، وكان عمره 5 سنوات عندما انفصل والداه، ونشأ وهو يرعى أشقائه الأصغر سناً بينما كانت والدته تنقلهم بين نيويورك ولندن وباريس والبرازيل.
قطاع السيارات الأميركي ينكفئ على الداخل والصين تتسلم الراية
انتقل في النهاية إلى تورينو لدراسة الهندسة. عندما توفي ابن عم إلكان، الوريث البارز، بسرطان المعدة عن عمر يناهز 33 عاماً، لجأ جده إلى جون، الذي كان يعدّه أيضاً من خلال جعله يعمل تحت اسم مستعار في مصانع السيارات في بولندا والمملكة المتحدة.
انضم إلى مجلس الإدارة في سن 21 وتولى قيادة الشركة بعد ست سنوات، بعد وفاة جده وعم أبيه. في الوقت الذي تولى فيه إلكان المسؤولية، كانت مجموعة ”فيات“ أكبر جهة توظيف صناعية خاصة في إيطاليا، وكانت على وشك الإفلاس. لإنقاذها، عين في عام 2004 سيرجيو ماركيوني، الرئيس التنفيذي الخارجي الذي اعتقد أنه سيهيء”فيات“ لمستقبل مشرق.
كان ماركيوني شخصية لا تعرف التقييد، وكان مدمناً على العمل ومدخناً شرهاً، وكان يحمل ستة هواتف محمولة ليطلق أوامر متزامنةً ولتنسيق الصفقات وللدردشة مع إلكان، وسحر الصحافة بتقييماته الصريحة لصناعة السيارات.
سنين من عدم الاستقرار
أصبح لاحقاً معروفاً في وول ستريت باسم “المايسترو” لإنقاذه ”فيات“، وفي النهاية، شركة السيارات الأميركية ”كرايسلر“. لطالما كانت الأخيرة هي الأضعف في ديترويت، حيث كانت تتأرجح بين الطفرات والكساد وتنتقل إلى ملاك مختلفين يسعون إلى الاستفادة من موطئ قدمها الأميركي.
أنقذ لي إياكوكا الشركة بتأمين خطة إنقاذ من الكونغرس عام 1979، ثم ابتكر فئة جديدة رائجة هي ”ميني فان“. عندما حدثت الأزمة المالية عام 2008 واحتاجت ”كرايسلر“ إلى خطة إنقاذ حكومية أخرى، انقض ماركيوني وإلكان عليها.
أعاد ماركيوني الحياة إلى شركة ”فيات كرايسلر أوتوموبيلز“، وهو الاسم الجديد للشركة بعد أن اشترت ”فيات“ الحصة المتبقية في الولايات المتحدة في 2014، من خلال إعادة إحياء علاماتها التجارية الأكثر قيمة، “جيب” و“رام“.
الشركة الأم لـ”كرايسلر” تقدم عرضاً لتقاعد موظفيها في الولايات المتحدة
في عام 2016، أعاد تجهيز مصانع سياراته لإنتاج مزيد من سيارات الدفع الرباعي والشاحنات، متوقعا تحول الأميركيين إلى سيارات ”كروس أوفر“ والشاحنات الصغيرة. نمت حصة سيارات الدفع الرباعي من 38% من السوق الأميركية في عام 2016 إلى 60% في عام 2024، بينما كانت مبيعات السيارات تنخفض، وفقاً لشركة ”كوكس أوتوموتيف“.
وكانت شركتا ”جنرال موتورز“ و“فورد موتور“ ستتبعان عمّا قريب التحول إلى مزيد من إنتاج سيارات الدفع الرباعي والشاحنات. خلال ولايته التي استمرت 14 عاماً، زاد ماركيوني مع إلكان قيمة أعمال السيارات بأكثر من 10 مرات من خلال دمج ”فيات“ مع ”كرايسلر“ ثم فصل ”فيراري“ لاحقاً.
“اعترافات مدمن رأسمال”
طرح ماركيوني آراءه حول صناعة السيارات في بيان بات شهيراً بعنوان “اعترافات مدمن رأسمال”، الذي قدمه على شكل عرض شرائح من 25 صفحة في ربيع عام 2015.
حاجج بأن الدمج هو السبيل الوحيد للصناعة لتحقيق قابلية البقاء على المدى الطويل. كانت النفقات الرأسمالية لمصنعي السيارات تتزايد باطراد لمواكبة التقنية – المحركات الكهربائية والبطاريات، وهندسة البرمجيات الجديدة، وأجهزة الاستشعار لميزات مساعدة السائق المتقدمة – لكنهم لم يحققوا عائداً جيداً على استثماراتهم.
