الأسرة والمسؤولية التربوية.. من وحي التوجيهات السامية

الأسرة والمسؤولية التربوية.. من وحي التوجيهات السامية

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

خلال ترؤس حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله- اجتماع مجلس الوزارء يوم الخميس الماضي، تطرق جلالته إلى أهمية دور الأسرة والمجتمع في التنشئة الاجتماعية، وجاء بيان مجلس الوزراء في هذه الجزئية كالتالي “وفي ظل صلابة اللّحمة المجتمعية والانسجام والتآلف الذي عُرف به المجتمع العُماني طوال التاريخ، واستنادًا على القيم العُمانية العريقة التي ترفض كافة أشكال التشدد والتعصب والتحزب، فقد أكد مجلس الوزراء على أهمية تحصين المجتمع من مختلف الجوانب، وتعزيز دور الأسرة لتقوم بتنشئة أبنائها على المبادئ السمحة واجتناب الأفكار الضالة والتأثر بها”.

هذه العبارات يجب الوقوف عندها كثيرًا وتحليل مضمونها بشكل دقيق وواضح ومن ثم بناء الاستراتيجيات الوطنية التربوية التي تجعلها محل تنفيذ وتطبيق، والمؤكد أن ما تطرق له جلالة السلطان المعظم أعزه الله كلنا نعلم دواعيه ومنطلقاته، ومن ثم ندرك أنَّ مواجهة هذا التحدي هي سبيلنا لصون مجتمعنا وحماية وطننا والحفاظ عليه، وهذه مسؤولية تقع على الجميع ولا يعذر منها أحد وفي المُقدمة المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني ثم المواطن الذي يعول عليه في هذا الشأن.

إنَّ الأسرة هي اللبنة الأساسية في مكون الوطن وهي حجر الأساس الذي تبدأ منه الأمة وتتشكل من خلاله المجتمعات، وعندما يتم الاعتناء بالأسرة فهذا ينعكس إيجابًا على المجتمع بشكل عام، وقد حرص ديننا الحنيف على أمر بناء الأسرة ووضع التشريعات التي تقيم هذا الكيان وفق شرع الله والفطرة السليمة التي نظمت الزواج ووضحت دور كلٍ من الأب والأم في هذا الكيان الاجتماعي وأقرت مبادئ. وقيم الاحترام والتوقير ولم تترك جزء من أمور الأسرة إلّا ونظمته وفق ما يعرف بفقه الأسرة، حيث بين كل ما يخص هذا النظام الاجتماعي الصغير من الزواج إلى الأبناء وتربيتهم وحقوقهم وواجباتهم.

وهذا الحرص من الدين الحنيف مرده إلى أهمية صلاح الأساس لتصلح باقي المكونات، وإن أحسنا في بناء الأسرة سوف نجد المُجتمع الصالح الذي ننشده، وهذا يقودنا بطبيعة الحال إلى النظر في مكونات الأسرة الأساسية حيث ينبغي تربية المرأة والرجل على أهمية دورهم وقدسيته وأثره في بناء المجتمع، وأن يزود كل منهما بما يحقق لديه الوعي الكامل بدوره وكيفية أدائه بالطريقة الصحيحة كما شرعها الله سبحانه وتعالى الذي قال في محكم كتابه العزيز “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاءً واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا” (النساء: 1).

لقد أولت الحكومة الرشيدة منذ بداية النهضة المباركة الأسرة أهمية كبيرة من جميع النواحي حتى تكون قادرة على أداء دورها وبشكل سليم؛ حيث اهتمت بكل ما من شأنه الحفاظ عليها ونظمت البرامج التنموية التي تخدم الأسرة ولم يقتصر هذا الدور على الجانب التنظيمي بل امتد إلى تفاصيل أكثر دقة في سبيل تحقيق أهداف التنمية، والمتابع لهذا الشأن يدرك حجم الجهود المقدمة من أجل أسر تنعم بالاستقرار الاجتماعي والأمان المستقبلي قادرة على مواجهة التحديات التي تعترضها.

وفي ظل ما ينتشر في العالم من تجاذبات فكرية وترويج للأفكار الهدامة تعمل مضادة لجهود المجتمعات والدول التي تناضل من أجل وقاية أفرادها من الأفكار المضللة، إلّا أن مروجي هذه الأفكار لا يدخرون جهدًا من أجل توجيه فكر الناشئة نحو قبول هذا التغيير من مدخل الحداثة والتطور والانفتاح ورفض الرجعية والقيود الدينية بحسب زعمهم. وهذا التضليل للأسف الشديد يجد رواجًا خاصة بين فئات الشباب والمراهقين والمرأة في ظل توفر الوسائل الحديثة السهلة التي تساعدهم في نشر أفكارهم، وليست فقط أفكار التحرر ما تمثل خطرا حقيقيا على المجتمعات؛ بل حتى التشدد والغلو الذي ابتلي به المسلمون في عهد قريب وما زالت أفكاره تنتشر.

لقد عرف أعداء الأمة والإنسانية كيف يصلون إلى مبتغاهم، فقد اتخذوا من عوامل التفرق وقودًا يساعدهم على تحقيق أهدافهم وأوجدوا بيئة ملائمة لنشر أفكارهم، فما إن تدنت مستويات التعليم، وتخلت الأسرة عن دورها، حتى وجدنا الأجيال تفتقر إلى الوعي والمعرفة. وهنا تقع الكارثة؛ حيث تسهُل أدلجة المجتمعات وتنتشر الطائفية والكراهية والتكفير وفتاوى القتل واستباحة الحُرمات، ثم تجد من يُصغي لها ويعتنقها، تاركًا مبادئ الدين الحنيف الذي يحض على قيم التسامح والتعايش ونبذ الكراهية والطائفية والعنصرية ويدعو للسلام.

هنا يجب علينا أن نتوقف كثيرًا وأن ندرك أننا لسنا استثناءً ولسنا بمعزل عن العالم، وإن لم نسارع في احتواء هذه التحديات والتعاطي معها بعقلانية وموضوعية وبحث ودراسة وتحليل وفهم واقعي لحالة المجتمع، ومن ثم قيام المؤسسات بدورها وخاصة الأسرة، فقد نجد أنفسنا في قلب العاصفة التي يريد لنا المغرضون والمتربصون دخولها تحقيقاً لمآربهم. وقد ذكرت بالتفصيل في مقالي السابق “كلكم راع ومسؤول عن رعيته” الواجب الذي يجب على كل منَّا القيام به اتجاه أسرته ومجتمعه.

لقد أولى جلالة السلطان المعظم- أعزه الله- حرصًا شديدًا على الحديث عن دور الأسرة والمجتمع في تنشئة الأبناء في أكثر من سانحة؛ إيمانًا منه بدورها وحثًا متواصلًا على عدم الإخلال بهذه المسؤولية حماية للفرد والمجتمع وتحصينًا له من قوى الشر التي تسعى في الأرض فسادًا وإفسادًا.. يقول تعالى “وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” (آل عمران: 104).

ملحوظة: مصدر الخبر الأصلي هو جريدة الرؤية العمانية