هل سيصبح “تيك توك” أداة في الانتخابات الأميركية؟

هل سيصبح “تيك توك” أداة في الانتخابات الأميركية؟

أمضى الرئيس دونالد ترمب قدراً كبيراً مما مضى من ولايته الثانية في إعادة تصوير الحكومة الأميركية كأبرز مستثمر ناشط في العالم. في يونيو، حصلت إدارته على “حصة ذهبية” من شركة ”يو إس ستيل“، التي قال إنها ستسمح لأميركا بالسيطرة على الشركة حتى بعد استحواذ شركة ”نيبون ستيل“ اليابانية عليها.

وبعد شهرين، استحوذت الولايات المتحدة على حصة 10% من ”إنتل“، شركة صناعة الرقائق المتعثرة. تعتمد استراتيجية ترمب الاقتصادية الأوسع على فرض الرسوم الجمركية، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن ذلك يمنحه نفوذاً في مفاوضاته على الصفقات مع شركات تسعى إلى تجنبها.

لقد فعلت إدارته ذلك مع شركة ”فايزر“ في سبتمبر، عندما وافقت شركة الأدوية على بيع الوصفات الطبية مباشرة للمستهلكين عبر موقع إلكتروني يسمى ”ترمب آر إكس“ (TrumpRx) مقابل إعفاء من الرسوم الجمركية.

ماذا تعني مكاسب للجميع في صفقة “تيك توك”؟

تمثل كل خطوة من هذه الخطوات تحولاً كبيراً في العلاقة التقليدية التي تربط الحكومة الأميركية بالقطاع الخاص. لكن لا شيء يضاهي في تأثيره على الحياة اليومية للأميركيين العاديين خطة ترمب المقترحة لنقل ملكية منصة ”تيك توك“ من مالكتها الحالية شركة ”بايت دانس“ الصينية إلى مجموعة مستثمرين أميركيين.

وقّع ترمب أمراً تنفيذياً بالموافقة على الصفقة في سبتمبر في المكتب البيضاوي، محاطاً بأعضاء إدارته، الذين أشادوا بالخطة لتأمين البيانات وحماية الخصوصية ومستخدمي تيك توك في الولايات المتحدة من الدعاية الأجنبية، بالإضافة إلى تحقيق مليارات الدولارات لمستثمرين أميركيين.

لم يناقش الدور الرئيسي الذي ستلعبه إدارة ترمب في تشغيل تطبيق مشاركة المقاطع المصورة الذي يستخدمه حوالي نصف الأميركيين. لكن يبدو أن هذا التحكم جزءٌ أساسي من الصفقة.

إتاحة بيانات للإدارة الأميركية

بالتعاون مع شركة ”أوراكل“، ستعمل الحكومة الأميركية على نسخة جديدة من تيك توك مصممة خصيصا للولايات المتحدة، تضمن السلامة وأمن البيانات، وتدرّب الخوارزمية التي تحدد الفيديوهات التي تظهر في خلاصات المستخدمين، وتفحص شفرة المصدر، وفقاً لمسؤول كبير في البيت الأبيض أطلع الصحفيين على تفاصيل الاتفاق في رسالة بريد إلكتروني. 

كما ينص الأمر الذي وقّعه ترمب للمضي قدماً في الصفقة على أن “المدعي العام سيتلقى أي معلومات من الشركة المشتركة الجديدة” وأن “شركاء الأمن الموثوق بهم قد يشاركون المعلومات أيضاً مع مسؤولين آخرين في حكومة الولايات المتحدة”، ما يشير إلى إمكانية أن الإدارة ستتاح لها بيانات المستخدمين بقدر كبير.

ما تزال الشروط النهائية قيد الإعداد، وستتطلب موافقة الحكومة الصينية، التي لم تصادق علناً على الخطة بعد. برزت حساسية الموقف الأسبوع الماضي عندما ردّ ترمب على ضوابط التصدير الصينية الأخيرة بالتهديد بفرض رسوم جمركية جديدة، ملمحاً إلى أنه لن يمضي قدما في اجتماع مخطط له مع الرئيس الصيني شي جين بينغ. في أبريل، أفشلت معركة مماثلة بشأن الرسوم الجمركية نسخة من هذه الصفقة نفسها.