كما حاجج بأنه يجب عليهم بدلاً من ذلك تجميع جهودهم، ومشاركة المكونات الموجودة تحت غطاء المحرك التي لن يراها المستهلك أو يلمسها أبداً، وتركيز ميزانيات البحث والتطوير على الميزات التي من شأنها أن تميز العلامات التجارية حقاً.
لم تكن المشاريع المشتركة أو التعاون لمرة واحدة كافيةً. وحاجج ”المايسترو“ بأنه من أجل تأمين حقيقي لصناعة السيارات في المستقبل، تحتاج الشركات إلى الاندماج، إما مع بعضها البعض أو مع عملاق تقني راسخ، لتحقيق الحجم اللازم للبقاء.
“ستيلانتيس” تخطط لإنتاج سيارة كهربائية بسعر 27 ألف دولار
أقرّ بأن مثل هذا الاندماج من شأنه أن يحمل مخاطر تنفيذية، لكنه في النهاية مسألة “أسلوب القيادة والقدرة” – أي أسلوبه، على الرغم من أن هذا الجزء لم يكن جلياً حينها. لم تتح الفرصة لماركيوني أبداً لإثبات طرحه هذا. فقد رُفضت محاولة الاندماج مع ”جنرال موتورز“، وفي عام 2018 توفي فجأة بعد خضوعه لعملية جراحية.
صدم ذلك إلكان، الذي لم يكن على علم بالمشاكل الصحية التي يعاني منها ماركيوني. وعين أحد كبار مساعديه، الرئيس التنفيذي السابق لشركة “جيب” مايك مانلي، رئيساً تنفيذياً. وأصبحت المهمة هي زيادة الأرباح لتجهيز شركة ”فيات كرايسلر“ لاندماج آخر، وهذه المرة مع شركة لديها تقنية السيارات الكهربائية – وهو أمر تجاهله ماركيوني إلى حد كبير، لكن شركة صناعة السيارات كانت في أمس الحاجة إليه الآن.
لم تكن مجموعة ”بي إس إيه“، التي يديرها تافاريس، الخيار الأول لإلكان، لكنها كانت تملك تقنية السيارات الكهربائية، وكان يُنظر إلى تافاريس على أنه بطل في فرنسا لإحيائه الشركة.
في عام 2021، أكمل إلكان وعائلة ”بيجو“ الفرنسية اندماجاً وأنشأوا شركة ”ستيلانتيس“، مع تافاريس كرئيس تنفيذي وإلكان كرئيس.
شعرت الحكومة الفرنسية بأن تافاريس، الذي ولد في البرتغال وتلقى تعليمه في فرنسا، سيكون حامياً لمصالحها، وكان لدى إلكان قائد يمكنه أن ينقل ”فيات كرايسلر“ إلى القرن المقبل، وانتقل مركز ثقل الشركة إلى باريس.
تنحى إلكان، الذي كانت تربطه علاقة عمل وثيقة مع ماركيوني، عندما تولى تافاريس المسؤولية، ورضي مجلس الإدارة بالأرباح المستمرة المتدفقة تحت قيادة تافاريس. قال متحدث باسم ”ستيلانتيس“ إن دور إلكان في ذلك الوقت لم يتطلب منه المشاركة اليومية في الشركة. وكان لديه أجزاء أخرى من أعمال العائلة ليهتم بها، بما في ذلك ”فيراري“ ومجلة ”إيكونوميست“ والمراهنات على الرعاية الصحية والتقنية.
كان يشغل منصب الرئيس التنفيذي المؤقت لشركة ”فيراري“ وكان له اختيار ملهم فيما يخص قيادة صانعة السيارات الخارقة بمشاركة بينيديتو فينا، وهو فيزيائي إيطالي رائد في استخدام أجهزة استشعار الحركة ثلاثية الأبعاد في ”نينتندو وي“ و“أيفون“. كان إلكان وفينا يتبادلان الكتب بانتظام حول التقنية والفلسفة.
صداقة مع إيلون ماسك
أقام إلكان صداقة مع إيلون ماسك بعد أن ساعدت إحدى شركاته، ”تسلا“، في زيادة إنتاج طراز (3)، ودعاه للانضمام إليه في محادثة ودية خلال أسبوع التقنية الإيطالي لعام 2021، حيث أعرب الاثنان عن تعاطفهما بشأن توجيه الشركات خلال الأزمات.
