من حزب الله إلى أنصار بيت المقدس إلى الإخوان المسلمين إلى الدولة التي تدّعي أنها «الدولة الإسلامية»، تتكرر ذات الأساليب: رفع شعارات الدين لاستعطاف الجماهير، وإطلاق خطاب مزيف يخفي خيانة المبدأ وبيع القضية بثمن بخس؛ إنهم أعداء للدين قبل أن يكونوا خصومًا سياسيين، وأعداء للوعي قبل أن يكونوا منافسين إعلاميين.
وفي الوقت الذي يسقط فيه أهل غزة ضحايا القتل والتهجير والتجويع تحت آلة الحرب الصهيونية، يصرّ إعلام الإخوان على الصمت المريب تجاه المجازر، متفرغًا لبث خطاب تضليلي يستهدف الدولة المصرية، محاولًا تشويه مواقفها وتقزيم جهودها في نصرة القضية الفلسطينية.
في العلمين، ندّد مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، بأقوى العبارات بقرار سلطات الإحتلال الإسرائيلية إحتلال قطاع غزة، وأدان إمعانها في جرائم التجويع والممارسات الوحشية والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني الشقيق، وأكد المجلس أن إستمرار عجز المجتمع الدولي ومجلس الأمن عن وقف هذه الانتهاكات يقوض أسس النظام الدولي، ويهدد الأمن والسلم إقليميًا وعالميًا، وينذر بعواقب وخيمة تشجع على الإبادة الجماعية والتهجير القسري.
على المستوى السياسي، أصرت مصر على موقفها الداعم للقضية الفلسطينية، رافضة محاولات حكومة الإحتلال الإسرائيلي تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، كما أكدت القاهرة على سرعة إنهاء الصراع وحل الدولتين، أما على المستوى الشعبي فإن القضية الفلسطينية تحظى بإهتمام بالغ من كافة المصريين معتبرين أنها قضيتهم الأولى، رافضين صمت المجتمع الدولي عن جرائم الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل تجاه أهل غزة.
هذا الموقف المصري الصريح جاء في وقت تتحرك فيه دبلوماسية المحروسة على أوسع نطاق لإقناع دول العالم بالإعتراف بدولة فلسطين، وقد نجحت بالفعل في كسب مواقف دول مثل فرنسا، بريطانيا، استراليا، كندا، المكسيك، إسبانيا، النرويج، مالطا، وترينيداد وتوباغو، سلوفينيا، أيرلندا، ونيوزيلندا.
ورغم وضوح الحقائق، يتجاهل إعلام الإخوان هذه الإنجازات ومواقف مصر المشرفة، لأنه ببساطة يعمل ضد المصلحة الفلسطينية قبل أن يعمل ضد القاهرة، ويفضل الانشغال بطرح تافه، بل ويغطي على جرائم الإحتلال بشعارات جوفاء. والأدهى نجدهم مهووسون بأخبار الترفيه ومنبهرون بالفعاليات، يتابعون تفاصيلها بلهفة ويجعلونها محور خطابهم، في مشهد يُظهر أولوياتهم المختلة، حيث تُهمَّش مآسي غزة لصالح الاستعراض الإعلامي حول الحفلات والأنشطة الترفيهية التي نشأوا وتربوا عليها، بينما يغضّون الطرف عن الدول الرافضة لحل الدولتين، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، والاحتلال الإسرائيلي.
إعلام الإخوان المضلل يدعوا للوقوف أمام السفارات المصرية، وسفارتنا في تل أبيب للتظاهر ضد القاهرة بينما تدور في الخلفية طائرات الإحتلال تقصف غزة وتقتل وتشرد وتجوع وتبيد.. فذلك ليس فقط سقوطًا سياسيًا وأخلاقيًا، بل انكشاف كامل لحقيقة من يرفعون شعارات دعم غزة زورًا، بينما يمنحون إسرائيل غطاءً ذهبياً لمواصلة جرائمها بلا حساب.
التظاهرة جاءت بعد حملة ممنهجة يقودها تنظيم الإخوان والتنظيمات التابعة له في الخارج، تستهدف السفارات المصرية وتشيطن الدور المصري، في وقت امتنعت فيه هذه الأطراف عن أي تحرك أمام السفارات الإسرائيلية أو الأمريكية، أو حتى أمام الكنيست ووزارة الدفاع الإسرائيلية، حيث تُصنع وتُدار الحرب فعليًا.
إعلام الإخوان يغض الطرف عن جرائم الإحتلال ويتجاهل الإبادة وحصار غزة! ويُحمّل مصر مسؤولية الحصار، في محاولة رخيصة لنقل المسؤولية الأخلاقية والإنسانية عن دولة الإحتلال الإسرائيلي إلى طرف عربي، وهذا إن دل فإنما يدل على التواطؤ المكشوف.
منذ ٧ أكتوبر ومصر تقوم بدور استثنائي، مفتوحة الحدود، متحملة الضغوط، مدافعة عن الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية، رافضة مشاريع التهجير وإعادة إحتلال القطاع؛ وأدخلت آلاف الشاحنات، نظمت مؤتمرات دولية، وقادت الوساطات الأكثر حساسية.
في زمن الالتباس، من السهل أن تضلل الشعوب بشعارات كاذبة.. لكن الوقائع لا تكذب.. من يمنع دخول الغذاء والدواء لغزة؟! ويحتل الجو والبر والبحر في القطاع؟! ومن يقصف المستشفيات والمخيمات؟! ومن يقتل النساء والأطفال؟! ومن يبيد الأحياء السكنية بأكملها؟!.
مصر ليست المشكلة، بل المستهدفة؛ لأنها وحدها لا تزال تملك قرارًا مستقلًا، وتدرك أبعاد القضية، وترفض أن تكون شريكًا في تصفية فلسطين.. ولهذا، كان لابد أن تُضرب من الداخل والخارج، من الكنيست ومن نشطاء «مرخصين» في تل أبيب، ومن أبواق «الإخوان»، التي ترفع راية فلسطين وتخدم الإحتلال في آن.
التاريخ لن يرحم من خلط بين العدو والحليف، ومَن رفعَ علم الإحتلال لا يحق له أن ينطق باسمها، فالعار لا يُغسل بالشعارات وعلى رأي المثل: «إن طلع العيب من أهل العيب، ما بيبقاش عيب»، فالحقد أكل ملامحهم وهم يختبئون في جحورهم، يهاجمون من يقف حقًا مع فلسطين وأهلها!!
نقلاً عن : تحيا مصر
لا تعليق