البيت الأبيض: صفقة “تيك توك” تمنح أميركا السيطرة على مجلس الإدارة

إذا تقدّم اقتراح ترمب، فقد يتمتع الرئيس وحلفاؤه بمساحةٍ هائلةٍ للتأثير على كل شيء، بدءاً من ممارسات ”تيك توك“ في إدارة المحتوى، ووصولاً إلى كيفية تعاملها مع طلبات إنفاذ القانون المتعلقة بمستخدميها، ما يمنح الحكومة الأميركية صلاحياتٍ واسعة على المنصة، وهي صلاحياتٌ لطالما عارضتها شركات التواصل الاجتماعي العملاقة الأخرى. لم تستجب ”تيك توك“ لطلب التعليق.

حالة “تيك توك” ليست بعيدة عن “تويتر”

لطالما ارتبطت وسائل التواصل الاجتماعي بالسياسة الأميركية على مر عقد على الأقل، لكن استحواذ إيلون ماسك على ”تويتر“ عام 2022 أظهر مدى تأثير الملكية ذات الدوافع السياسية على طابع المنصة.

ألغى ماسك تحكم الشركة في إدارة المحتوى، سامحاً بنشر محتوى كانت تعتبره سابقا معلوماتٍ مضللة ومضايقاتٍ غير مسموح بها. كما استخدم الخدمة، التي سماها ”إكس“، كبوق سياسي لدعم حملة ترمب.

بعد إعادة انتخاب ترمب، غيّرت شركة ”ميتا بلاتفورمز“ (Meta Platforms) أيضا سياساتها المتعلقة بالتعبير بطرق أكثر انسجاماً مع الإدارة العتيدة؛ وصرح الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرغ بأن التغييرات عكست بشكل أفضل آرائه الشخصية حول إدارة المحتوى.

بإدارة إيلون ماسك.. “تويتر” لن يموت والعبرة في “تيليغرام”

على نحوٍ متوافق مع شخصيته، كان ترمب صريحاً بشأن رغبته في أن يدعم تطبيق ”تيك توك“ الجديد آرائه السياسية، على الرغم من أنه أشار أيضا إلى أنه لن يضغط في هذا الاتجاه. قال من المكتب البيضاوي في 25 سبتمبر: “لو استطعت جعله حصرياً لحركة (لنعد لأميركا عظمتها) MAGA لفعلت… لكن الأمر لن ينجح بهذه الطريقة، للأسف. سيعامل الجميع بإنصاف – كل مجموعة، كل فلسفة، كل سياسة ستعامل بإنصاف شديد”.

لا يُرجح أن تخفف هذه الوعود المخاوف بشأن تأثير ترمب على إحدى أهم شبكات التواصل الاجتماعي في البلاد. المسؤولون الحكوميون يحاولون استهداف الخطاب الذي لا يعجبهم عبر مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، ورفع الدعاوى القضائية، واستخدام السلطة التنظيمية، كما حدث عندما هدد بريندان كار، رئيس لجنة الاتصالات الاتحادية، في سبتمبر بمعاقبة قناة (ABC) التابعة لشركة ”والت ديزني“ إذا لم توقف برنامج جيمي كيميل.

انتقال القدرة على السيطرة من بكين إلى واشنطن 

قال جيم سيكريتو، المسؤول السابق في وزارة الخزانة والأمن القومي، الذي ساعد في تشكيل نهج إدارة بايدن تجاه ”تيك توك“: “ستتمتع الحكومة الاتحادية بنفس القدر من السلطة، إن لم يكن أكثر، على كيان (تيك توك) الجديد، مقارنة بسلطة لجنة الاتصالات الاتحادية على (ديزني)“. أضاف أن المنصة “ذات قيمة لا تصدق من حيث رأس المال الثقافي والسياسي، والتحكم في المعلومات التي يراها الأميركيون”.

أثارت الشعبية الهائلة لتطبيق التواصل الاجتماعي الصيني في الولايات المتحدة قلق المسؤولين منذ إدارة ترمب الأولى. تؤكد بكين سيطرتها على الشركات الصينية المملوكة للقطاع الخاص بطرق مختلفة، وبموجب القانون الصيني، يمكنها إجبار ”بايت دانس“ على تسليم بيانات تيك توك لأسباب تتعلق بالأمن القومي.

