تشهد الصحافة العربية تحولات غير مسبوقة في العصر الرقمي، حيث بات من الممكن لأي شخص أن ينشر محتواه على وسائل التواصل الاجتماعي، ويصل إلى جمهور واسع دون المرور عبر بوابة المؤسسات الصحفية التقليدية وبينما فتحت هذه التحولات آفاقًا جديدة للتعبير والنشر والوصول، إلا أنها في الوقت ذاته طرحت تحديات كبيرة، أبرزها قضايا حرية التعبير، والرقابة، وأخلاقيات المهنة، فضلًا عن تراجع الثقة بالمحتوى الإعلامي.
ويرصد موقع تحيا مصر التحولات الغير مسبوقة في العصر الرقمي:
انهيار النموذج التقليدي
منذ العقد الأخير، بدأت الصحافة الورقية في العالم العربي تفقد مكانتها، مع تراجع معدلات التوزيع والإعلانات ومع ظهور الإعلام الرقمي، أصبح القارئ هو من يختار ما يقرأ ومتى وكيف، مما أجبر المؤسسات الصحفية على التكيف العديد من الصحف انتقلت إلى النشر الرقمي، وأطلقت تطبيقات إلكترونية، لكن ذلك لم يمنع تسريح عدد كبير من الصحفيين، ودمج الأقسام أو إغلاق بعضها.
حرية التعبير تعتبر واقع معقد
رغم أن الفضاء الرقمي منح فرصة أكبر للتعبير عن الرأي، إلا أن الرقابة لا تختفي، بل اتخذت أشكالًا جديدة ففي بعض الدول العربية، يخضع المحتوى الرقمي لرقابة مشددة، ويلاحق الصحفيون والناشطون بتهم “نشر أخبار كاذبة” أو “الإساءة إلى مؤسسات الدولة” وأصبحت قوانين الجرائم الإلكترونية وسيلة للحد من حرية الصحافة، مما دفع بعض الصحفيين إلى ممارسة مهنتهم من الخارج أو تحت أسماء مستعارة.
من الصحفي إلى “المؤثر”
في ظل هذا المشهد، برز نوع جديد من صانعي المحتوى، لا يرتبط بمؤسسة ولا يلتزم بالمعايير الصحفية المعروفة ويطلق عليهم “المؤثرون” أو “الصحفيون المواطنون”، وهم أشخاص ينشرون الأخبار والتقارير من مواقع الحدث باستخدام هواتفهم ورغم أن هذا النوع من الإعلام يعزز ويدعم التنوع، إلا أنه يفتقر في كثير من الأحيان إلى الدقة والتحقق، مما ساهم في انتشار الأخبار الكاذبة.
الصحافة الاستقصائية في مواجهة التحديات
الصحافة الاستقصائية تواجه بدورها ضغوطًا متزايدة، إذ تتطلب موارد، وحماية قانونية، وبيئة تسمح بالبحث والكشف لكن مع ذلك، برزت مؤسسات عربية مستقلة مثل “درج”، و”العربي الجديد”، و”سراج”، تقدم نماذج ناجحة لتحقيقات معمقة، كشفت قضايا فساد، وانتهاكات حقوقية إلا أن هذه المؤسسات غالبًا ما تحارب بالتضييق المالي أو القانوني.
يظل مستقبل الصحافة العربية في العصر الرقمي مفتوحًا على جميع الاحتمالات فبينما تسعى الأنظمة السياسية إلى السيطرة على الخطاب العام، تنشأ منصات جديدة تبحث عن الاستقلالية والمصداقية ويبقى التحدي الأكبر هو تحقيق توازن بين الحرية، والمهنية، والمسؤولية الاجتماعية، في وقت تتسارع فيه الأحداث، وتتشابك فيه المصالح.
في النهاية، الصحافة ليست فقط مهنة، بل مسؤولية أخلاقية وثقافية، ودورها يظل محوريًا في تشكيل وعي الشعوب، خصوصًا في عالم عربي يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى إعلام حر، مهني، وشجاع.
نقلاً عن : تحيا مصر
لا تعليق