الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في دحض نظريات المؤامرة

الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في دحض نظريات المؤامرة

فوجئ العلماء عندما اكتشفوا أنهم يستطيعون توجيه نسخة من ChatGPT لإقناع الناس بلطف بالتخلي عن معتقداتهم في نظريات المؤامرة، مثل الاعتقاد بأن كوفيد-19 كان محاولة متعمدة للسيطرة على السكان، أو أن أحداث 11 سبتمبر كانت مؤامرة تم تدبيرها داخلياً.

لكن الاكتشاف الأهم لم يكن عن قوة الذكاء الاصطناعي، بل عن آلية عمل العقل البشري. فقد دحضت التجربة الفكرة الشائعة بأننا نعيش في “عصر ما بعد الحقيقة” حيث لم يعد الدليل ذا أهمية، كما أنها تحدت النظرة السائدة في علم النفس التي تشير إلى أن الناس يتمسكون بنظريات المؤامرة لأسباب عاطفية، وأنه لا يمكن لأي دليل إقناعهم بخلاف ذلك.

وقال عالم النفس غوردون بينيكوك من جامعة كورنيل وأحد مؤلفي الدراسة: “إنه البحث الأكثر تفاؤلاً الذي قمت به على الإطلاق”. وأشار إلى أن المشاركين في الدراسة كانوا متقبلين بشكل مفاجئ للأدلة عندما تم تقديمها بالطريقة الصحيحة.

طلب الباحثون من أكثر من 2000 متطوع التفاعل مع روبوت محادثة مبني على نموذج لغة كبير (GPT-4 Turbo) حول معتقدات قد تُعتبر نظريات مؤامرة. أدخل المشاركون معتقداتهم في مربع، وكان النموذج يقرر ما إذا كان يناسب تعريف الباحثين لنظرية المؤامرة. بعد ذلك، طُلب من المشاركين تقييم مدى تأكدهم من معتقداتهم على مقياس من 0% إلى 100%، ثم طُلب منهم تقديم الأدلة التي يستندون إليها.

وتم توجيه النموذج اللغوي لمحاولة إقناع الناس بإعادة النظر في معتقداتهم، ولدهشة الباحثين، كان ذلك فعالاً إلى حد كبير.

انخفضت ثقة المشاركين في الدراسة في نظريات المؤامرة الزائفة بنسبة 20% في المتوسط. كما أن ربع المشاركين تقريباً خفضوا مستوى يقينهم من فوق 50% إلى أقل من ذلك. وقال بينيكوك: “لم أكن أعتقد أن هذا سينجح، لأنني كنت مقتنعاً بأن المرء بمجرد دخوله إلى حفرة الأرانب، فإنه لا يمكن الخروج منها”.

كان للنموذج بعض المزايا على المحاور البشري. فالأشخاص الذين يعتنقون نظريات المؤامرة عادة ما يجمعون كمّاً هائلاً من الأدلة؛ ليس أدلة نوعية، بل كمية. ومن الصعب على معظم غير المؤمنين بهذه الأفكار أن يحفزوا أنفسهم للقيام بالعمل المرهق لمتابعة هذه الأدلة. لكن الذكاء الاصطناعي يمكنه مواجهة تلك الافكار بحجم هائل من الأدلة المضادة، كما يمكنه الإشارة إلى العيوب المنطقية في ادعاءاتهم. ويمكنه أيضاً التفاعل في الوقت الفعلي مع النقاط المضادة التي قد يطرحها المستخدم.

إليزابيث لوفتوس، عالمة نفسية من جامعة كاليفورنيا في إيرفين، والتي تدرس قوة الذكاء الاصطناعي في نشر المعلومات المضللة وحتى الذكريات الزائفة، أُعجبت بهذه الدراسة وحجم نتائجها. واعتبرت أن أحد الأسباب التي جعلتها ناجحة هو أنها تُظهر للمشاركين حجم المعلومات التي لم يكونوا على علم بها، مما يقلل من ثقتهم المفرطة في معرفتهم الخاصة. فالأشخاص الذين يعتقدون بنظريات المؤامرة لديهم عادة تقدير عالٍ لذكائهم الخاص وتقدير أقل لحكم الآخرين.

أفاد الباحثون بأنه بعد التجربة، قال بعض المتطوعين إن هذه كانت المرة الأولى التي يفهم فيها شخص ما أو شيء ما معتقداتهم فعلاً وقدم لهم أدلة مضادة فعّالة.

قبل نشر النتائج هذا الأسبوع في مجلة “ساينس”، أتاح الباحثون نسختهم من برنامج الدردشة للصحفيين لتجربتها. قمت بصياغة تعليمات أمر توجيهي حول معتقدات سمعتها من أصدقائي تشير إلى أن الحكومة تخفي وجود حياة فضائية، وأن بعد محاولة اغتيال الرئيس السابق دونالد ترمب، تجنبت وسائل الإعلام الكبرى عن عمد ذكر أنه أُطلق عليه النار لأن الصحفيين كانوا قلقين من أن ذلك سيساعد حملته الانتخابية. وبعد ذلك، سألت النموذج اللغوي الكبير إذا كان المهاجرون في سبرينغفيلد بولاية أوهايو يأكلون القطط والكلاب، وهو سؤال استقيته من تعليقات ترمب خلال مناظرة.

عندما طُرح ادعاء وجود حياة لكائنات فضائية، استُخدمت مشاهدات الطيارين العسكريين وبرنامج لقناة “ناشيونال جيوغرافيك” بوصفها أدلة، وأشار برنامج الدردشة إلى بعض التفسيرات البديلة وأظهر لماذا كانت تلك التفسيرات أكثر احتمالاً من السفن الفضائية. ناقش الصعوبة من الناحية الفيزيائية (مثل السرعة والطاقة المستخدمة) للسفر عبر المسافات الواسعة المطلوبة للوصول إلى الأرض، وشكك في ما إذا كان من المحتمل أن تكون الكائنات الفضائية متقدمة بالقدر الكافي للتوصل لذلك لكنها لا تتمتع بالكفاءة بنفس القدر ما يجعل الحكومة قادرة على اكتشافهم.

وفيما يتعلق بسؤال الصحفيين عن إخفاء خبر إطلاق النار على ترمب، أوضح الذكاء الاصطناعي أن تقديم التخمينات والادعاء بها باعتبارها حقائق يتعارض مع وظيفة الصحفي. إذا كان هناك مجموعة الأصوات وسط حشد ما، ولم يكن من الواضح بعد ما يحدث، فإن ما يتعين عليهم تقريره هو مجموعة الأصوات. أما بالنسبة لشائعة أكل الحيوانات الأليفة في أوهايو، فقد قام الذكاء الاصطناعي بشرح جيد أنه حتى لو حدثت حالة واحدة من أكل حيوان أليف، فإن ذلك لا يبرهن على وجود نمط سائد.

لكن هذا لا يعني أن الأكاذيب والشائعات والخداع لا تعد من الأساليب المهمة التي يستخدمها البشر لكسب الشعبية والمزايا السياسية. من خلال البحث في وسائل التواصل الاجتماعي بعد المناظرة الرئاسية الأخيرة، كان العديد من الأشخاص يصدقون شائعة أكل القطط، وما نشره البعض على أنه أدلة كان تكراراً لنفس الشائعة. يعد تناقل القيل والقال جزءاً من طبيعة البشر.

لكننا الآن ندرك أنه من الممكن إقناعهم بالمنطق والأدلة.

ملحوظة: مصدر الخبر الأصلي هو صحيفة اقتصاد الشرق