هل تكفي مليون دولار لتشعر بأنك مليونير في زمننا هذا؟

في خواتيم القرن التاسع عشر، كان هناك 4047 مليونيراً في الولايات المتحدة، وفقاً لتحقيق أعدته صحيفة نيويورك تريبيون، الغابرة وتطلب 18 شهراً أدرجتهم بعدها جميعاً بالأسماء في طبعة خاصة نشرتها عام 1892.
يتجاوز عدد الأسر المليونيرة اليوم 24 مليوناً، أي ما يقارب أسرة من كل خمس أسر أميركية، وفقاً لتحليل بلومبرغ لبيانات المسوحات الحكومية حتى عام 2023. وقد أصبح ثُلث هؤلاء مليونيرات منذ عام 2017، مع ارتفاع أسعار المنازل وسوق الأسهم. لكن هذا لا يعني أن جيوبهم عامرة بالمال.
إن ثروات أصحاب الملايين تتراكم في أصول يصعب الوصول إليها بسرعة أو بسهولة، مثل ملكية منازل، أو بشكل متزايد، أصول التقاعد المقيدة بالعمر مثل حسابات 401 “كيه” (k) وحسابات التقاعد الفردية.
إذا أضفنا إلى ذلك آثار التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، فإن المستشارين الماليين يقولون إن مليون دولار لم يعد يضمن تقاعداً آمناً، ناهيك عن أن يكون تذكرة ذهبية لدخول طبقة الأثرياء.
عدد المليونيرات في العالم يسجل رقماً قياسياً بدفع من الطفرة الأميركية
قال أشتون لورانس، المستشار في شركة ”مارينر ويلث أدفايزرز“ (Mariner Wealth Advisors) في غرينفيل بولاية ساوث كارولاينا: “كانت كلمة مليونير تعني في السابق الثراء التلقائي. لقد تغيرت المعايير. ما يزال هذا إنجازاً ذا معنى، ولكنه لم يعد كافياً لمعظم الناس”.
يأخذ حد المليون دولار المستخدم في التحليل في الاعتبار الديون والالتزامات الأخرى. برغم هذا الثراء النسبي، نادراً ما يملك أصحاب الملايين اليوم ما يقارب المليون دولار لإنفاقه كما يحلو لهم.
بالنسبة للأسر التي تُعتبر مليونيرة بالحد الأدنى، أي الأسر التي تتراوح ثروتها الصافية بين مليون ومليوني دولار، فإن الغالبية العظمى من هذه الثروة غير سائلة.
في عام 2023، كان 66% من ثرواتهم عادةً مستثمراً في منزل أساسي وحسابات تقاعد، بزيادة قدرها ثماني نقاط مئوية عن عام 2017.
ما هو مستوى الثراء الذي يتيح الإنفاق بحرية؟
يحتاج أصحاب الملايين عادةً إلى أن يكونوا أثرى بكثير ليتمكنوا من الإنفاق بحرية. في عام 2023، كان حوالي 24% من ثروات الأسر التي تملك 5 ملايين دولار أو أكثر متاحاً في حسابات مصرفية أو حسابات وساطة يسهل الوصول إليها، مقارنةً مع 17% للأسر التي تقترب من حاجز المليون دولار.
يستخدم تحليل بلومبرغ بيانات من مسح الدخل والمشاركة في البرامج، وهي دراسة أعدّها مكتب الإحصاء الأميركي وتتابع عشرات آلاف الأسر على مر فترة زمنية معينة. أظهر تحليل منفصل لمسح أصغر أعده الاحتياطي الفيدرالي لتمويل المستهلك من عام 1989 إلى عام 2022 زيادة سريعة مماثلة في عدد ونسبة الأسر المليونيرة في السنوات الأخيرة، وأكد أن ملكية المنازل وأرصدة حسابات التقاعد تمثل شريحة متنامية من صافي ثروة أصحاب الملايين.
لا شك أن مليون دولار ما يزال مبلغاً من شأنه تغيير حياة معظم الأميركيين. وقد بلغ متوسط دخل الأسرة في عام 2024 مبلغ 83730 دولاراً، بينما بالكاد بلغ متوسط رصيد الحساب في خطط التقاعد لمجموعة ”فانغارد“ (Vanguard)، التي تشمل 4.8 مليون خطة تقاعد، 38000 دولار العام الماضي.
إنفوغراف: دبي أكثر مدينة تضم مليونيرات في العالم العربي
حتى مع ارتفاع عدد أصحاب الملايين في الولايات المتحدة بنسبة 50% خلال ست سنوات، فإنهم يواجهون مجموعة عوامل تجعل استثمار ثرواتهم أصعب. على سبيل المثال، فاقمت أسعار الفائدة المرتفعة مشكلات السيولة. ولجمع السيولة لتغطية نفقات كبيرة، يمكن للمستثمرين وأصحاب المنازل عادةً الاقتراض بضمان أصولهم، لكن التكاليف ارتفعت بشدة.