كما كان إلكان يضخ مئات الملايين في شركات التقنية ويختلط مع النافذين في وادي السيليكون كزميل قطب إعلامي في مؤتمر ”ألين آند كو“ للتقنية في صن فالي بولاية أيداهو.
في الوقت نفسه، مضى تافاريس قدماً في رؤيته. متماهياً مع ماركيوني، قال إن الحجم كان مفتاح بقاء ”ستيلانتيس“، لكن مع تنويه إلى أن السيارات الكهربائية هي مستقبل الشركة. ووضع خطة لاستثمار أكثر من 30 مليار يورو لكهربة خطوط طراز ”ستيلانتيس“، وبناء مصانع للبطاريات في جميع أنحاء أوروبا وأميركا الشمالية، وإقامة شراكات تقنية للوصول إلى شرائح أكثر تقدماً وتحسين تطبيقات البرامج في السيارات.
قال جميع ما يُنتظر منه أن يقوله: ستمنح العلامات التجارية التي يزيد عددها عن 12 علامة تجارية لشركة ”ستيلانتيس“ أخيراً الموارد اللازمة للتنافس. وأخبر المستثمرين في أوائل عام 2021 أن حجم الشركة سيحميها من القوى المزعزعة التي تعيد تشكيل الصناعة مع توفير مليارات الدولارات. بدأ في خفض الوظائف ورفع الأسعار للاستفادة من نقص الإمدادات الناجم عن الوباء.
هل تغزو الشاحنات الخفيفة طرق الولايات المتحدة بعد رسوم ترمب؟
أنتج هذا المزيج دفعة لتسجيل أرباح قوية، إذ حققت ”ستيلانتيس“ في السنة الأولى هامش ربح بنسبة 12% تقريباً وكان ذلك موضع حسد ديترويت. وكان يصعب الجدال مع النتائج المالية.
الشيء الوحيد الذي لم يكن لدى تافاريس فهم جيد له هو السوق الأميركية. ولم يكن يستمع إلى المديرين التنفيذيين الأميركيين المتمرسين فيها. عندما ارتفعت أسعار الفائدة، رفض خفض أسعار السيارات أو جعل مزيد من الميزات قياسية في الطرز الأساسية. بدلاً من ذلك، أبقى الأسعار مرتفعةً وخفض النفقات بقدر أعمق داخلياً.
على مدى أربع سنوات، طرد أكثر من 50000 شخص، أو ما يقرب من 17% من قوة العمل. واستبدل المهندسين في الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا، الذين كانوا على مدى عقود يُعدّون سيارات ”سيتروين“ و“فيات“ و”جيب”، بآخرين أدنى أجوراً في البرازيل والهند والمغرب. وطالب الموردين ببيع قطع الغيار له بسعر التكلفة تقريباً، ثم رفض طلبات زيادة الأسعار لتعويض التضخم، ما أثار دعاوى قضائية وحتى إغلاقات مصانع.
وقد جاراه مجلس الإدارة طالما ظلت “ستيلانتيس” رابحةً، حتى بينما كان تافاريس يفرغ جوهر أهم علاماتها التجارية. (قال متحدث باسم الشركة إن مجلس الإدارة لم يكن راضياً وطلب من إلكان أن يكون أكثر انخراطاً في يونيو 2024 مع ظهور المشاكل).
تفاقم الأزمة في العمليات الأميركية
بحلول منتصف عام 2024، لم يعد بإمكان تافاريس تجاهل مشاكل الولايات المتحدة. وكان كبار المديرين التنفيذيين يغادرون الشركة فيما تتراكم السيارات غير المباعة مع غياب تغيير في الاستراتيجية.
في ذلك الصيف، جمع تافاريس المستثمرين في المقر الرئيسي للشركة في الولايات المتحدة في أوبورن هيلز بولاية ميشيغان، ووعد بتحقيق هوامش ربح مزدوجة الرقم مرة أخرى. وقدم اعتذاراً عن النشاط في الولايات المتحدة، معترفا بأنه كان “متعجرفاً”. لكن كانت لديه خطة: مجموعة من طرازات السيارات الكهربائية الجديدة، دون أن يعير بالاً إلى أن تباطؤ مبيعات السيارات الكهربائية كان قد بدأ يجبر ”فورد“ و“جنرال موتورز“ على خفض الإنتاج.
