المضروب لا ينسى!

المضروب لا ينسى!

 

 

خالد بن سعد الشنفري

 

إن المُعلِّم والطبيب كلاهما

لا ينصحان إذا هما لم يُكرما

 

فاصبر لدائك إن أهنت طبيبه

واصبر لجهلك إن جفوت مُعلِّما

 

لا ريب أنَّه من شيم الأخلاق والمكارم أن نعترف للمُعلِّم بقَدْرِهِ، وقد تواصل معي أستاذ جليل علمني في المدرسة السعيدية بصلالة في بداية السبعينيات من القرن الماضي، يطلب مني أن أكتب مقالًا عن مُعاناتهم مع الكثيرين من زملائهم من مُختلف المناطق التعليمية في وزارة التربية والتعليم منذ ثلاثين عاماً إلى اليوم؛ حيث أُقعِد هؤلاء إجياريا في العام 1994 في الوقت الذي كانت الرواتب الحكومية ضعيفة، وليست مثل الآن، ولم تتضاعف علينا الأسعار أضعافًا مضاعفة كما هو الحال اليوم، فقد كان متوسط مرتباتهم الأساسية في حدود 400 ريال شهريًا واحتسب لهم ما نسبته 80% منها أي مبلغ 320 ريالًا فقط معاشًا تقاعديًا. وبالطبع أثَّر ذلك عليهم وعلى أسرهم كثيرًا؛ مما اضطرهم للعمل كسائقي سيارات أجرة أو سيارات تعليم السياقة أو مركبات نقل مياه وغيرها، لسد الهوة الاقتصادية التي وُضِعوا فيها دون سابق إنذار أو منحهم ما يحفظ كرامتهم وسط مجتمعهم وطلبتهم.

بالطبع ترددتُ كثيرًا بيني وبين نفسي في الكتابة عن موضوع مضى عليه هذه المدة الطويلة والتي تجاوزت حتى فترة العشرين عامًا التي تنقضي معها الحقوق بالتقادم إلا ما تعلق منها بحق الحكومة حيث لاينقضي بالتقادم ثم إن ما يعانيه كثير من المواطنين في جوانب مشابهة وحديثة في بلدنا كثيرٌ جدا يغنينا عن الحديث عن القديم.

إلّا أنني تذكرت وأستاذي يحدثني بحرقة عمرها ثلاثون عاماً لم ولن ينساها هو وزملاؤه ماحيوا إذا لم تعدل أوضاعهم فالمثل العربي القديم الشهير “ينسى الضارب ولكن المضروب لا ينسى” ومن منطلق نقطة حق الحكومة الذي لا ينقضي بالتقادم وتذكير الضارب وتقديرا للمطلب الغالي لأستاذي الجليل الذي علمني صغيرًا وتواصل معي كبيرًا، يطلب مني الكتابة عن موضوعهم، وهو قد وهن العظم منه، وكذلك بطبيعة الحال كل زملائه الذين شملهم هذا التقاعد الإجباري المتعسف آنذاك، ولم يعودوا قادرين حتى على المشي السوي، وليس مجرد قيادة مركبة نقل المياه أو سيارة إيجار تُعينهم دخولها على تكاليف الحياة الحالية.

أخاطب هنا بالذات كل مسؤول معني من قريب أو بعيد بهذا الأمر أن يتذكر كلاً من علمه حرفاً حتى أصبح اليوم مسؤولاً ويسعى جاهدًا لإيجاد مخرج لهؤلاء لإعانتهم على العيش ما تبقى لهم من حياتهم بأمان اجتماعي ونفسي ومادي.

رسالة أخيرة.. أهمسُ بها في أذن الجميع: اذا لم نوفِ حتى مُعلِّمينا حقوقهم المشروعة هل نتوقع أن يقبل بعد ذلك أحد على تولي هذه المهنة الشريفة- مهنة المُعلِّم- والتي يفترض أن تكون أعظم المهن وعلينا أن نكافئ أصحابها ونكرمهم لا هضم حقوقهم ثم ما مصير القبول على مهنة المُعلِّم وهكذا قد عاملنا الرعيل الأول منهم من سيعلم أبناءنا مستقبلا إذا لم يحظوا بالأمان الوظيفي وما بعد الوظيفة.

 

رحم الله أمير الشعراء الذي قال:

قم للمُعلِّم وفه التبجيلا

كاد المُعلِّم أن يكون رسولا

 

أعلمت أشرف أو أجل من الذي

يبني وينشئ أنفسًا وعقولاً

ملحوظة: مصدر الخبر الأصلي هو جريدة الرؤية العمانية