بلغ متوسط أسعار الفائدة على خطوط ائتمان حقوق الملكية في المنازل 7.89% في أحدث استطلاع من ”بانكريت“ (Bankrate) لأكبر جهات الإقراض، أي ما يقرب من ضعف ما دفعه أصحاب المنازل في أوائل عام 2022. تبدأ قروض الهامش لدى شركات الوساطة الكبرى مثل ”فيديليتي“ (Fidelity) و“فانغارد“ و“تشارلز شواب“ (Charles Schwab) الآن من 10% أو 11%، وتختلف بناءً على حجم المحافظ.
ارتفاع أسعار الفائدة عنصر ضاغط على الثراء
قالت نيكول غوبويان ويريك، المخططة المالية ورئيسة شركة “بروسبيريتي ويلث ستراتيجيز“ (Prosperity Wealth Strategies): “عندما ترتفع أسعار الفائدة، وبغض النظر عن قيمة أصولنا، نشعر بانخفاض ثروتنا”.
يستطيع “المليونير الورقي” دائماً بيع أصوله مباشرةً، لكن في هذه الأيام، لديهم أسباب أكثر للتردد. إن بيع منزل لا يقتصر على متاعب كبيرة وتكاليف معاملات باهظة فحسب، بل يحتاج مالكو المنازل أيضاً إلى إيجاد مكان آخر للعيش فيما انخفضت القدرة على تحمل تكاليف السكن في الولايات المتحدة.
قد يعني الانتقال التخلي عن سعر فائدة رهن عقاري أقل بكثير مما هو متاح اليوم. حتى لو كانوا يمتلكون أصولاً كبيرة خارج منازلهم وحسابات تقاعد مقيدة بالعمر، فإن تسييل هذه الثروة قد يكون صعباً. ويحذر المستشارون من أن العملاء الذين يحققون مكاسب كبيرة في الأسهم قد يجدون أن البيع يؤدي إلى فواتير ضريبية ضخمة.
ترمب يدرس إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية على مبيعات المنازل
هناك تباين كبير بين عدد المليونيرات في كل جيل وتقسيم ثرواتهم. فقط عدد المليونيرات المولودين قبل عام 1946 انخفض مع رحيل الجيل الصامت. في غضون ذلك، كان لدى كبار السن الأميركيين وقت أطول لتكوين مدخرات التقاعد 401 “كيه” أو حسابات التقاعد الفردية، التي يمكنهم عموماً الاستفادة منها بحرية بدءاً من ستة أشهر قبل بلوغهم الستين.
يظهر تحليل بلومبرغ أن أصحاب الملايين من جيل الألفية لا يحتفظون إلا بحوالي 27% من ثرواتهم في حسابات التقاعد، مقارنةً مع 37% أصحاب الملايين من جيل طفرة المواليد.
قال المستشارون إن وضع المليونير نادراً ما يكفي ليفكر العملاء الأثرياء في ترك وظائفهم. يمكن أن يختلف مقدار المال اللازم للتوقف عن العمل والحفاظ على أنماط حياتهم قبل التقاعد اختلافاً كبيراً.
لكن من الناحية العملية، يبدو الأمر منطقياً. قال لورانس: “التضخم وطول العمر والضرائب والجغرافيا، كلها عوامل مهمة عند تحديد المبلغ الذي قد تحتاجه”.
تقرير: عدد المليونيرات في العالم سيزداد 40% في السنوات الخمس المقبلة
قد يكون أصحاب الملايين قادرين على تحمل تكلفة حياة مريحة للطبقة المتوسطة. لكن بالنسبة لكثير منهم، فإن نمط حياة المليونير التقليدي -مثل منازل العطلات، واستئجار الطائرات الخاصة واليخوت، ورحلات التسوق الفاخرة- يتلاشى أكثر فأكثر.
لتوضيح ذلك، دعونا نلقي نظرة على بعض مزايا الأسرة الميسورة في نيويورك: منزل بأربع غرف نوم، وسيارتا مرسيدس سيدان جديدتان، وتعليم جامعي لطفلين، ومنزل صغير للعطلات في شمال الولاية، وقارب سريع بطول 19 قدماً. قبل أقل من عقد، كان هذا ليكلف حوالي 1.4 مليون دولار. وبحلول عام 2023، ستبلغ تكلفة نفس السلة 2.1 مليون دولار.
قال توماس مورفي، كبير المخططين الماليين في شركة ”مورفي آند سيلفست“ (Murphy & Sylvest Wealth Management) لإدارة الثروات في دالاس: “هذا أحد الأسباب غير المباشرة للإحباط الذي يشعر به بعض الشباب لعدم قدرتهم على التمتع بمستوى معيشة آبائهم. يعتقدون أن مليون دولار كفيل بحل جميع مشكلاتهم المالية، بينما هم اليوم بحاجة ماسة إلى التفكير في 10 ملايين دولار”.
نقلاً عن: الشرق بلومبرج