لم يسر طرح المركبات الجديدة على ما يرام، فقد قلص تافاريس أطقم العمل في المصنع وطرد مجموعة كبيرة من قادة التصنيع ذوي الخبرات التي بنوها على مدى عقود، وأعاق ذلك طرح كل من السيارات الكهربائية والمركبات التي تعمل على البنزين.
“ستيلانتيس” تنفق 2.8 مليار دولار لتطوير مصنعيها في كندا لدعم التحوّل الكهربائي
في وقت سابق من ذلك العام، اجتمع عمال خطوط الإنتاج في ديترويت في مكالمات زووم مع مهندس في الهند لاستكشاف المشاكل وإصلاحها. في إحدى الحالات، كان الكابل اللازم لتوصيل الإلكترونيات في شاحنة رام قصيرا جداً، لكن الرسم التخطيطي على كمبيوتر المهندس على بعد 13000 كيلومتر أظهر طولاً مختلفاً.
استغرق الأمر عدة أشهر للتوصل إلى ما كان يمكن أن يستغرق أياماً لو أنه كان متواجداً في نفس المكان، حسبما بيّن أحد قادة نقابة عمال السيارات المتحدة كان جزءاً من المجموعة، لكنه طلب عدم ذكر اسمه لأنه يتطرق لأمور داخلية.
في النهاية، تأخر كثير من حملة منتجات تافاريس، وبلغ تأخير بعض النماذج أشهراً، والبعض الآخر سنوات مع خفوت الضجيج حيال السيارات الكهربائية. أدت التأخيرات إلى تفاقم الصورة المالية المتدهورة بالفعل. فقط عندما أعلنت ”ستيلانتيس“ عن عجز مذهل في أرباحها في يوليو 2024 أدى إلى انخفاض السهم، أدرك مجلس الإدارة مدى الضرر في الولايات المتحدة، وفقاً لأشخاص مطلعين على الوضع طلبوا عدم كشف هوياتهم لأنهم يتناولون شؤوناً داخلية.
إقالة وإطفاء حرائق
بعد مرافقة تافاريس في رحلة إلى الولايات المتحدة في أغسطس، بدأ إلكان في البحث عن خليفة له، وفقاً لأشخاص مطلعين على العملية. في هذه الأثناء، أقنع تافاريس مجلس الإدارة بإقالة مديره المالي واستمر في الدعوة إلى تخفيضات جذرية في التكاليف. لكن حتى داعميه الفرنسيين كانوا يفقدون الثقة.
خلال عطلة نهاية الأسبوع الأولى من ديسمبر، أُبلغ تافاريس بأن أهدافه الاستراتيجية لم تعد تتماشى مع أهداف مجلس الإدارة وأُعلم بقرار إقالته. غادر تافاريس، الذي كان يتوقع أن يستمر في عمله حتى انتهاء عقده في عام 2026، بلا نزاع وقد اصطحب مكافأة قدرها 27 مليون دولار.
قال لـ “بلومبرغ نيوز” في مايو بمقابلة في البرتغال، حيث كان يستثمر في الشركات المحلية ويصنع الشراب في مزرعته: “لقد بذلت قصارى جهدي عندما كنت هناك، مع فريقي… لم أكن وحدي ومع مجلس الإدارة”.
خفض الرسوم يجنّب شركات السيارات الأوروبية خسائر بـ4.7 مليار دولار
بالتأكيد لم تكن “جيب” العلامة التجارية الوحيدة المتضررة، لكنها كان لديها الكثير لتخسره. قيمتها تكاد تكون أسطورية في صناعة السيارات. قليل من المركبات راسخة بعمق في النفسية الأميركية مثل ”رانجلر“ التي اعتادوا رؤيتها تتجول في الصيف بدون سقف أو أبواب.
يتبادل مالكو “جيب” وضع بطات مطاطية على أغطية محركات سيارات بعضهم بعضاً جلباً للحظ وينشر بعضهم صوراً شخصية خاصة في سياراتهم على جماعات دردشة تجمع عشاق ”جيب“. حتى أن بروس سبرينغستين روج ذات مرة للعلامة التجارية، ولم يكن الأمر يبدو مبتذلاً.
لكن المفارقة في “جيب” هي أنها مركبة للطرق الوعرة، والقيادة على الطرق الوعرة مسـألة تخصص، لذا كلما حاولت توسيع نطاق تسويقها، زاد خطر الانحراف عن ما يجعلها فريدة من نوعها. عرض كثير من الراغبين أن يشتروا علامة “جيب” من “كرايسلر” منذ أن استحوذ عليها إياكوكا في عام 1987، وقد أساء إليها كثير من المديرين التنفيذيين أثناء محاولتهم مضاعفة ثرائها.
