الباحثون عن عمل.. وتعديل “تقاعد” النساء

الباحثون عن عمل.. وتعديل “تقاعد” النساء

 

مسعود الحمداني

[email protected]

 

في مُعظم البيوت يوجد “باحث عن عمل”، شاب في مقتبل العمر ينتظر فرصته في التوظيف، يحلم ليل نهار بأن يصنع مستقبله، ويشكّل حياته، ولا يكون عالة على أبيه وأمه، يُطالع هاتفه كل صباح علّه يتلقى اتصالًا أو رسالة من وزارة العمل، أو من جهة خاصة تطلبه للمقابلة الشخصية من أجل الوظيفة التي أصبحت حلمًا بعيد المنال، رغم محاولات “ترقيعية” لحلها من جهات التوظيف، ولكنها في الواقع تفاقم الأزمة بعد أن ينتهي العقد، مثل “التوظيف المؤقت” الذي أصبح عبئًا على الدولة، فيتحول الموظف إلى “مُسرَّح” من العمل، حين لا يتم تجديد عقده مع الجهة المعنية، إلّا حسب حاجة العمل، وتوفّر المخصصات المالية المعتمدة.

هذا الشاب الذي يضيع عمره بين “حانا ومانا”، هو ثروة هذا الوطن، وكنزه الثمين الذي يضيع هدرًا، وكلما طال أمد التوظيف، تخسر الدولة جزءًا من ثروتها البشرية. وبمرور الوقت، والسنين يصبح الشاب الباحث عن عمل، غير صالح للوظيفة بسبب كِبَر سِنّه، وضعف حماسه، وعدم قدرته على الإبداع في عمله، فيتحول إلى مجرد رقم في منظومة العمل، وهكذا يتحول الشباب إلى طاقات مهدرة تضيع وتتبخر كما الماء في البحر؛ بل ويصبح الباحثون عن عمل قنبلة اجتماعية خطيرة لا يمكن التنبؤ بنتائج انفجارها، حين يزيد الضغط عليها من كل مكان.

إنَّ من الغريب أن تكون مثل هذه المشكلة الكبيرة موجودة، وفي نفس الوقت يصدر قانون الحماية الاجتماعية وأخص بالذكر هنا مواد التقاعد، التي لم تراعِ مسألة “الخلل الوظيفي الاجتماعي”، فهو يرفع سنّ التقاعد إلى الستين عامًا، خاصة بالنسبة للنساء الموظفات، في ظل وجود هذا العدد الضخم من الشباب الباحثين عن عمل، وكان من الأجدى أن يُخفِّض سن التقاعد للموظفات الراغبات في التقاعد إلى سن أقل، ودون حسبة “لوغاريتماتية” لمعاشات التقاعد، وتلك “اللَفّة” الطويلة التي لا يُجيد حسابها غير موظف مالي مختص؛ فكثير من النساء الموظفات يرغبن في التقاعد قبل بلوغ سن الخامسة والخمسين أو الستين عامًا، فذلك أكثر منفعةً لهن، وللمجتمع ككل، مما يساهم في توظيف مجموعات جديدة من الشباب الباحثين عن عمل.

والمرونة في ضوابط التقاعد للنساء تعد واحداً من الحلول التي يجب وضعها في الحسبان؛ حيث تبلغ نسبة القوى العاملة النسائية في القطاع الحكومي أكثر من نصف مُجمل العاملين، وهناك الكثير من هؤلاء النساء قضين في وظائفهن أكثر من عشرين عامًا، ويرغب العديد منهن في التقاعد، ولكن يحول دون ذلك حسبة عجيبة وضعها قانون التقاعد، والتي تشترط خروج الموظفة عند سن الخامسة والخمسين عامًا بشروط مُعقَّدة، وبراتب ضئيل، وفي حالات أخرى لا تحصل على مكافأة نهاية الخدمة، أو أنَّ عليها انتظار وصولها إلى سن الستين، ثم “التمتع” بالتقاعد، وكل تلك الشروط المعقدة التي وضعها المشرّع تجعلها مُتردِّدة في اتخاذ قرار تقاعدها.

إنَّ معاناة الشباب الباحث عن عمل، لن تحل بتلك “العقود المؤقتة”، والتي لا تفي بمتطلبات الشباب، ولا تقيهم من تقلبات الوزارات، ومزاجات بعض المسؤولين، ويظل الموظف المؤقت في صراع نفسي دائم، فلا هو في سماء الأحلام، ولا هو على أرض الوظيفة، ولا تقبل أي جهة مصرفية إقراضه لأنها لا تعلم مصيره بعد حين، كما إن القطاع الخاص الذي تحاول جهات العمل رمي الكرة في ملعبه، لديه مشاكله الكثيرة التي قلّصت من دوره، فالضرائب تُثقل كاهله، والأعمال ليست بتلك الصورة التي يُحاول تبسيطها المسؤولون في الحكومة، وحتى الشركات الكبيرة و”العملاقة” لا تستطيع تحمُّل كل تركات وتراكمات مشكلة الباحثين عن عمل، ولا تتحمل إخفاق المسؤولين في حلها على مدى سنوات طويلة، وما تلك الأعمال البسيطة كـ”توصيل الطلبات” التي يحاول البعض الترويج لها على أنها تُدر دخلًا كبيرًا، لا تعدو كونها أوهامًا يتم تسويقها، في ظل وضع القوة الشرائية المتدنية بشكل عام، وقلة عدد السكان الذين يتوزعون على آلاف الكيلومترات في سلطنة عُمان؛ حيث لا توجد كثافة سكانية إلّا في محافظة مسقط، وبعض الولايات الرئيسة في محافظات أخرى؛ مما يعني أن تلك الأعمال لا يُمكن إلّا أن تحِل جزءًا محدودًا جدًا- وإلى حين- من القضية، وفي نطاق جغرافي ضيق للغاية.

لقد حان لوزارة العمل أن تبحث عن أفكار “خارج الصندوق” وأن لا تعتمد على أرقام التوظيف التي تعلن عنها، والتي لا تنظر إلى أعداد “الفاقد” من قوى العمل الشابة، ولا تذكر في إحصاءاتها عدد الذين لم يقبلوا أو تركوا العمل لعدم ملاءمته لطموحاتهم، وليكن ذلك بإعادة النظر في سن تقاعد النساء الموظفات، وطرق تحفيزهنّ لما بعد التقاعد، والذي سيتيح الآلاف من فرص العمل للشباب الذين ينتظرون لسنوات طويلة- في بيوت أهاليهم- “وظيفة ثابتة” تُلبِّي طموحاتهم، وتُنهي معاناتهم.

ملحوظة: مصدر الخبر الأصلي هو جريدة الرؤية العمانية