في قلب المتوسط، وعلى شواطئ المستقبل، تتحرك مصر بخطى واثقة لتثبيت أقدامها كلاعب رئيسي في خريطة الطاقة العالمية، لم تعد المسألة مجرد تحسين في البنية التحتية أو سد العجز المحلي، بل أصبحت رؤية استراتيجية تنسج خيوطها من رياح الصحراء وشمس الجنوب، لتمد قارة أوروبا بالطاقة النظيفة عبر كابل بحري يمتد من السواحل المصرية إلى إيطاليا.
تمد قارة أوروبا بالطاقة النظيفة عبر كابل بحري
في أقل من عقد، تحوّلت مصر من بلد يعاني انقطاعات يومية في التيار الكهربائي إلى دولة تفيض بالكهرباء وتبحث عن أسواق لتصديرها، ويعود هذا التحوّل إلى خطة طموحة بدأت منذ عام 2014، تضمنت رفع كفاءة محطات التوليد، التوسع في الطاقة المتجددة، وجذب استثمارات ضخمة من شركاء إقليميين ودوليين.
رفع كفاءة محطات التوليد والتوسع في الطاقة المتجددة
واليوم، تكشف وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة عن مفاجأة جديدة في هذا الملف، مشروع تصدير الكهرباء إلى إيطاليا عبر كابل بحري ضخم، باستثمارات تتراوح بين 15 و20 مليار دولار، بحسب تصريحات المهندسة صباح مشالي، نائبة وزير الكهرباء.
هذا المشروع يتم بالتعاون مع شركة K&K الإماراتية، التي ستتولى تنفيذ الدراسات النهائية بالتنسيق مع الشركة المصرية لنقل الكهرباء، بعد أن حصلت على موافقة مجلس الوزراء برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي.
موقع مصر كمركز محوري للطاقة في شرق المتوسط
مشالي أوضحت، على هامش مؤتمر نظمته غرفة التجارة الأمريكية بالقاهرة، أن القدرة التصديرية للكابل ستصل إلى 3 جيجاوات من الطاقة المتجددة، وهي خطوة تمثل نقلة نوعية ليس فقط في مسار التعاون الإقليمي، بل في موقع مصر كمركز محوري للطاقة في شرق المتوسط.
ومن الجدير بالذكر أن هذه الخطوة تأتي في سياق أوسع من التحركات المصرية في مجال الربط الكهربائي، فبالتوازي مع المشروع الإيطالي، تستعد القاهرة أيضاً لإنهاء مشروع الربط الكهربائي مع المملكة العربية السعودية خلال موسم الصيف الحالي، وهو المشروع الأول من نوعه بين البلدين، ويعد من أكبر مشاريع الربط الإقليمي في المنطقة.
التحول المصري لمركز إقليمي للطاقة لم يكن عشوائياً، بل جاء نتيجة استغلال موارد الطاقة الشمسية والرياح التي تتمتع بها البلاد، وبتعاون استثماري كبير مع دول مثل الإمارات.
فعلى مدار السنوات الأخيرة، ضخت أبو ظبي مليارات الدولارات في إنشاء محطات طاقة شمسية ورياح على الأراضي المصرية، في إطار شراكة استراتيجية تدعم التحول الأخضر في المنطقة.
ليس هذا فحسب، بل بدأت الحكومة المصرية منذ أكتوبر الماضي خطة لخفض الاعتماد على الوقود والغاز في إنتاج الكهرباء، وذلك بعد رفع كفاءة المحطات، ما وفر مليارات الجنيهات من ميزانية الطاقة، ودعم توجيه الموارد نحو مشروعات مستدامة وعالية العائد.
ما يحدث الآن في البحر المتوسط ليس مجرد مشروع طاقة، بل هو إعادة رسم لخريطة النفوذ الاقتصادي في المنطقة، تلعب فيه مصر دوراً محورياً. فبينما تتعثر بعض الدول في تأمين احتياجاتها من الكهرباء، تخطط القاهرة لتصدير الفائض عبر الكابلات البحرية إلى قارة تبحث عن بدائل نظيفة ومستقرة.
الرهان المصري على الطاقة النظيفة بدأ يؤتي ثماره، ومع كل مشروع جديد، تقترب البلاد أكثر من تحقيق حلمها بأن تصبح مركزاً إقليمياً لتداول وتصدير الكهرباء. مشروع الكابل المصري – الإيطالي ليس مجرد استثمار ضخم، بل هو إعلان عن ولادة محور طاقة جديد من قلب الصحراء إلى ضفاف أوروبا.
نقلاً عن : تحيا مصر
لا تعليق