تغيير طال إرث “جيب”
نجح ماركيوني وخليفته في تحقيق ذلك في الغالب، لكنهما تعثرا في محاولة إدخالها إلى الصين. أخطأت الشركة في حساباتها مرة أخرى في عام 2021، عندما أدخلت “جيب” إلى عالم الفخامة عبر طرازات ”واغونير“ و”غراند واغونير” التي تتسع إلى سبعة ركاب، فتحولت السيارة التي تقتحم التضاريس الوعرة إلى ما يشبه يختاً لليابسة يتجاوز سعره 100000 دولار.
عندما جاءت الخطوة بنتائج عكسية، لم يكن لدى “جيب” ما يكفي من الطُّرز السائدة التنافسية للاعتماد عليها. أوقف تافاريس مؤقتاً إنتاج “جيب تشيروكي“، وهي سيارة رياضية متعددة الاستخدامات متوسطة الحجم بسعر يقل قليلا عن 40000 دولار، وكان يهدف إلى نقل الإنتاج من إلينوي إلى المكسيك وتوفير تكاليف العمالة. كانت ”جراند تشيروكي“ و“كومباس“ ذات المستوى الأساسي بحاجة ماسة إلى التحديث.
الفجوة التي تركها غياب ”تشيروكي“ في قلب سوق سيارات الدفع الرباعي بمثابة هدية للمنافسة. كانت “جيب” تخسر زبائنها لصالح العلامات التجارية ذات الأسعار الأدنى لمقدرتهم مثل ”هيونداي“ ومنافسة ”رانغلر“ صندوقية التصميم ”فورد برونكو“.
“رينو” تستعد لصناعة شاحنات كهربائية في مصنعها شمال فرنسا
مع انهيار حصة “جيب” في السوق، غادر الرئيس التنفيذي للعلامة التجارية في خريف عام 2023، وعُين تافاريس فيلوسا لتولي المسؤولية. بدأ فيلوسا في شركة ”فيات“ عام 1999 كفأر مصنع – وهو مصطلح يستخدمه القطاع لوصف المدير التنفيذي للتصنيع الذي يكافح لفترة كافية في أرجاء المصانع لتقدير تعقيدات التصنيع بكميات كبيرة بالسرعة والجودة – واستمر في إدارة أعمال ”فيات“ في الأرجنتين بنجاح وفي النهاية بجميع أنحاء أميركا الجنوبية.
الآن في ديترويت، كان لدى فيلوسا هدف واحد هو وقف النزيف في “جيب”. لقد خفض الأسعار، وجعل مزيداً من الميزات المتميزة متاحة بلا تكلفة إضافية، وأوقف المصانع حتى يتمكن التجار من بيع المخزون القديم. لكن المشاكل التي ورثها لم يكن لها حلول سريعة. لم يكن لخفض الأسعار والتسويق أن يحققا الكثير. فما تحتاجه العلامة التجارية حقا هو منتجات جديدة.
في عام 2024، انخفضت المبيعات للعام السادس على التوالي، وانخفضت حصة “جيب” في سوق سيارات الدفع الرباعي الأميركية إلى أقل من نصف ذروتها البالغة 13% التي سجلتها في عام 2000، وفقاً لشركة ”إدموندز“.
رسوم ترمب تزيد الطين بلة
ثم في أوائل فبراير، مع استمرار إلكان في البحث عن شاغل لمنصب الرئيس التنفيذي، أعلن ترمب عن سلسلة من الرسوم الجمركية، ما أدى إلى تقويض خطط منتجات ”ستيلانتيس“ كنتيجة لهذه العملية. لقد فرض رسوماً بنسبة 25% على الواردات من كندا والمكسيك، وتخطى الكونغرس في ذلك.
حاول المسؤولون التنفيذيون في ”ستيلانتيس“ في ديترويت تقدير حجم فواتير الرسوم الجمركية، إلى جانب تكلفة نقل الإنتاج وتعديل سلاسل التوريد. وقد تلقوا خطابات من الموردين يطلبون فيها المساعدة المالية لأن عدم اليقين أربك اقتصاد تجارة المركبات المستوردة.
