يتسوق ويدفع.. الوكيل الرقمي خطوة للمستقبل أم تهديد للخصوصية؟

يتسوق ويدفع.. الوكيل الرقمي خطوة للمستقبل أم تهديد للخصوصية؟

كانت عملية شراء تذكرة حفل موسيقي، أو حذاء جديد، أو حتى احتياجات المنزل اليومية، تمر بمجموعة خطوات فعلية ينفذها الشخص بنفسه، لكن مع تطور التسوق الإلكتروني، أصبح بالإمكان تنفيذ العملية بالكامل دون أن يتصفح الشخص الموقع الذي يشتري منه أصلاً، أو حتى يكتب رقم بطاقة الدفع.

هذا الأمر أصبح واقعاً تتسابق فيه كبرى شركات التكنولوجيا، من خلال ما يُعرف بـ Agentic Payments (المدفوعات الوكيلة)، وهي الجيل الجديد من خدمات الدفع الرقمي التي تمنح وكلاء الذكاء الاصطناعي AI Agents القدرة على التسوق والدفع نيابة عن المستخدم.

سباق التسوق الإلكتروني

تتسابق الشركات التقنية والمؤسسات المالية على تطوير عملية التسوق الرقمي من خلال إتاحة أدوات وأطر برمجية تسمح لراغبي التسوق من المتاجر الإلكترونية بإتمام عمليات الشراء، بجميع خطواتها، عبر الاعتماد على وكلائهم الرقميين.

قدمت شركة “فيزا” تصوراً عملياً واضحاً باسم Visa Intelligent Commerce، وهو يشبه إلى حد كبير ربط بطاقة دفع افتراضية بالوكيل الرقمي، بحيث لا تكون بيانات بطاقة المستخدم الفعلية مكشوفة للتاجر.

على سبيل المثال، لو أن المستخدم يطلب من وكيله الرقمي البحث عن حذاء رياضي معين، في السابق، كان المستخدم عليه تصفح موقع البائع وإدخال بياناته كاملة بدءاً من العنوان إلى رقم بطاقة الدفع، مع ما يرافق ذلك من مخاطر تسرب البيانات. أما الآن، فإن الوكيل الرقمي الذكي يملك صلاحية استخدام بيانات دفع مُرمَّزة لا تعمل إلا في هذه المهمة، وضمن الحدود التي حددها المستخدم. 

وبفضل خاصية مفاتيح المرور Passkeys، لا يتم تفعيل الدفع إلا بعد مصادقة حيوية، مثل بصمة الإصبع أو التعرف على الوجه، ما يقلل فرص التلاعب أو الاحتيال. ويضاف إلى ذلك أن الوكيل الرقمي للمستخدم يتعلم من سجل مشترياته السابقة ليعرض منتجات أقرب لذوقه، كاقتراح حذاء بلون مفضل أو من علامة يشتري منها باستمرار.

ودخلت شركة “ماستركارد” إلى الساحة بإطلاق برنامجها Agent Pay، الذي يبدو أشبه بمحاولة لوضع إطار معياري عالمي للمدفوعات الوكيلة.

وقدّمت الشركة ما تسميه “الرموز الوكيلة”، وهي امتداد مباشر لتقنيات التشفير التي أثبتت فعاليتها في الدفع عبر الهاتف أو الاشتراكات الرقمية. 

ومع التقنية الجديدة، يمكن لشخص أن يكلّف وكيله الذكي بدفع اشتراك شهري في منصة بث، أو لشركة صغيرة أن تستخدم وكيلها للتفاوض على شروط دفع مع مورد دولي ثم إتمام الصفقة تلقائياً. 

وحرصت الشركة على أن تكون هذه العمليات مؤمنة بشكل صارم، إذ لا يمكن لوكيل رقمي غير مسجَّل أو غير موثوق تنفيذ الدفع، وإذا ظهرت معاملات مشبوهة، فإن “ماستركارد” أدرجت آليات لحماية المستخدم والتاجر على حد سواء، بما في ذلك إمكانية الاعتراض السريع وحل النزاعات، وبذلك، فإنها لا تقدّم مجرد أداة تقنية، بل تبني نظاماً متكاملاً يقوم على الثقة والشفافية.

شركة جوجل اختارت مقاربة مختلفة وأكثر طموحاً عبر تطوير بروتوكول مفتوح المصدر يحمل اسم Agent Payments Protocol (AP2). 

يمكن تشبيه الأمر بإنشاء لغة موحدة يتحدث بها جميع الأطراف، الوكيل، والتاجر، ومزوّد الدفع، ففي الماضي، كان كل طرف في منظومة المدفوعة الرقمية يعمل بنظام مختلف، ما يخلق تجزئة تعيق التوسع. 

ولكن عبر AP2 تصبح عملية الدفع عبر الوكلاء الرقميين أكثر وضوحاً، إذ يمكن للمستخدم أن يقول لوكيله “اشترِ لي تذكرة حفلة فور طرحها، شرط ألا يزيد السعر عن 150 دولاراً”، هنا يسجل الوكيل هذه التعليمات ضمن ما يُسمى Mandate، وهو عقد رقمي مشفّر لا يمكن التلاعب به.