“تيك توك” يواجه غرامة أوروبية بنصف مليار يورو بسبب نقل بيانات إلى الصين

تصرّ الشركة على أنها لم تُطلب منها مثل هذه البيانات، وأنها لن تقدمها إذا طُلبت. لكن مسؤولين أميركيين أعربوا عن مخاوفهم من إمكانية استخدام ”تيك توك“ لجمع معلومات حساسة عن الأميركيين – وهو أمر اعترفت ”بايت دانس“ بفعله فيما يتعلق بالصحفيين المقيمين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وموظفيها – ومن إمكانية استخدام خوارزمية توصية المحتوى في ”تيك توك“ للتلاعب بالخطاب السياسي والاجتماعي. وقد وجدت بعض الأبحاث التي أجرتها جهات خارجية أن تطبيق ”تيك توك“ يعرض لمستخدميه الأميركيين محتوى أقل ”عداءً للصين” من منافسيه.

دفعت هذه المخاوف الكونغرس إلى إقرار قانون يدعمه الحزبان العام الماضي يلزم ”بايت دانس“ بفصل عمليات التطبيق في الولايات المتحدة أو مواجهة حظر على مستوى البلاد.

كان ترمب من أشد منتقدي “تيك توك” فيما مضى – فقد هدد بإغلاقه في عام 2020 إذا لم تسحب ”بايت دانس“ استثماراتها – لكنه دعم التطبيق حديثاً، وقال إنه ساعده على الفوز في انتخابات 2024. وقد أرجأ تطبيق الحظر خمس مرات، فمنح بذلك ”بايت دانس“ عاماً إضافياً لإبرام صفقة.

توزيع الكعكة

تتضمن خطة الرئيس لإنقاذ تيك توك بيع غالبية أعمال التطبيق في الولايات المتحدة لمستثمرين أميركيين في الغالب؛ وستحتفظ ”بايت دانس“ بحصة صغيرة وحصة من الأرباح.

في الماضي، أشار ترمب إلى رغبته في أن تمتلك الحكومة الأميركية نوعا من الحصة في تيك توك الأميركي، على الرغم من أن مسؤولاً كبيراً في البيت الأبيض صرح للصحفيين حديثاً أن هذا لن يحدث، ولن يكون للكيان عضو مجلس إدارة تختاره الحكومة.

مع ذلك، فإن صفقة ”تيك توك“ مليئة بالتحديات من جميع الجوانب، إذ يرجح أن يكون لحلفاء ترمب نفوذ على التطبيق، ومنهم الملياردير لاري إليسون، المؤسس المشارك لشركة ”أوراكل“، وهو صديق لترمب ومتبرع جمهوري قديم، وقد كلفت شركته البرمجية بمهمة مربحة جداً هي في تأمين مشروع ”تيك توك“ الجديد. كما صرّح ترمب بأن عائلة مردوخ، التي تقود الإمبراطورية الإعلامية التي تملك قناة ”فوكس نيوز“، من بين المستثمرين فيها.

“بايت دانس” تنال 50% من أرباح “تيك توك” بأميركا بموجب صفقة ترمب

أكد نائب الرئيس جيه دي فانس، الذي ناقش فريقه عملية إبرام الصفقات، أن تسليم تيك توك لمؤسسات أميركية عريقة وذات سمعة طيبة مثل ”أوراكل“، التي أمضت سنوات في العمل على حماية ”تيك توك“ كمزود لخدمات سحابية، هو بالضبط ما نحتاجه لراحة بال المواطنين الأميركيين.

وحاجج بأن ذلك يضمن تعامل التطبيق مع قضايا مثل تعديل المحتوى وتعديلات الخوارزمية بالطريقة التي تتبعها الشركات الخاصة الأخرى.

قال فانس أثناء توقيع ترمب على أمر ”تيك توك“ التنفيذي: “نريد التأكد من أن موظفينا ومستثمرينا يتخذون هذه القرارات بناء على ما هو مفيد لأعمالهم، وليس ما هو مفيد لذراع دعائية لحكومة أخرى”.

لكن في الوقت الذي طمس فيه ترمب الخط الفاصل بين السلطة الحكومية والتجارية، لا يُرجح أن تقنع صفقة الإدارة لتسليم ملكية ”تيك توك“ لشركات خاصة الجميع بأن التطبيق فب معزل عن سطوة الساسة.

قال سيكريتو، المسؤول السابق في وزارة الخزانة: “واضح أن كثيراً من الناس قلقون بشأن ما قد يرغب شي جين بينغ في أن يراه الأميركيون.. ولكن هناك أيضاً أميركيون كثر قد يشعرون بالقلق بشأن ما يريد لاري إليسون أن يروه.”

نقلاً عن: الشرق بلومبرج

أحمد ناجي محرر الأخبار العاجلة بموقع خليج فايف