تردد فيلوسا، الذي يدير الآن أميركا الشمالية، في بيع سيارات لم يستطع التنبؤ بتكلفتها، فأوقف الإنتاج في مصنعين في كندا والمكسيك في أوائل أبريل، ما أدى إلى تسريح مؤقت لم يشمل فقط هؤلاء العمال، بل أيضا المئات من أعضاء نقابة عمال السيارات المتحدة في ميشيغان وإنديانا الذين كانوا يصنعون نواقل الحركة ويشكلون الصفائح المعدنية لتركبها مصانع خارج الحدود.
اقتصاد ألمانيا في خطر.. رسوم السيارات تعيد شبح التباطؤ
وتأجلت عودة سيارة ”تشيروكي“، التي طال انتظارها، والمصنوعة الآن في المكسيك، بسبب الحاجة إلى إعادة هيكلة سلسلة توريدها لتقليل تكاليف الرسوم الجمركية. وكانت سيارة ”كومباس“ الأقل تكلفة على وشك الحصول على عملية تجديد طال انتظارها في مصنع في كندا، لكن فيلوسا أوقف إطلاق الطراز الأحدث في الولايات المتحدة، ما أثار حالة من الذعر لدى الحكومة الكندية وقادة العمال.
انتقل إلكان إلى الدبلوماسية في محاولة لإقناع ترمب بأن إبقاء الرسوم الجمركية سيضعف بشكل خطير الصناعة التي أراد حمايتها. انضم إلى الرؤساء التنفيذيين لشركتي ”جنرال موتورز“ و“فورد“ في مكالمة في مارس للتوسل إلى مسؤولي البيت الأبيض من أجل إعفاء السيارات التي امتثلت لشروط العمل وغيرها من المتطلبات في اتفاقية ترمب التجارية الأصلية، وهو ما كان أيضاً حال بعض سيارات ”ستيلانتيس“ الرئيسية.
بعد أسابيع، عاود إلكان زيارة ترمب في البيت الأبيض، وفي أبريل، قدم نداءً من على المنصة في الاجتماع السنوي لمساهمي ”ستيلانتيس“. وقال: “صناعة السيارات الأميركية والأوروبية معرضة للخطر… سيكون ذلك مأساةً، لأن تصنيع السيارات هو مصدر للوظائف والابتكار والمجتمعات القوية“.
رسوم ترمب الجمركية تضغط على أسهم شركات السيارات الأوروبية
قدمت إدارة ترمب في النهاية بعض التنازلات التي ساعدت شركات صناعة السيارات الأميركية. كما وافق الاتحاد الأوروبي في وقت سابق من هذا العام على تخفيف قواعد التلوث، ما أدى إلى تجنيب ”ستيلانتيس“ غرامة تقدر بمليار يورو لتجاوزها أهداف الانبعاثات.
لكن ذلك لم يكن كافياً لتجنب الخسائر المالية الكبيرة. في أبريل، علقت شركة ”ستيلانتيس“ إرشاداتها المالية لهذا العام، مشيرة إلى عدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية، وقال المدير المالي لاحقاً إن الرسوم التجارية ستكلف شركة صناعة السيارات ما يصل إلى 1.5 مليار دولار هذا العام، أي ما يقرب من 27% من صافي ربح عام 2024. (وقد عاودت تفعيل توجيهها في يوليو).
لكن عمال المصانع لم يكونوا يصدقون تلك التفسيرات لمعاناة الشركة. قال كيفن جوتينسكي، رئيس قسم ”ستيلانتيس“ في نقابة عمال السيارات المتحدة في تجمع جماهيري خارج ديترويت: “الرسوم الجمركية مجرد ذريعة“.
البحث عن رئيس تنفيذي حصيف
خلال تلك الفترة، كان إلكان يبحث أيضاً عن الرئيس التنفيذي الجديد لشركة ”ستيلانتيس“ داخل الشركة وخارجها. لقد جسّ نبض خوسيه مونوز، الذي رُقي في نوفمبر ليصبح أول رئيس غير كوري لشركة ”هيونداي موتور“.
وفكر في مارك رويس، الرجل الثاني لماري بارا في ”جنرال موتورز“، وبالرئيس التنفيذي السابق لشركة ”فيات كرايسلر“ مانلي، الذي واصل قيادة سلسلة وكلاء السيارات الأميركية ”أوتونيشن“ بنجاح.
كان إلكان على اتصال أيضاً بلوكا دي ميو، وهو مسؤول تنفيذي سابق في شركة ”فيات“ نفذ تحولاً رائعاً في شركة ”رينو“. لكن بحلول ذلك الوقت، كان دي ميو يستعد بالفعل لوظيفة جديدة خارج قطاع السيارات كرئيس تنفيذي لشركة ”كيرينغ“، وهي مجموعة السلع الفاخرة الفرنسية التي تمتلك علامة ”غوتشي“.