وعندما يحين الوقت وتُطرح التذاكر، ينفذ الوكيل الشراء تلقائياً وفق الشروط الموضوعة مسبقاً، ويُسجَّل كل ذلك في سلسلة بيانية دقيقة يمكن الرجوع إليها لحل أي خلاف.

ولا يقتصر البروتوكول على البطاقات، بل يشمل العملات الرقمية والتحويلات المالية الفورية، ما يجعله أكثر شمولية وقابلية للتوسع.

لكن ربما الأكثر إثارة للاهتمام جاء من OpenAI، التي أدخلت مفهوم المدفوعات الوكيلية إلى الحياة اليومية بشكل مباشر من خلال منصة ChatGPT.

عبر خاصية Instant Checkout المطورة بالتعاون مع منصة المدفوعات Stripe، يمكن للمستخدم أن يطلب من الوكيل البحث عن منتج من متجر مثل Etsy أو Shopify، ثم يكمل عملية الشراء من داخل المحادثة ذاتها. 

التجربة تبدو سلسة، فكل شيء ينفذ دون الحاجة للانتقال إلى صفحات متعددة أو إدخال بيانات متكررة. ومع ذلك، أبقت OpenAI على خطوة أساسية وهي تأكيد الدفع من جانب المستخدم قبل إتمام المعاملة. 

بهذا، يظل للمستخدم دور رقابي مباشر يحدّ من احتمال الأخطاء أو المشتريات غير المقصودة، بينما يتذوق لأول مرة طعم “التسوق عبر المحادثة” ويصبح صندوق الكتابة في نافذة “الشات” هو المدخل الرئيسي للمتاجر الرقمية.

فرص وتحديات

هذا التوجه يَعِد بتجربة تسوق تكاد تخلو من التعقيدات، إذ تصبح حدود التفاعل مجرد جملة يقولها المستخدم لوكيله، فتتحول إلى عملية شراء مكتملة من البحث إلى الدفع. 

لكن، وكما هي الحال مع كل ابتكار جذري، يفتح الباب على فرص هائلة وأخطار لا يمكن تجاهلها، فمن جهة، هناك طفرة في التجارة الرقمية مع تراجع كبير في معدلات التخلي عن سلال التسوق، وانخفاض حاد في تسريب بيانات البطاقات بفضل الاعتماد على الرموز المُشفّرة.

ومن جهة أخرى، يثير المشهد تساؤلات بشأن احتمال وقوع عمليات شراء غير مقصودة أو تفويضات غامضة تُستغل بشكل سيئ، فضلاً عن خطر ظهور وكلاء منتحلين يتلاعبون بالمعاملات لحساب أطراف خبيثة.

ويتضمن الاتجاه الجديد نحو المدفوعات الوكيلة عدد من المخاطر على المستخدمين والتجار سواء، فإن اعتماد الوكلاء الرقميين على إشارات التخصيص Customization Signals، قد يتحول إلى وسيلة لجمع كميات هائلة من البيانات عن عادات وسلوكيات المستخدمين الشرائية، وهو ما قد يُستغل في الإعلانات الموجهة أو يُباع لأطراف ثالثة دون علمه. 

كذلك فإن توسيع صلاحيات الوكيل بشكل مفرط ربما يؤدي إلى عمليات شراء غير مقصودة أو تتجاوز احتياجات المستخدم الفعلية، ما يضعه تحت مخاطر اقتصادية ونفسية مرتبطة بالثقة في هذه الأنظمة.

إلى جانب ذلك، هناك خطر التلاعب بالتوصيات، إذ ربما ترجح بعض المنصات منتجات أو تجار محددين وفق مصالح تجارية، ما يجعل الوكيل أقرب إلى قناة تسويق مقنّعة بدلًا من كونه مساعد موضوعي للمستخدم. 

وحتى في ظل استخدام عمليات التركيز Tokenization، تظل البيانات السياقية مثل نوع المشتريات وتوقيتات الشراء والمتاجر المختارة حساسة للغاية، إذ يمكن من خلالها بناء ملف شخصي شامل حول المستخدم ونمط حياته، أكثر خطورة من رقم البطاقة نفسه.

التجار أيضًا ليسوا ببعيدين عن هذه المخاطر، وأحد أبرز ما سيواجهونه من تحديات يتمثل في فقدان العلاقة المباشرة مع العميل، ويصبح الوكيل هو الواجهة الأساسية للعملات الشرائية، ما يقلل من قدرة التاجر على بناء علاقة طويلة المدى أو التفاعل مع المستهلك. 

كما يواجه التجار خطر الاعتماد الزائد على منصات وسيطة مثل جوجل أو OpenAI لقبول المدفوعات الرقمية، وهو ما قد يرفع تكاليف المتاجر الإلكترونية، بل ويضع مصير استمراريتها في يد الوسطاء الرقميين.

وقد يتضرر التجار الصغار بشكل خاص إذا فضّلت خوارزميات الوكلاء العروض والخصومات التي قد تقدمها العلامات التجارية الكبرى أو المعلنين، ما يقوّض فرص المنافسة العادلة.

نقلاً عن: الشرق

أحمد ناجي محرر الأخبار العاجلة بموقع خليج فايف