أحاديث عن التاريخ ومتشابهاته!

أحاديث عن التاريخ ومتشابهاته!

 

يوسف عوض العازمي

@ alzmi1969

“إنَّ أية محاولة إدخال أفكار جديدة مستترة في ثوب أفكار قديمة بدعوى اقتصاد الوقت ورسوخ التأثير، أو الوفاء للماضي و تدعيم الشخصية القومية، تركز التقليد و تحكم على نفسها بالتفاهة” عبدالله العروي.

**********

في كثير من الأحيان نسمع أو نقرأ جملة أو عبارة “التاريخ يعيد نفسه”، والعديد من الناس لديهم قناعة تامة بفحوى وجدوى هذه العبارة الجدلية، هناك من الناس -كل الناس- يعتقدون بصحة إعادة الزمن لنفس الحدث مع تغير الأشخاص؛ بل إنَّ هناك من يرسخ الأثر التاريخي على أنه أمر مسلم به، وأنه لا تغيير في سياق التاريخ إلّا بعنصر الأشخاص فقط، لذلك ليس فقط المهتمين وأهل التاريخ؛ بل عامة الناس يجزمون جزمًا لا مناص منه بأن التاريخ يذهب ويعود وفي صورة أشخاص.

وحتى لا أبعدك كثيرًا ولأوضح لك أكثر، وأقرِّب المعلومة كي يكون الفهم أنسب وبمعقولية هل تعرف الأمثال الشعبية، هناك أمثال هي في الحقيقة تتحدث وتختصر اعتقادات تاريخية وتجزم بها، أعطيك منها مثلًا وبالطبع على سبيل المثال وليس حصرًا: “المربى قتال” كلمتان تعني مثلا شائعا معناه أن الإنسان متأثر ببيئته الأولى ويحمل ذات الطباع ونفس الهوية، لا شك كثير من الناس يعتمد على هذا المثل ويستند إليه حتى في قرارات مُهمة كالزواج، والوظيفة، والشراء والبيع.

قبل سنوات كنت أتحدث مع سائق تاكسي في إحدى البلدان القريبة، و كان الحديث عن التاريخ والأمثال الشعبية، وكان الأخ سائق التاكسي مثقفا بالفطرة، ودار بيني وبينه حوار حول التاريخ وهل يعيد نفسه وعلاقة ذلك بالأمثال الشعبية، ومما ذكر لي بأن التاريخ يكتبه من يملك القلم والطباعة ومن يتحكم في النشر، فإن أعجبه حدث و تناسب هذا الحدث مع مثل شعبي دونه بالقلم ونشره؛ بل وأعتبره من المسلمات، وبعدها تسير في ذكره الركبان، وبالطبع العكس صحيح.

سألته هل أنت مقتنع بالأمثال وعلاقتها مع أحداث التاريخ، قال لي: لا بالطبع أنا أقتنع فقط بما تعطيني من أجره بعد إنتهاء المشوار، ولاتوجع رأسي بالتاريخ والأمثال، فالتاريخ يكتبه الشبعى وأهل المال، والأمثال ينشرها أهل الكيف، ويصدقها الأصحاء.

اقتنعت بجزء كبير من حديث وأفكار سائق التاكسي الذي حسب كلامه أمي لا يقرأ ولا يكتب، وإن كان يحمل معه تجربة حياتية زاخرة، هو مقتنع جدا بأفكاره، ويعتقد بأن أهل الشهادات أكتسبوها لأجل المال فقط ولاتسأل عن العلم، سألته غلطان ياصاحبي قال أنت الغلطان و أخذ يعدد أمثلة غير قابلة للنشر، فلما وجدت الحوار قد تدنى مستواه قليلا، قلت له لنرجع للتاريخ والأمثال والتشابه في الأحداث، قال لا فض فوه: لا تشابه ولا إشتباه، عندك قلم ومطبعة وفلوس أنت أبو التاريخ ومؤلف الأمثال، ماعندك لتجلس بعيدا وتقرأ منشوراتهم وتتثقف.

بعيدًا عن سائق التاكسي المثقف بالفطرة، سأذكرك بأن التاريخ يصنعه الإنسان، وبحسب ظروفا تواجهه، فيتصرف بما تمليه عليه إمكاناته الفكرية والأخلاقية، هنا قد تتشابه المعطيات الأساسبة لظرف الحدث، وإن أختلف الزمان والمكان؛ فالإنسان واحد لا يتجزء، لكنه يصرف وينصرف ويتصرف بحسب مايواجهه، لذلك كثير من الناس يعجبون أو ينبهرون بتصرف سين من الناس في حدث معين- أيًا كانت محددات الحدث- فيبنى بناء عليه مثل تتناقله الناس أو بيت شعر يخلد الموقف أو يدون في الكتابة، فتتم المقارنة بينه وبين أي حدث مشابه في قادم الأيام، فالمبادئ ثابتة إنما المعطيات متغيرة بحسب الواقع.

يقول أبو الطيب المتنبي:

فلا مجد في الدنيا لمن قلَّ ماله

ولا مال في الدنيا لمن قلَّ مجده

ملحوظة: مصدر الخبر الأصلي هو جريدة الرؤية العمانية