عارض متحدث باسم ”ستيلانتيس“ في رسالة بريد إلكتروني هذا التوصيف، وكتب: “كان لدى مجلس الإدارة عدد من المرشحين الأقوياء المستعدين لتولي دور الرئيس التنفيذي في نهاية العملية، سواء من خارج الشركة أو من داخلها.“
فوضوية سياسات ترمب الاقتصادية تؤرق رؤساء الشركات
في أواخر مايو، أعلنت ”ستيلانتيس“ أنها سترقي فيلوسا لقيادة الشركة. كان الرجل الذي بلغ من العمر 52 عاماً تلميذاً مخلصاً لماركيوني، ويتمتع بسمعة أنه أشبه بحرباء مؤسسية، فهو ذكي وإنساني وقادر على الانتقال بسهولة بين مهارة استذكار أسماء عمال الخطوط وممارسة الضغط على مرؤوسيه ذوي الياقات البيضاء لتحقيق النتائج، حسب وصف أحد زملائه السابقين في البرازيل.
بينما كان إلكان يجوب العالم بحثاً عن قائد خارجي، فقد أخضع فيلوسا أيضا لدورة مكثفة في منصب الرئيس التنفيذي، حيث رقاه ثلاث مرات في غضون ثمانية أشهر. قال متحدث باسم ”ستيلانتيس“: “كان فيلوسا المرشح الأبرز لمجلس الإدارة نظراً لسجله القيادي المشهود له وعقليته التي تضع الناس في المقام الأول”.
في حين أن التعيين الداخلي يعني أن الرئيس الجديد لن يحتاج إلى وقت لتعلم ثقافة الشركة أو تشخيص الأخطاء، إلا أنه عزز أيضاً مدى عدم جاذبية المنصب للمسؤولين الخارجيين، الذين يواجهون خطر مزيد من الخسائر، واحتمال تقليص حجم الشركة، وفوضى الرسوم الجمركية، كما يقول محلل في صناعة السيارات طلب عدم كشف عن هويته لأنه يتطرق إلى تعيين في الشركة.
خسائر فادحة تتلقى الرئيس التنفيذي
كما أشار تعيين فيلوسا إلى تحول مركز القوة الداخلي للشركة من فرنسا إلى ديترويت وإيطاليا، موطن إلكان، التي قُوضت مصانع الشركة فيها في عهد تافاريس. قبل أيام من إقالة تافاريس، تحدث فيلوسا – الذي يتحدث البرتغالية بطلاقة بالإضافة إلى الإنجليزية والإيطالية – بسخرية غير مباشرة من الإدارة التي كانت على وشك أن تغادر. فقد قال مازحاً لمراسل بلومبرغ في نوفمبر: “تحدث بأي لغة تريدها – ولكن ليس بالفرنسية.“ وقد رفض التعليق على هذه المقالة.
في أواخر يوليو، جاء أول ظهور لفيلوسا عبر أول مكالمة أرباح له كرئيس تنفيذي لشركة ”ستيلانتيس“. كانت الشركة قد أعلنت أخباراً قاتمةً: خسارة قدرها 2.7 مليار دولار في النصف الأول من العام، مع أن الجزء الأكبر من آلام الرسوم الجمركية لم يأت بعد في النصف الثاني.
قدم فيلوسا نفسه كقائد يحل المشاكل ويتجه نحو قرارات صعبة، ولكن سرعان ما أصبح واضحاً أنه ما يزال لديه حرائق لإخمادها قبل أن يتمكن من تقديم أي مخطط كبير لإصلاح الشركة.
تحدث فيلوسا عن عكس انخفاض المبيعات في الولايات المتحدة وأوروبا من خلال المنتجات المقبلة، لكنه حذر من أن الخطة الجديدة لن تكون جاهزة حتى أوائل العام المقبل. قال فيليب هوشوا، المحلل في شركة ”جيفريز“ في لندن: “لا شيء ينجح في (ستيلانتيس) على المدى المتوسط إذا لم يصلحوا عمليات الولايات المتحدة بسرعة”.
في غضون ذلك، كان إلكان أكثر انخراطاً مع ”ستيلانتيس“ مما كان عليه منذ سنوات. لقد ساعد في استعادة تيم كونيسكيس، وهو من قدامى المحاربين في الشركة لمدة 30 عاماً وقد غادر في ظل يادة تافاريس، ثم انضم مرة أخرى بعد أسبوع من إقالة تافاريس.
يشتهر كونيسكيس بإحياء علامة ”دودج“ للسيارات القوية بمحركات محسنة تسمى ”ديمون“ و“هيل كات“ و“ريد آي“، ويشرف الآن على استراتيجية البيع بالتجزئة والتسويق في الولايات المتحدة في عهد ترمب. إذا كان هناك أي متحذلق أميركي متبقي في أوبورن هيلز، فسيحاول استدعائه. وهو يحصل على دفعة من ترمب، الذي سيسمح له تراجعه عن أهداف السيارات الكهربائية وقواعد الاقتصاد في استهلاك الوقود بإعادة المحركات التقليدية إلى التشكيلة.
مؤشرات إيجابية لكن هل هي كافية؟
لقد أعاد بالفعل محرك ”هيمي“ (Hemi) الشهير إلى طرازات بيك اب ”رام“، ولدى “ستيلانتيس” أربع سيارات “جيب” رياضية متعددة الاستخدامات جديدة ومحدثة ستصل في وقت لاحق من هذا العام، بما في ذلك سيارة ”تشيروكي“ المفصلية.
في يوليو، ألقى إلكان خطابا في شتوتغارت بألمانيا، حذر فيه صناع السياسات الأوروبيين من الاستهانة بالمنافسة الصينية وحثهم على تخفيف اللوائح وإعادة حوافز السيارات النظيفة لمساعدة “ستيلانتيس” وقريناتها على المنافسة. ثم ساعد في استقطاب أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في التصميم في شركة ”رينو“ لرئاسة تصميم العلامات التجارية الأوروبية لشركة “ستيلانتيس”، وهي ضربة بعد أن تعرضت الشركة لاستنزاف المواهب الهندسية والتسويقية المخضرمة.
لكن التحركات الأكثر دلالة التي أقدم عليها إلكان تحدث خارج أسوار “ستيلانتيس”. بعد أيام من ظهور فيلوسا لأول مرة في وول ستريت، وافقت شركة ”إكسور“ على بيع شركة ”إيفكو غروب“، وهي شركة سيارات نقل بجذور تمتد إلى جد إلكان الأكبر، إلى شركة ”تاتا موتورز“ الهندية المحدودة وشركة دفاع إيطالية مقابل أكثر من 6 مليارات دولار.
كانت هذه علامة أخرى على أن السليل يحرر نفسه من التصنيع لتحرير النقد للاستثمار في الصناعات عالية النمو مثل التقنية والتقنيات الحيوية وقطاع الرفاهية. في بداية عام 2025، انضم إلكان إلى مجلس إدارة شركة ”ميتا بلاتفورمز“، بينما استثمرت شركة ”إكسور“ أيضاً في شركة تحليلات البيانات وزادت حصتها في شركة تقنيات الرعاية الصحية ”كونينكليكي فيليبس“ (Koninklijke Philips).
قد يكون هناك مزيد من الصفقات في المستقبل لشركة “ستيلانتيس”: في وقت سابق من هذا العام، استأجر إلكان شركة ”مكينزي أند كو“ (McKinsey & Co) لتطوير استراتيجية لعلامتي ”ألفا روميو“ و“مازيراتي“ المتعثرتين، واللتان تواجهان رياحاً معاكسةً أخرى من رسوم ترمب. سعى فيلوسا إلى تهدئة التكهنات، حيث صرح لصحيفة ”إل سولي 24 أوري“ المالية الإيطالية أن ”مازيراتي“ ليست مطروحة للبيع.
يبدو أن خطة “ستيلانتيس”، على الأقل في الوقت الحالي، هي إعادة الشركة إلى وضع مالي يمنح إلكان أفضليةً. قال متحدث باسم “ستيلانتيس” إن رئيس مجلس إدارتها “لم يتراجع أبداً في وجه المشاكل” وكان “مالكاً داعماً خلال الأوقات الصعبة” من خلال منح الإدارة الموارد اللازمة للتكيف.
لكن بقدر ما يقدر إلكان الابتكار، فهو رجل صناعة، تماماً مثل جده الأكبر. واجبه الأساسي الآن هو لعب دور المستثمر وتوسيع ثروة العائلة، وليس القتال في قطاع السيارات الذي تخبو جذوته. سيعمل على تقليص أجزاء من إمبراطورية ”إكسور“ ليتحول إلى أشياء أكثر ربحية إن احتاج – وقد همّ بذلك.
نقلاً عن: الشرق بلومبرج